الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

كان يرى أنه يمكن للشعر أن يلعب دوراً كبيرًا فى التفاعل مع القضايا العربية الراهنة

كان يرى أنه يمكن للشعر أن يلعب دوراً كبيرًا فى التفاعل مع القضايا العربية الراهنة
كان يرى أنه يمكن للشعر أن يلعب دوراً كبيرًا فى التفاعل مع القضايا العربية الراهنة




كتبت - مروة مظلوم


فى وسع المفسر أن يقترب من ساحة القرآن الكريم أن يكشف عن بعض أسرار التنزيل  وبعض أحكام التشريع ويستطيع  الأديب أن يقترب من ساحة القرآن الكريم متذوقاً تستوقفه اللفتة والفاصلة  والعبارة والصياغة  والإحكام البلاغى  ويقترب اللغوى من ساحة القرآن الكريم لكى يقف عند  المزيد من أسرار تأمل الصنعة الإلهية فى تركيب السياق القرآنى ارتفاعا  به عن مستوى الأداء  المعروف فى كلام البشر  وتعبير البشر فما هو موقف العالم إذا اقترب من القرآن مزوداً بعلمه ومزوداّ بحصيلة إيمانه.. إنها بضع كلمات أوجز فيها عاشق اللغة الشاعر والإعلامى  «فاروق شوشة» رحمه الله أطل بها علينا لسنوات بصوته الرخيم وكلماته الموزونة الغيورة على جماليات اللغة..الذى  فقدته أمين عام مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الشاعر المصري، فاروق شوشة، الذى رحل عن دنيانا فجر الجمعة بالقاهرة عن عمر يناهز الـ80 عاما.
عرفت ثقافتنا فاروق شوشة شاعراً أكثر من كونه إعلامياً  رائداً.. من مواليد قرية الشعراء عام 1936 وعن سر تسمية قريته بـ«الشعراء» قال إن تسمية هذه القرية مرتبط بتاريخ قديم، حيث كان شعراء الربابة ينشدون السير الهلالية، ليحمسوا الجنود على القتال دفاعاً عن مصر، مشيرًا إلى أن القرية مجاورة لميناء قديم، اسمه ميناء دمياط، وكانت الغزوات تجيء إلى الشام، ثم تتجه إلى مصر، وكان شعراء الربابة يقيمون فى هذه المنطقة، وبالتالى كانت مهمتم أن ينشدوا هذه السير الشعبية لمواصلة القتال فسمى المكان باسم «الشعراء» لأنهم يقيمون فيه.
لقد بلغ الشعر فى تصور فاروق شوشة مبلغًا أبعد من هذا بكثير حيث اعتبر الرجل أن ثمة إمكانية للخروج من متاعب الحياة ونكدها عن طريق الشعر فكتب دراسة عنوانها «العلاج بالشعر» فكان له رحمه الله رؤية خاصة  فى أنه مثلما يوجد علاج بالموسيقى، فإن هناك علاجاً بالشعر، فالموسيقى بعدٌ من أبعاد الشعر، لافتًا فى الوقت نفسه إلى أن اللغة العربية مهددة بما يهدد به الإنسان فى الوطن العربى فى أيامنا هذه فهناك معهد للطب النفسى فى نيويورك اسمه معهد العلاج بالشعر وقال: سبق وأن اطلعت عن مؤلف أجنبى عن أبعاد هذا العلاج، وكيف أن الاستماع إلى الشعر مرة بعد الأخرى تتكشف بسببه طبيعة المشكلة النفسية، وأن هناك بعض المرضى أصبحوا نماذج شعرية، فالشعر إيقاع وإلهام وخيال وموسيقى وكل هذه العناصر تشجع المرضى للتعبير عما فى داخلهم من هموم شعرية.
شوشة  كان له أكثر من حوار أكد فيه على أن «الشعر الذى لعب دوراً كبيراً فى الثقافة العربية الموروثة، قادر على أن يكون له دور كبير أيضاً فى التفاعل مع القضايا العربية الراهنة».
ويعد الراحل  صاحب أحد أقدم البرامج الإذاعية  المرتبطة باللغة العربية، وهو «لغتنا الجميلة» الذى بُث على إذاعة البرنامج العام من القاهرة على مدار 10 سنوات منذ العام 1967، كان يؤمن بأن  اللغة العربية ستظل جميلة، ولن يزيدها توالى القرون، وكذلك التحديات إلا مزيداً من تعلق أهلها بها، بل واتساع وتيرة انتشارها، بفضل ثرائها وامتلاكها المقومات الحقيقية للجمال»، وذلك حسب تصريحاته السابقة فى أحد حواراته مع «الإمارات اليوم»، التى أكد فيها أيضاً فيما يتعلق باللجنة التى أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بتشكيلها لتطوير تعليم اللغة العربية، وضمته فى تشكيل عضويتها، على أن «التاريخ سيتوقف كثيراً امام مبادرة قائد، يؤمن بأن اللغة العربية، هى أهم أركان الهوية الوطنية».
أما عن واقع اللغة العربية فى أيامنا هذه، فكان يرى أنها مهددة بما يهدد به الإنسان العربى نفسه، فهناك مخاطر كثيرة على اللغة العربية ناتجة عن أن العرب أساسًا فى حالة ضعف ويريدون أن يلحقوا بالعصر لكنهم لا يملكون دائمًا وسائل هذا اللحاق.. فعلينا أن نترجم، وأن نعرب، وأن نقرأ، ونخترع، لكى تصبح لغتنا معبرة عن نهضة حقيقة، فبدون أن يكون لنا موطأ قدم فى حركة العالم الآن لن تكون لنا لغة معبرة عن هذا التقدم.
