مثلث الأمن القومى العربى
خالد عبد الخالق
خالد عبدالخالق يكتب:
منذ أيام أعلن عن مساعدات عسكرية لاسرائيل تبلغ قيمتها 38 مليار دولار تقدمها واشنطن على مدار عشر سنوات، تلك المساعدات سوف تضمن لإسرائيل تفوقًا عسكريًا مطلقًا فى المنطقة مقارنة بالدول العربية فى المنطقة، وبموجب تلك المساعدات لا يمكن لأى دولة عربية منفردة مواجهة إسرائيل بل لابد من أن يكون هناك تعاون جماعى لمواجهة إسرائيل فى ظل حالة الدعم اللانهائى واللامحدود لها من جانب أمريكا. وبعدها بأيام قليلة تم اقرار قانون العدالة ضد رعاة الارهاب «جاستا» من جانب الكونجرس الأمريكى بأغلبية ساحقة، والذى بموجبه يحق لأهالى ضحايا الحادى عشر من سبتمبر مقاضاة – السعودية وغيرها - أفراد وحكومات ترى الولايات المتحدة الأمريكية أنها قدمت دعمًا وتمويلًا للارهاب أو كانت سببًا فى الحاق الضرر بالنفس والممتلكات.
تلك التطورات عكست طبيعة المرحلة الراهنة التى تمر بها الدول العربية، فالدول العربية الفاعلة والتى شكلت مثلث الأمن القومى العربى فى العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين وهى مصر، السعودية، الإمارات أصبحت تواجه تحديات وضغوطًا وإبتزازًا لفك الارتباط والتحالف القائم بينهما. وهذا ليس بالأمر الجديد، فتاريخ المنطقة العربية شهد تحالفات منذ منتصف القرن الماضى كانت بمثابة ميزان قوى فى منطقة الشرق الأوسط، وعلى الرغم من أن تلك التحالفات لم تمنع الحروب والصراعات «حرب 1956، 1967، 1973، الحرب اللبنانية 1975، حرب الخليج الاولى 1980، حرب الخليج الثانية 1991»، إلا أنها حافظت على وجود الدول العربية، الآن الوضع والحالة العربية مختلفة تماما فالتحالفات القائمة لم تمنع سقوط دول عربية ودخولها فى حروب وصراعات أهلية، وبعد أن كانت الصراعات والحروب تقوم على الحدود أصبحت الآن تقوم على الوجود.
فمنذ خمسينيات القرن الماضى والنظام السياسى العربى يتمحور حول ثلاث قوى أساسية شكلت مع بعضها مثلث الأمن القومى العربى هى القاهرة، دمشق، الرياض، وكانت تحدد قوة النظام العربى بمدى التفاهم والتقارب بين تلك العواصم، بمعنى أنه فى فترة الخلاف المصرى السعودى فى الستينيات مر النظام العربى بأسوأ أيامه وسنواته بل بأكبر هزائمة وانتكاساته فكانت 5 يونيو 1967، وعندما توافق المثلث العربى كان نصر أكتوبر 1973، وعندما حدث تلاسن ومناوشات سياسية بين القاهرة ودمشق بعد اتفاقية كامب ديفيد 1979 كان النظام العربى يتجاذبه النقيضان وظل فى حالة عدم استقرار وتخبط إلى أن عاد العرب لمصر وعادت الجامعة العربية لها بعد قطيعة دامت عشر سنوات.
وحتى مع حدوث تقارب بين تلك العواصم فترة وجيزة من الزمن لم تتعد بضع سنوات ما لبث أن حدث تباعد وخلاف بين دمشق من جهة والرياض والقاهرة من جهة أخرى وخاصة بعد الخطاب الذى ألقاه بشار الأسد بدمشق يوم 15 أغسطس 2006، والذى ظل راسخا فى العقلية الخليجية لما حمله من إساءات شكلت فى مجملها نسقًا سياسيًا بين دول الخليج والنظام السورى حتى الآن، صحيح أن تلك التجاذبات السياسية انعكست بالسلب على الأمن القومى العربى ولم يعد الحديث عن أمن قومى عربى بل صارت الدول العربية تتحدث عن امن وطني، وأصبح لكل دولة تحالفاتها وسياساتها، لذلك ليس غريبا ان نجد ابتزازًا لدولة أو الضغط أو إضعاف دولة أخرى.
الآن لم يبق إلا القاهرة والرياض وأبوظبى، والعلاقة بينهما قائمة على الاعتماد المتبادل بمعنى أنه بقدر احتياج مصر للسعودية والإمارات اقتصاديا فإن تلك الدول بحاجة لمصر امنيا وسياسيا، وقد تجلى مظاهر الدعم العربى والمساندة العربية لمصر من جانب كلتا الدولتين فى عام 2013، هذا الدعم والمساندة لم ينظر له الغرب وأمريكا بعين الارتياح بل بالريبة والقلق، والتفكير فى كيفية معاقبة كل من قدم المساعدة لمصر فى تلك الفترة العصيبة التى مرت بها، فكان قانون «جاستا».
ومن ثم فإن المساعى الغربية لفك الارتباط بين مثلث الأمن القومى الجديد لن تنقطع ومحاولات اضعاف مصر وابتزاز السعودية وتحييد الإمارات لن تنتهي. وعلى الدول العربية أن تنتبه بأن إضعاف مصر هو إضعاف للعرب جميعا وأن ابتزاز السعودية بقانون معيب هو ابتزاز للدول العربية جميعها ولابد أن يكون التحالف الثلاثى الجديد «مصر – السعودية – الإمارات» نواة لتحالف عربى أكبر لكى يتم الحفاظ على الأمن القومى الذى بات مهددا أكثر من أى وقت مضى.