الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مخطط إثارة الفتنة بين القاهرة وأديس أبابا

مخطط إثارة الفتنة بين القاهرة وأديس أبابا
مخطط إثارة الفتنة بين القاهرة وأديس أبابا




تقرير_ أحمد إمبابي

تتصاعد وتيرة الأحداث على الساحة الإثيوبية، بعد سلسلة من الاحتجاجات والمواجهات بين قوات الأمن وشعب «الأورومو» المعارض، ما دفع الحكومة الإثيوبية لاتخاذ سلسلة من الإجراءات بدافع إخماد شعلة الغضب الداخلية واستعادة الاستقرار، وصلت لحد فرض حالة الطوارئ وإعلان حالة التعبئة العامة للجيش.
الاهتمام المصرى بتطورات الموقف الداخلى فى أديس أباب، ليس لكون الإثيوبيين يتذوقون من نفس كأس «الاحتجاجات الداخلية»، وما يترتيب عليه من تعطيل لمختلف مشاريع التنمية، كما حدث فى مصر فى 25 يناير وصولا إلى 30 يونيو، لكن نظرا لخصوصية العلاقة بين البلدين ومسارها بعد قضية سد النهضة، والمصالح المشتركة التى تفرضها حصص مياه نهر النيل، فضلا عن أن جزءاً من اشتعال الاحتجاجات اعتراض عرق الأورومو على سد النهضة وتوزيع الثروة فى البلاد.
بعض الأصوات حاولت خطف الأنظار عن الداخل الإثيوبى وحقيقة ما يحدث، بمحاولة إشعال الفتنة بين القاهرة وأديس أبابا، بادعاء أن القاهرة تدعم قبائل الأورومو، ووصل الأمر لترويج البعض لمقاطع فيديو من احتجاجاتهم يشيعون تواجد أحد المصريين بها، وتلميح بعض المسئولين فى حزب جبهة التحرير الحاكم بذلك.
ورغم أن الدولة المصرية أكدت أكثر من مرة وبشكل قاطع احترامها للسيادة الإثيوبية وعدم تدخلها فى الشأن الداخلى، إلا أن الموقف يستدعى التوقف معه ومتابعته ورصد متغيراته، وتأثيره على المصالح المصرية والأمن المائى المصرى.
 حقيقة الأزمة فى إثيوبيا
 الأزمة فى إثيوبيا معقدة، وتتشابك تفاصيلها بإرث تاريخى يحكم الأعراق الإثيوبية، ذلك أن اشتعال الاحتجاجات بهذه الصورة وحدة المواجهات لم يكن وليد اللحظة، وإنما نتاج موقف من التهميش لإثنيات صاحبة أغلبية شعبية.
خطورة الموقف فى أثيوبيا
 أن المواجهة عرقية فى الأساس قبل أن تكون سياسية، بين السلطة الحاكمة والتى تمثل تحالف الأمهرة مع التجراى ، ضد عرق  «الأورومو»، وذلك اعتراضا على خطة الحكومة لتوسيع العاصمة أديس أبابا على حساب أراضى إقليم الأورومو المحيط بالمدينة، وما قد يتبعه من تهجير لمزارعى الأورومو من أراضيهم.
وبالفعل خرجت احتجاجات جبهة تحرير الأورومو للاعتراض على قرارات الحكومة، فكان الرد قطع الكهرباء والاتصالات والإنترنت عنهم ، مما زاد من حجم الغضب ووصلت المواجهات لقتل الشرطة العشرات منهم، فزادت المواجهة بقطع القبيلة الطرق المؤدية للسد، فأعلن الحزب الحاكم أن حركة الأورومو محظورة وتسعى للهدم.
لكن هذا الموقف يعبر عن إرث تاريخى من المشاحنات بين الفصيلة الحاكمة وشعب الأورومو ، فنظام الحكم الإثيوبى برلمانى، والدستور هناك يقسم البلاد لتسع مناطق حسب الأعراق والقبائل ومناطق تمركزها، أكبرها الأورومو.
تحالف عرقى التجراى والأمهره الحاكم ، والذى يمثله سياسيا حزب الجبهة الشعبية يمثل نحو 12% من السكان، ويحتفظ بتواجده القوى والسيطرة على إدارة شئون الجيش والأمن والاقتصاد هناك وهنا تكمن قوته.
أما إقليم الأورومو يصل عدد سكانه إلى 30 مليون نسمة، أى ما يزيد على 40% من سكان إثيوبيا، وتصل مساحته لحوالى 600 ألف كيلو متر.. ومعظمه من المسلمين ، حيث تبلغ نسبة المسلمين من سكانه نحو 80% ، كما يضم مسيحيين، ورغم ذلك يشكو من التجاهل فى الحكم والمناصب العليا فى البلاد.
قبيلة الأورومو لها امتداد كبير خارج إثيوبيا، فهى ثانى أكبر قبيلة فى إفريقيا ، ولها تواجد بجنوب السودان وكينيا وأوغندا، ولديها اعتراضات على أداء الحكومة الاقتصادى، وتعارض بناء سد النهضة، لكن ما أشعل فتيل الفتنة الداخلية اتجاه الحكومة للاستيلاء على اراضيهم ضمن مشروع توسيع وتنمية العاصمة أديس أبابا.
