الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

دروس فى قيادة الأشلاء

دروس فى قيادة الأشلاء
دروس فى قيادة الأشلاء




يكتب: إيهاب كمال

«ريجاتا» ليس اسم بلطجى جديد ذاع صيته فى منطقة شعبية، ولا عنوان الفيلم السينمائى المعروف، ولا كود سرى لعملية غامضة يقوم بها جهاز مخابراتي، لكنه باختصار موديل سيارتى القديمة المتهالكة، بكل صراحة هى ليست سيارة بالمعنى الحقيقي، لكنها «شبه سيارة» فهى عبارة عن «أشلاء عربية، مفيش فيها حاجه سليمة»، لكننى بكل فخر أصنع بها المعجزات، فهى قبل أى وظيفة تطبيق واقعى للمثل الشعبي: «حمارتك العرجة تغنيك عن سؤال أهل الشر»، وأقصد بهم مثلا: سواقين التاكسي، والميكروباص، والتوكتوك، أو «الحوجة» لصديق ندل يرفض توصيلك وقت الزنقة، وغيرهم. لذا أحب سيارتى الأشلاء، وأحسن التعامل معها، والحقيقة أنها برغم ما تعانيه لم تخذلنى يوما، ولهذا قصة أحكيها لكم:
***
تعودت منذ سنوات على مواعظ الأقارب والأصدقاء التى تطالبنى بالتخلص من سيارتي، كنت استمع يوميا إلى النصائح المتكررة: يا ابنى خد لك قرض وهات عربية جديدة أحسن، بلاش البهدلة دى واركب مواصلات أحسن، ابقى خلى معاك فى الشنطة نفرين يزقوك، وكثير من التعليقات التى تستهين وتهين سيارتى العجوز، وعادة كنت أرد للتهدئة والإغلاق الموضوع: إن شاء الله، لأننى لا أحب أن أسمع كلمة «قرض»، وأعتبر أن هذا الاستسهال فى الاقتراض فقر فى العقل وعجز فى التفكير والتدبير، وأقصر طريق إلى الخراب والسقوط فى بئر الأزمات.
***
فى أغسطس الماضي، بينما القاهرة تغرق فى بحر من العرق والرطوبة، كان موعدنا العائلى مع مغامرة الهروب السنوى إلى الغردقة، وقررت أن تكون وسيلة الانتقال هى «الـريجاتا».. فذهبت إلى الميكانيكى لتظبيط حالة السيارة، وفوجئت بالصدمة التى رأيتها على ملامح وجهه حين أخبرته بأننى أريد تظبيط العربية لأننى سأسافر بها إلى الغردقة، كانت صدمته كفيله بأن ترعبنى من السفر بالسيارة، لكننى كنت قد اتخذت قرارى بتعقل وبعد دراسة مستفيضة، وأردت التأكيد على أن حسن إدارة الأشياء يجعلها تصنع المعجزات مهما كانت العقبات، ولذلك وضعت خطة علمية «ماتخرش الميه» للقيام بهذه الرحلة الطويلة دون أى مشاكل أو عكننة للعائلة.
***
أولا كان يجب أن أعرف الأشياء البديهية، مثل طول المسافة، وظروف الطريق، يعنى هل عليه خدمات وصيانة أم لا؟، وأماكنها، والتعرف على أهم مشاكل العربية ومحاولة علاجها أو التعامل معها، والاحتفاظ بالأشياء التى سأحتاجها فى شنطة السيارة، وحصرت عشرات الأسئلة والمشاكل التى قد تواجهنى ووفرت لها أجوبة وحلولا، كى لا أفاجأ بأى مشاكل على الطريق فيقع ما يجعلنى فريسة لغضب أولادى المتنمرين، وشماتة أهل الشر من الزملاء الساخرين.
***
لما سألت نفسى عن أهم قطع الغيار التى أحتاجها لتأمين سلامة سير السيارة، توصلت بعد تفكير وتجارب أن كل القطع ذات أهمية، مافيش حاجة اسمها قطعة أهم من قطعة، لأن «فيوز» صغير ممكن يوقف العربية مثله مثل قلب الموتور، لذا أيقنت أنه يجب أن أهتم بحالة كل القطع ولا أفضل قطعة على أخرى، فلكل قطعة دور مهم مهما كان سعرها أو حجمها، فلا بد إذن أن أحنو عليها جميعا بنفس القدر، ولا أهمل قطعة وأجامل أخرى، فالكل سواء طالما يقوم بدوره لصالح دور السيارة الأم، وعند الفجر قرأت دعاء السفر، وانطلقت بالريجاتا على الطريق قبل أن تزداد حرارة الشمس فتساعد على سخونة كل شيء فى العربية فيشتعل غضب الأولاد.
***
طوال الطريق إلى الغردقة كنت فخورا بـ«ريجاتتى الأشلائية» وهى تجرى مختالة إلى جوار المرسيدس، والبى أم، والفور باى فور، والميكروباصات المتهورة، فأنا أعلم جيدا أننى قسوت عليها وحملتها فوق طاقتها، حينما قررت السفر بها، لكننى كنت واثقا أنها لن تخذلنى مادمت قد أوليتها اهتمامى ووضعت خطة علمية مدروسة للرحلة، وضحكت وأنا أتذكر موقف طريف لصديقى العزيز الحاج شهاب، عندما ذهب فى رحلة مصيف جماعية أيام العزوبية، حيث دفع الأصدقاء معظم ما معهم من جنيهات قليلة لتكلفة الطعام، لكن الحاج الظريف، عاد بعد قرابة الساعة بصدمة للجميع، فقد اشترى بالمبلغ كله بسبوسة.
***
على أبواب الغردقة كان صوت وجيه عزيز ينساب من السماعات الجديدة للريجاتا: «قول معايا قول بجد/ هيَّ عيشة وللا موتة ولا فوتة فى حارة سد»، واستيقظ مروان على صوت خشن يقول: «الكارته»، فقفز من كرسيه بفرحة طفولية واحتضن رأسى بيديه وهو يقول: «عملتها يا بوب، مش هنشتم الريجاتا تاني».