الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

محمد عطا يضع مصر تحت طائلة «جاستا»

محمد عطا يضع مصر تحت طائلة «جاستا»
محمد عطا يضع مصر تحت طائلة «جاستا»




الرياض - صبحى شبانة

جاء إقرار الكونجرس الامريكى مساء الاربعاء الماضى لما يسمى بقانون «العدالة ضد الارهاب (جاستا)، بما يشبه الصدمة لقطاعات واسعة فى عالمنا العربي، لكن الحقيقة أن إقرار «جاستا» رغم الفيتو «الشكلى» للرئيس أوباما المنتهية ولايته، والذى جاء ذرا للرماد، ورفعا للعتب، لم يكن مفاجئا، خصوصا للمتتبعين للعلاقات السعودية - الامريكية، وغيرهم ممن يرصدون منذ فترة التحول الجاد والسريع للسياسة الأمريكية باتجاه إيران على حساب الحليف العربى الذى طالما راهنت قياداته على حليفتها الولايات المتحدة، لكنها فى النهاية فيما يبدو قد خسرت الرهان بعدما أدارت أمريكا ظهرها للحليف السعودى الاستثنائى حيث قرر الكونجرس ومعه النخبة الأمريكية أن دوره انتهى، ولم يعد التحالف معه مفيدا، برغم العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين التى وضع أسسها العاهل السعودى الملك عبد العزيز آل سعود، والرئيس الامريكى روزفلت على ظهر السفينة الحربية فى قناة السويس عام 1945م.
بالتأكيد هذا العقوق الامريكى ليس وليد سياسات أوباما فى المنطقة كما يروج البعض، لكن التحول الامريكى ضد المملكة بدأ فى عهد بوش الابن الذى دعا الى التحالف مع إيران وحمل السنة مسئولية رعاية الإرهاب، كما أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما كان واضحا وكاشفا حينما اتهم فى مقابلة موسّعة نشرتها مجلة «ذى أتلانتك» الأمريكية، مارس الماضى بأن السعودية الراعية الأولى للتطرف والإرهاب فى العالم، وان على المملكة ان تدرك ان عصر الركوب المجانى على ظهر أمريكا قد انتهي، مايعنى ان الإدارات الامريكية ارتأت تبديل مواقع العداء بين السعودية وايران، أى تحويل السعودية إلى عدو، وإيران إلى حليف، وهذا ماتم بالفعل.
وطبقا لبنود اتفاق فيينا الذى أبرم فى يونيو الماضى بين إيران ومجموعة ٥+١ فإن الولايات المتحدة الامريكية ملزمة بالإفراج عن أرصدة إيران فى البنوك الأمريكية التى تتجاوز قيمتها الـ ١٢٠ مليار دولار، وهذا ما لايستطيع الاقتصاد الأمريكى تحمله، فالاقتصاد الأمريكى ليس فى أفضل حالاته، وحجم الدين الأمريكى وصل إلى مرحلة احتلت معها أمريكا قائمة أكبر اقتصاد مدين فى العالم، لذا كان من الضرورى ان يأتى «جاستا» ليتيح لأمريكا السطو المقنن على الاستثمارات والودائع والأصول المالية السعودية فى أمريكا التى تقدر بنحو ٧٥٠ مليار دولار كدفعة أولى لتعويض عائلات الضحايا وابتزاز المملكة فى عملية لاتنتهى مشابهة لما تم مع ليبيا فى حادثة لوكيربي.
«جاستا» ليس كما يظن البعض موجه فقط ضد السعودية بل يتيح القانون الأمريكى لأقارب وأهالى الضحايا مقاضاة الدول التى شارك ابناؤها فى استهداف برجى مركز التجارة العالمي، ومنها مصر التى جاء المصرى محمد عطا على رأس مجموعة الـ١٩ التى نفذت أحداث ١١ سبتمبر، فالهدف من القانون كما قالت نصوصه فى المادتين الخامسة والسادسة هو : توفير أوسع نطاق ممكن للمتقاضين المدنيين تماشياً مع دستور الولايات المتحدة للحصول على تعويض من الأشخاص والجهات والدول الأجنبية التى قامت بتقديم دعم جوهرى سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لأفراد أو منظمات تعتبر مسئولة فى أنشطة إرهابية ضد الولايات المتحدة.
والسؤال الذى يطرح نفسه بقوة بعد إشهار «جاستا» بغلظة وضراوة ونكران للجميل فى وجه العالم العربى وفى مقدمته السعودية ومصر، كيف تتعامل الدولتان مع تأثيرات هذا القانون الدامية؟، ومالذى يمكن ان تفعله السعودية فى مواجهة هذا الغدر الامريكي؟، وهل ستسمح امريكا للسعودية بسحب جزء من استثماراتها فى الاقتصاد الامريكي؟، بكل أسف الخيارات باتت محدودة، والفرص ضائعة، وتهديدات وزير الخارجية السعودية بسحب الاستثمارات جاءت متأخرة وفاقدة المفعول، ولم تجد الرهانات العاطفية على فيتو أوباما، او تطمينات وزير خارجيته كيري، أو استقبال وفود من الكونجرس والاعلام الامريكى بحفاوة فى فنادق وقصور العاصمة الرياض، إذن العقل الواعى يحتم، والواجب الذى يفرض نفسه بقوة يقتضى الخروج سريعا من حالة الغضب، وردات الفعل الإعلامية التى لاصدى لها لدى الطرف الآخر، والتى تقول التجارب أنها اشبه بحوار مع الذات، الذى لم يجد معه الجلد الدامى نفعا، واللدغ الامريكى المسموم المستمر أثرا، فإقرار «جاستا» فى هذا التوقيت لم يأت مصادفة بل تم اختيار هذا الوقت بعناية لرفع الحرج عن الرئيس الامريكى القادم الذى يتهيأ للجلوس فى البيت الابيض، فيما يستعد أوباما الذى فقد تأثيره لإنهاء ولايته الثانية.
«جاستا» اصبح واقعا، وجرجرة السعودية ومصر وغيرهما من البلدان العربية فى المحاكم الامريكية مسألة وقت، والاقتصادات العربية التى تعانى مهددة بالرهن للاقتصاد الامريكى، الأمر جد خطير لايجب التعامل معه باستهانة.