الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حدوتة الابن المطيع لـ«روزاليوسف» «المصرى أفندى» أيقونة الكاريكاتير المصرى

حدوتة الابن المطيع لـ«روزاليوسف» «المصرى أفندى» أيقونة الكاريكاتير المصرى
حدوتة الابن المطيع لـ«روزاليوسف» «المصرى أفندى» أيقونة الكاريكاتير المصرى




إعداد - مروة مظلوم

النقد عندما يكون هدفاً تصبح السخرية المبالغ فيها أسلوباً حاضراً بخطوط مميزة  تضخم ملامح الشخصيات العامة، الموظفين أو المواطنين، تبرز ما يطرأ على المجتمع من تغييرات وظواهر تأتى بالسلب على معتقداته، وكثيراً ما يقع من يسن القانون تحت سن قلم لا قانون له.. ينقل عن المجتمع آلام لم ترعها بنوده.. شكلت ملامح صاحبها الكاريكاتيرية رجل  قصير بنظارة مقعرة وبدلة سوداء مفتوحة الأزرار لتترك متنفساً لكرشه ومسبحة كابتسامته لا تفارقه أينما ذهب، وكيفما حل به، تلك الصورة التى ابتكرتها السيدة فاطمة اليوسف والكاتب الكبير محمد التابعى لتعبر عن شخصية مصرية أصيلة تختبئ تحت جلد كل منا حتى الآن مهما تبدلت الأذواق وتعاقبت العقود يظل «المصرى أفندى» أيقونة الكاريكاتير فى مصر.


