أذربيجان وتجربة ما بعد الاستقلال
أحمد عبده طرابيك
أحمد عبده طرابيك يكتب:
خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تغير العالم بشكل كبير، حيث تسارعت وتيرة تطور وسائل الاتصالات والتقنيات وطرق الانتاج، وأصبحت الدول فى تسابق مع الزمن من أجل النهوض بأوطانها وشعوبها ومسايرة ركب التطور السريع من أجل الحصول على حصة مناسبة من هذا التطور يحقق لشعوبها الرفاهية والازدهار المرتبطين ارتباطا لصيقا بالأمن والاستقرار، ووضع الدولة فى مكانة ملائمة على خريطة الدول المتقدمة والمستقرة.
جمهورية أذربيجان هى إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق، والتى حصلت على استقلالها عام 1991، أى منذ نحو ربع قرن من الزمان، وهى فترة قصيرة نسبيا فى عمر الدول والشعوب، ورغم حداثة عهد الاستقلال بها، وأنها دولة صغيرة لا يزيد عدد سكانها على 9,5 مليون نسمة، يعيشون على مساحة تقدر بنحو 86,6 ألف كيلو متر مربع، يخضع 20% من تلك المساحة تحت الاحتلال الأرمنى المتمثل فى إقليم «قره باغ» بعد حرب دامية، وقد صدر بحقها أربع قرارات من مجلس الأمن تطالب أرمينيا بالانسحاب من تلك الأراضى، ولكن لم يتم تطبيقها، وما زال نحو مليون لاجئ نزحوا عن أرضهم وديارهم جراء ذلك الاحتلال يعيشون فى ظروف اجتماعية سيئة، لكنهم بالنسبة للاجئين الآخرين فى منطقتنا العربية هم أفضل حالا، لأنهم لاجئون داخل بلادهم، وتوفر لهم حكومتهم كل متطلبات معيشتهم.
خلال السنوات القليلة الأخير تحولت أذربيجان من دولة غير معروفة لدى الكثير من شعوبنا بل وشعوب العالم أيضا بسبب أنها كانت بمثابة ولاية أو محافظة سوفيتية، ولم يكن لها أى تواصل مع العالم الخارجى، تحولت تلك الدولة الصغيرة إلى منطقة جذب لكثير من الاستثمارات والسياح، بفضل ما قامت به الدولة من ثورة فى مختلف المجالات والقطاعات على الموروث الثقيل من البيروقراطية والفساد، فاستطاعت الدولة أن تعلن للعالم عن نفسها، فكانت مبادرتها باستضافة دورة الألعاب الأوروبية الأولى عام 2015، التى أبهرت العالم بحسن الإعداد والتنظيم ومن ثم قدمت نفسها للعالم كدولة عصرية عبر مختلف وسائل الإعلام العالمية التى شاركت فى تغطية فعاليات تلك البطولة الرياضية الأوروبية الأولى من نوعها.
دأبت أذربيجان على استضافة وتنظيم العديد من الفعاليات والأنشطة العالمية كالمنتديات والمؤتمرات والمهرجانات الدولية، التى أسهمت فى التعريف بالبلاد، الأمر الذى انعكس بشكل واضح على حركة السياحة والاستثمار فى البلاد وخاصة السياحة العربية، فقد أصبحت مقصدا للكثير من السياح القادمين من دول الخليج والعراق خلال العامين الأخيرين، بعدما لاقت تقديرا وإعجابا من زوارها من قبل بفضل ما تتمتع به من استقرار سياسى وأمنى، وبنية تحتية متكاملة، إضافة إلى ما وهبها الله به من طبيعة خلابة حيث الاستجمام فى الغابات وحول البحيرات، كما اشتهرت لديها السياحة العلاجية بالمشتقات النفطية.
لم يكن قطاع الاستثمار أقل شأنا من قطاع السياحة فى جذب المستثمرين العرب والأجانب، حيث قدمت الحكومة الكثير من المزايا للمستثمرين فى العديد من القطاعات الاقتصادية، فشكلت البلاد ملاذا آمنا للمستثمرين خاصة فى قطاعات السياحة والعقارات والصناعة، وقد انعكس ذلك على نمط اقتصاد أذربيجان الذى كان يعتمد بشكل رئيسى على استخراج النفط والغاز، ولذلك عندما انخفضت أسعارهما بشكل حاد، استطاعت البلاد أن تنجو من الهزات الاقتصادية العنيفة التى تعرضت لها الكثير من الدول النفطية بفضل التنوع فى الاقتصاد القومى.
خطت أذربيجان خلال سنوات الاستقلال خطوات كبيرة فى طريق التنمية وتحقيق الاستقرار، رغم استمرار احتلال خمس أراضيها، وتسخير جزء كبير من ميزانيتها لتسليح جيشها وبناء قوتها العسكرية من أجل استعادة أراضيها المحتلة.
الدول الصغيرة لم تعد النظرة التقليدية لها موضع ترحيب باعتبارها دول ذات قدرات وامكانيات محدودة، ولكن التاريخ والتجربة أثبتتا عكس ذلك، وغيرت الكثير من الدول الكبرى نظرتها لتلك الدول، بفضل ما حققته الدول الصغيرة من تطور ونجاح، وأصبحت هذه الدول تمثل أهمية اقتصادية واستراتيجية لكثير من الدول الكبرى، ولذا فقد أصبح من الضرورة لنا تغيير النظرة إليها أيضا، واعتبار أن التعاون معها يحقق الكثير من المصالح لمصر، وبشكل أساسى فى قطاعات مهمة كالسياحة والاستثمار، خاصة أن ما يربط بين مصر وأذربيجان من روابط تاريخية ودينية وثقافية يسهم بشكل كبير فى تذليل الكثير من العقبات، ويجعل من التعاون بين البلدين أكثر تحقيقا للمصالح المشتركة بين البلدين.