والحل من وجهة نظر شوشة لرقى لغة العامة يكمن فى التعليم، فالتعليم فى المدارس والجامعات العربية، عليه مآخذ كثيرة جدًا، خاصة التعليم فى المراحل الأولى للأطفال، حيث يزاحمه اللغات الأجنبية، وحتى الآن لم نحسم متى يبدأ تعليم اللغة الأجنبية إلى جوار اللغة العربية، بالإضافة إلى ذلك فإن مناهج اللغة العربية لا تشجع الطلاب على حب هذه اللغة، فلا مستوى المعلم، ولا المنهج، لديهما القدرة على تحقيق ذلك.
اعترض «شوشة» على رأى  بعض النقاد  فى أننا فى زمن الرواية وقال: ما الذى يمنع أن يكون زمنًا للرواية، وفى الوقت نفسه هو زمن للشعر، فالشعر منه ما هو مقاومة، ونضال، ووجد شخصى وعاطفى وبعد كونى يضع الإنسان فى مواجهة الكون، وما هو مقدر وما هو مكتوب، فكل هذه دوافع لإبداع شعرى فى مجالات عديدة، فالشعر ليس واحدًا، وليس غناءً واحدًا، وليس مذاقًا واحدًا، وإنما هو فن للجماعة وللحياة. ولهذا أرى أن الحل يبدأ من إصلاح التعليم، من حيث وضع نظام تعليمى يحبب النشء فى لغته القومية، وبالتالى عندما ينضج يدرك أن هذه اللغة هى لسانه الطبيعى وأداته للتعبير عن هويته.
الشعر والفيس بوك
وعن سيطرة عالم الفيس بوك وتويتر دخول الشعر إلى مواقع التواصل الاجتماعي، رأى «شوشة» أنها وسائل جديدة للتوصيل، فإذا عجز الكتاب عن الوصول إلى قارئه، والأسباب كثيرة، فإن وسائل التواصل الاجتماعى من شأنها إيصال القصيدة للقارئ، مضيفًا: حتى لو لجأت إلى الاختصار، فأن أعرف جزءًا من قصيدة ناجحة جميلة، أفضل من ألا أعرفها.
آخر المشاركات الرسمية لشوشة فى المؤتمر الدولى الخامس للغة العربية فى شهر مايو الماضي، الذى شهد ايضاً حضوره مراسم توزيع جائزة محمد بن راشد للغة العربية، التى رأس شوشة مجلس أمنائها منذ تأسيسها، بالإضافة الى عضويته فى لجنة تطوير اللغة العربية التى أمر بتشكيلها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، قبل أن تصدر تقريرها القيم «العربية لغة حياة»، مشتملاً على إستراتيجية رائدة لتفعيل حضور العربية لدى الأجيال المعاصرة.
عبر شوشة بلغته الجميلة عن حالة عاشها مع مصر بوجدانه أثناء ثورة 25 يناير  فتوجه باعتذار خاص فى قصيدته «باسم الشهداء» لشهداء الثورة التى تمنى المشاركة فيها لولا حالته الصحية غير المستقرة وقتها فقال « أنا اعتذرت فيما كتبت عن عدم استطاعتى التوجه إليهم فى ميدان التحرير  وكم طلبت منى  زوجتى  السيدة هالة الحديدى و كانت تشدنى فى كل ليلة «تعالى نذهب إلى ميدان التحرير» فأرد: «عليها فى كل مرة بهذا المنظم الذى يقود ضربات قلبى لا أستطيع الخوض فى الزحام» لكنه قال  فى قصيدته مستحلفا باسم الأرض والعرض بأن ثورة هؤلاء الثوار فى مصر لن تتراجع فيقول: باسم الأرض..وباسم العرض..وباسم المسك الصاعد..من أنقى مهج ودماء..
لن يخفت هذا الصوت..ولن تتراجع هذى الأصداء
لن ترجع أبدا ما عشنا لكهوف الظلمة والبغضاء
نتنادى اليوم وبعد الغد باسم الأحرار الشرفاء باسم الأبطال الشهداء.
ولد شوشة عام 1936 فى محافظة  دمياط، وتخرج فى كلية «دار العلوم» ثم «كلية التربية» فى جامعة عين شمس، ونشر شوشة مجموعته الأولى «إلى مسافرة» سنة 1966، ثم توالت إصداراته، فنشر 13 مجموعة شعرية كان آخرها فى عام 2002 بعنوان «الجميلة تنزل إلى النهر»، إلى جانب سبعة مؤلفات فى اللغة العربية والنقد كما كتب أيضاً سيرة شعرية بعنوان «عذابات العمر الجميل»، ومن أكثر كتبه المتداولة عربياً، مختاراته «أحلى 20 قصيدة حب فى الشعر العربي.».
عُرف شوشة منذ 1977 وحتى 2002 ببرنامجه الشهير «أمسية ثقافية» الذى كان أول ضيوفه الأديب الراحل نجيب محفوظ، الذى أجرى خلاله مقابلات مع أهم رموز الثقافة المصرية، وذلك بعد تألقه فى  برنامجه الإذاعى «لغتنا الجميلة».
وفى يونيو الماضي، منحته بلاده أسمى جائزة يحصل عليها أديب وهى «جائزة النيل» لتبقى آخر الجوائز التى حصل عليها طوال مشوار حافل بالإخلاص لـ«العربية».