الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

دفاع عن الفن

دفاع عن الفن
دفاع عن الفن




يكتب: د.حسام عطا
أستعيد هذه الأيام قراءة كتاب «دفاع عن العلم» لمؤلفه العلامة الفرنسى ألبير باييه، وهو من تعريب المترجم والفيلسوف المصرى عثمان أمين، فى إطار حديثنا فى مصر عن الأخلاق وضرورة ضبطها وترتيب منظومتها العامة، والإيحاءات والإشارات شبه المنتظمة عن دور الفن فى صناعة الأخلاق الرديئة عبر تمجيد نماذج الاحتذاء من اللصوص والبلطجية وما إلى ذلك، والكتاب دفاع عن العلم ضد الهجوم الذى تعرض له عقب الحرب، متأثرا بأجواء الحرب العالمية الثانية وما أحدثته منجزات العلم من دمار وحشي، ها هو العالم يستعيدها الآن عبر الدعم العلمى المعلوماتى والتكنولوجى للإرهاب الساعى للتفتيت وللإيذاء، خاصة فى المنطقة العربية الآن.
وهكذا يصبح السؤال عن الفن، ودوره فى التأسيس للعنف وإعلاء المصلحة الذاتية، وإذكاء روح الأنانية وتأكيد سيطرة ثلاثية المال والجنس والقوة، وهو الأمر المسيطر منذ العقود الثلاثة الماضية على اتجاه الفنون الجماهيرية المقبلة إلينا من هوليوود، والمصنعة فى مصر تصنيعا محليا أكثر قدرة على التأثير والإيحاء.
و«دفاع عن العلم» كتاب يحاول الفصل فى الخلط بين العلم وتطبيقاته فالقانون العلمى أمر وتطبيقه لصناعة الأسلحة البيولوجية والذرية أمر آخر، وكذلك الفن، فالرؤى والتقنيات الحديثة أمر، وتطبيقاتها المسيئة أمر آخر، وما أحوجنا هذه الأيام لتأكيد فكرة مهمة هى أن الفن يقرر الصور ونماذج الحياة وطرق التفكير والنجاح وصناعة المال والإحسان والانتقام، ولكنه لا يحكم ولا يصنع مسارات الحياة الواقعية، وإن كان يوحى بها ويؤثر على الجمهور العام، خاصة مع الانهيار السريع المتوالى للمنظومة التعليمية والثقافية وانفصالها عن التأثير فى الجمهور العام، ولذلك يصبح الفن الجماهيري، المسموع  المرئى هو مصدره الأول لتفسير الحياة ولترتيب الأولويات والاختيارات الأخلاقية.
ولذلك فنحن نحتاج وبشدة فى مصر لاستعادة أدوار الفن وللانحيازين المادى والمعنوى لدوره الأساسى ألا وهو بهجة الفن الإنسانية المنحازة للجمال بمعناه العام الذى يتضمن بالتأكيد المعنى الأخلاقى للفن، وهو المعنى الخاص فالجمال هو جوهر الفن الذى يدرك أن الأخلاق ليست مجرد كتابا إرشاديا تدون فيه نصائح السلوك، ولكنها تلك العناصر التى تمنحنا قيمة وحماسة وتنشط العقل والقلب لتمنح حياتنا قيمة وتضفى عليها جمالا، وبالتالى وبالتأكيد فالفن لا يمكن أن يكون معاديا للأخلاق كما لا يمكن أن يكون مجالًا حيويًا منفصلاً عنها.
إنه صاحب الأثر الكبير فى حقائق الحياة الباطنة، والمؤثر فى اللا شعور الجماعى القادر على توجيه سير الحياة اليومية الواقعية، وهو أمر وأنتم تعلمون لخطير.