رغم أن خريطة الثروة والحكم فى إثيوبيا قائمة منذ تولى الجبهة الشعبية الثورية للحكم بقيادة ميلس زيناوى رئيس الوزراء الاثيوبى الراحل منذ 1995، لكن زيناوى المنتمى لعرق «التجراى» استطاع أن يحافظ على السلطة لحزبه أكثر من 20 عاما، بفضل خريطة توازنات القبائل والاعراق فى الداخل الاثيوبى وأن يحتوى كثيراً من معاراضتهم.
وهنا التحدى الذى يفرض نفسه على رئيس الوزراء الحالى، الذى خلف زيناوى بحكم الدستور، رغم أنه لا ينتمى لتجمع التجراى العرقى ولكن من أصول اثنية أخرى بالجنوب، وهو أن يحفظ لحزب الجبهة الشعبية الحاكم خريطة التوازنات العرقية والقبلية فى الداخل.
خطورة الموقف الداخلى فى الاستحقاق الذى يعطيه الدستور الإثيوبى للأعراق الداخلية، وفقا للمادة ٣٩ من الدستور التى تمنح جميع الأمم والقوميات والشعوب الإثيوبية الحق فى تقرير مصيرها بنفسها بما فى ذلك الانفصال بشرط موافقة ثلثى البرلمان.
 الموقف المصرى
بعض الصحف الاثيوبية ادعت أن مصر تقف وراء الاحتجاجات المعارضة ، لكن السفير المصرى بأديس ابابا رد على هذا الكلام فى لقاء مع وزير الدولة بالخارجية الاثيوبية بأن مصر لا تتدخل فى الشئون الداخلية للدول وهذه محاولة لزرع الفتنة.
وخرج المتحدث باسم الخارجية السفير أحمد أبوزيد مرتين خلال أسبوع ليؤكد احترام مصر الكامل للسيادة الأثيوبية وعدم تدخلها فى شئونها الداخلية ، مشيرا إلى أن هناك اتصالات مشتركة بين البلدين تستهدف عدم الاضرار بالزخم الايجابى الذى تشهده العلاقات الثنائية.
لكن الواقع أيضا أكد أن مصر مازالت تجنى تداعيات أزمة الحوار الكارثى للرئيس المعزول محمد مرسى والذى أذيع  على الهواء حول آليات التعامل مع قضية سد النهضة .
الدليل على ذلك، ما أفصح عنه بعض من المواطنين الإثيوبيين، فى لقاءات مباشرة معهم فى العاصمة أديس أبابا فى يناير ٢٠١٥ ، حيث كانت أول زيارة للرئيس عبد الفتاح السيسى لإثيوبيا بعد توليه الحكم، حيث قالوا إن الحكومة الاثيوبية قامت بإذاعة «حوار مرسى»  لمدة تصل أسبوعين بشكل متصل على التليفزيون المحلى،  حتى اعتقد الشعب الاثيوبي  أن مصر تريد محاربتهم، واستغلت الحكومة الموقف بإعلان اكتتاب شعبى جمعت فيه المليارات لمواجهة أزمة العجز فى تمويل بناء السد.
وعليه كان الموقف المصرى منذ تولى الرئيس السيسى المسئولية على دراية بتداعيات إرث الماضى على توتر العلاقات ، ومن هنا جاءت استراتيجية مصر التى تتبنى التعاون لا الإضرار، والحوار لا الصدام، والبناء للتنمية لا للهدم.
ومن هذا المنطلق حرصت مصر على بناء جسور من الثقة المشتركة ، ترجمته باتفاقية ثلاثية بين رؤساء مصر والسودان وإثيوبيا باسم إعلان مبادىء يقضى بعدم الاضرار بالمصالح المشتركة أو الحقوق التاريخية لتلك الدول من مياه النيل والتأسيس لقاعدة مشروعات مشتركة.. كما تعول الدولة المصرية على المعركة القانونية والفنية لحماية حقوقها المائية التاريخية ، اعتمادا على الاتفاقيات الدولية والتاريخية التى تم توقيعها مع دول حوض النيل، واتفاق اعلان المبادىء الموقع بين الدول الثلاث مصر وإثيوبيا والسودان.
كما أن الاستراتيجية المصرية فى التعامل مع الملف الافريقى والاثيوبى، لا تغفل جهود قوى غربية وإقليمية مثل تركيا وإيران واسرائيل  لتعزيز تعاونها مع إفريقيا عبر الجسر الاثيوبى ودول حوض النيل، ومشروعاتها التى تقدمها إفريقيا، ومن هنا تمد مصر يدها للتعاون مع مختلف دول القارة السمراء.
 الشراكة السودانية
تتزامن تطورات الاحداث فى إثيوبيا، مع نقلة نوعية من العلاقات بين مصر والسودان، بعد توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية فى اجتماعات اللجنة العليا المشتركة التى عقدت لأول مرة بالقاهرة على المستوى الرئاسى.
واتفاق الشراكة الاستراتيجية هو أرقى أشكال التعاون بين الدول، ويعنى الشراكة بين الدولتين فى جميع ما يختص بالموارد، مثل التعاون الاقتصادى والاستثمارى وإقامة المشروعات وكذلك المجال الزراعى وأيضًا مجال النقل والثقافة بالإضافة إلى الصحة فضلًا إلى التعاون العسكرى.