الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«Bunker» عزلة.. ودروس فى مسرح الجسد!

«Bunker» عزلة.. ودروس فى مسرح الجسد!
«Bunker» عزلة.. ودروس فى مسرح الجسد!




أيهما تفضل فى إيصال واستيعاب الرسالة الفنية..؟ الحوارات الطويلة المباشرة، أم المواقف الدرامية التى تخلق من خلالها الأحداث ومن ثم تكون الرسائل والعظة، أم الحركة والإيماءة التى قد تغنيك عن الكلمات، أى كانت المدرسة التى تفضلها أو تتبعها فى إدراك رسالة أى عمل فني، لا يمكن ألا توقعك فرقة تشيلى المسرحية فى أسرها، قدم الفريق مؤخرا العرض المسرحى «Bunker»، أو «القبو»، على خشبة مسرح مركز الإبداع الفنى ضمن فعاليات الدورة الثالثة والعشرين لمهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى، منحت هذه الفرقة بعرضها دروسا فى مسرح الجسد، وفى كيفية الاستغناء التام عن الكلمات بمعايشة وتوصيل رسالة العرض بمنتهى الدقة والاحتراف.
يتناول العمل أزمة العزلة الاجتماعية، والأضرار الإنسانية التى يسببها روتين الحياة اليومية والإنعزال عن العالم فيتحول البشر إلى آلات ميكانيكية تدور وتهدس فى تروس الحياة، لم يكن الروتين اليومى فقط هو الفكرة البارزة بالعرض بينما كانت العزلة التامة عن العالم والتى اختاراتها هذه الأسرة البسيطة بمحض إيراداتها التى أدت بهم فى النهاية إلى نتائج المؤلمة، الأب والأم والأبناء الثلاث، فلم يجد هؤلاء من يمارسون معه احيتاجاتهم الإنسانية الطبيعية سواء فى مشاعر الحب أو البغض أو العداوة أو حتى الكراهية نهاية بممارسة العلاقات الجنسية..!!
بحركات وإيماءات شديدة الدقة فى التعبير خرج كل هذا الكبت والمشاعر التى حرموا من ممارستها إنسانيا مع الآخرين، فلم يجدوا سوى أنفسهم، فتجد علاقات حب شاذة بين الأخ وأخته، ثم معاداة أخاهم الثالث لهم، ووقوعه فى حب والدته، ثم ممارسة العنف الذكورى من قبل الأب على الأم وأبنائها فى بعض المشاهد، وفى النهاية خروج مشاعر العداوة والكراهية نتيجة كل ما سبق حتى وصل الأمر إلى أن قتلت الأم ابنها فى نهاية العرض وكان مبررها فى ارتكاب هذا الفعل المريع بأنه مريض، أدى الممثلون الخمسة أدوارهم بحركات ديناميكية منظمة وسريعة فى ممارسة الروتين اليومى من تحضير الطعام وتنظيف المنزل وغسل الأسنان، ثم تفضيلهم جميعا وطلبهم بشكل يكاد يكون هيسيريا «للشيكولاتة»، وبتكرار الحركات الكثيرة والمتتابعة بقوة وعنف، تظن وكأنك بالفعل دخلت أحد عنابر المرضى النفسيين بمستشفى العباسية، فلم ينطق الممثلون إلا بجمل بسيطة وكلمات متقطعة إمعانا فى العزلة والتصرفات غير المنطقية، وترجمت هذه الجمل إلى اللغة الإنجليزية، مما ساهم فى التواصل والإندماج بالعرض، برغم أن الجمهور كان لن يتأثر كثيرا حتى ولو لم تكن هناك ترجمة، حيث استطاع الجميع وبلا استثناء خلق حالة مميزة ومتفردة من المعايشة لهذه العزلة الإنسانية، وما آل إليه حال أسرة كاملة نتيجة لها، وربما أكثر ما يميز العرض أنه لا ينتمى لعروض المسرح الراقص بل هو عمل مسرح متكامل ومن خلاله استطاعوا صنع حالة مختلفة بالتعبير الحركى عن طريق الحركة الجسمانية التى صحبها ايماءات ومؤثرات الصوتية، فبدلا من أن تنطق ألسنتهم نطقت أجسادهم بكل كلمة أرادوا أن يسمعها الجمهور وكل ألم مس مشاعرهم واحتياجهم الإنساني، وبالتالى قدم هذا الفريق عملا مسرحيا متكاملا يحمل قصة طويلة وتطور لأحداث درامية وتفاصيل كاملة، بعكس العروض الراقصة التى قد ينصب تركيزها على رسالة عامة للعرض، وبالتالى أبطل هذا العمل حجج المسئولين عن فرق الرقص المعاصر بمصر فى ضرورة إضافة مشاهد مسرحية طويلة وجمل حوارية خطابية كثيرة، حتى تصل الرسالة للجمهور.. وهو ما يتسبب فى أحيان كثيرة فى تسطيح العمل الفنى وبالتالى نفى صفة التعبير الحركى عنه ودخوله فى تصنيف آخر، وعلى النقيض تفرد صناع «بانكر» فى تعميق احتفاظ مسرح الجسد بفلسفته الأساسية.