ومن جديد يُقلب الكاتب الصحفى  والمؤرخ «رشاد كامل» فى صفحات روزاليوسف القديمة ليعرض لنا جانباً تميزت به سيدة الصحافة العربية «فاطمة اليوسف» الذى آثر قلمها على رد الكلمة بالكلمة.. وفتحت بابا جديداً لفن هو الأقرب لقلوب المصريين هو فن الكاريكاتير.. ويعرض كامل رؤية خاصة لتاريخها فى هذا الفن من خلال كتابه «روزاليوسف والمصرى أفندى» «وصف مصر بالكاريكاتير».. وبحسب رؤيته جعلت من هذا الفن سوطاً يلهب ظهر كل مستبد وطاغية حاول أن يعتدى على الحريات والمظلومين وحقوق الناس، محامى الضعفاء والمدفعية الثقيلة التى استخدمتها ريشة رسامى روزاليوسف فى جميع معاركها، فكان الكاريكاتير هو السبب الأول والمباشر فى كل ما لحق بها من اضطهاد وتعطيل ومصادرة وقضايا أمام المحاكم.
■ صنع بأيدٍ غير مصرية
تناول عرض «رشاد كامل»  لتاريخ الكاريكاتير فى مصر وبداياته وفقاً لما جاء فى مقالات الفنان زهدى عن فن الكاريكاتير وتاريخه فكانت البداية على يد أجانب جاءت فى مجلة الكشكول على يد رسام إسبانى هو «جوان سانتيس» عام 1921  وبعدها بثلاث سنوات ظهرت مجلة خيال الظل  عام 1924 وكان يرسمها على رفقى وهو مهندس تركى الأصل ثم ظهر «صاروخان» ليحتل مقعد سانتيس فى مجلة «الكشكول».
وبحسب قول السيدة «فاطمة اليوسف» لما كانت شخصية «جحا» بطلة الصور السياسية للكشكول فقد أرادت أن تنفرد بشخصية تنطق برأى مجلة روزاليوسف فبحثت مع «محمد التابعى» عن شخصية ملائمة فى الصحف الأجنبية فإذا به يطل عليهم رجل تتشابه ملامحه مع المصرى أفندى لكنه يلبس قبعة ويحمل فى يده مظلة وعلى حسب قولها «ألبسناه الطربوش ووضعنا فى يده مسبحة وبدأ صاروخان يرسم «المصرى أفندى» التى قال عنها المستشرق الفرنسى جاك بيريك «إن روح العبث عند المصريين خلقت شخصية جديدة تحتل المكانة الأولى فى الصور الكاريكاتيرية وفى النكات السياسية وأصبحت تعكس الموقف الأخلاقى لهذه الفترة وتعبر عن رجل الشارع فى مصر».
شهد العدد رقم 212 الصادر فى 7 مارس سنة 1932 ميلاد المصرى أفندى على غلافه وعاش المصرى أفندى على صفحات روزاليوسف حتى بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 وتغيرت الألقاب والرتب ونزع عنه لقب «أفندى» فصار «المواطن مصرى» كما هو بطربوشه ومسبحته واوجهته البرجوازية لكن تناوب على رسمه ريشة أكثر من فنان بداية من  «صاروخان» ومروراً بـ«رفقى» و«رخا» و«بروفسكى» ووصولاً إلى «عبدالسميع».
لكن تظل البداية عند صروخان ومن بعده جاء مقلدون على حد قول الفنان زهدى الجميع تأثر بأسلوبه واستخدموا نفس طريقة تصميمه للحركات والتعبيرات وبعضها وصل إلى النسخ الكامل.. فالكاريكاتير المصرى ولد على أيدٍ غير مصرية بداية بـ«سانتس» وخطوطه الفرنسية وأسلوب رفقى التركى «الشرقى» وصاروخان الذى حمل خصائص الاثنين وخرج بما حمل إلى الشارع وتعلم منه مايحتاجه القارئ المصرى، وليس من الغريب أن نعرف أن شخصية الفنان الأرمنى الذى خلق على الورق أكثر شخصية كاريكاتيرية  سياسية مشاغبة كانت ميوله فنية بحتة ولا تعنيه السياسة فى شىء.
■ ابن روزاليوسف المدلل
عبقرية «روزاليوسف» تكمن فى أنها وظفت المصرى أفندى ليكون ابنا طيباً مطيعاً يغار منه إحسان عبدالقدوس، فهو ينقل أفكارها فى كلمات سلسة وبسيطة فجاء الكاريكاتير الأول له وهو يخاطب «صدقى باشا» ومعه وزيران أقل منه فى الحجم بشكل ملحوظ يقول لهم: «إيه الحكاية كل ماواحد نائب يقدم سؤال تجروا وراه لغاية مايسحبه تانى ويرد الوزراء: معلوم لأننا أعلى وأسمى وأجعص وأكبر من أن ترقى إلينا الشبهات!!».
كانت اتهامات المصرى أفندى للحكومة والوزراء تسبق كلماته وقفته وكلماته المختصرة تختزل العديد من المواقف فى الوصف ليصل المعنى بمنتهى القوة، ففى العدد الثانى 213 يسأل عسكرى البوليس المصرى أفندى فى يوم الاستقلال «إزاى مش عارف يا أفندى النهاردة عيد استقلال مصر عن انجلترا»، فيرد «المصرى أفندى» ساخراً: «استقلال مصر عن انجلترا ولا استقلال انجلترا بمصر؟!».
لم يسلم رئيس وزراء فى مصر من قلم روزاليوسف وريشة «صاروخان» ولسان المصرى أفندى بشهادة من السيدة فاطمة اليوسف نفسها: «تعرض معظم زعماء هذا البلد لنقد هذه المجلة ولعل الذين أصابوا كثيراً من عنايتنا أيام حكمهم دولة «صدقى باشا»، فقد ألغى الدستور واستعاض عنه بآخر واستهل حكمه بالقضاء على المظاهرات حتى أضطررنا إلى أن نرسمه فى صورة المارد الجبار الذى يبطش بالأبرياء والمساكين، حتى دولة عبد الفتاح يحيى باشا ها الرجل الطيب كان عرضة لسهام الصحافة وكنا نرسمه برقبة طويلة لا لأن رقبته طويلة فعلاً ولكن لتصريح قيل عنه فيه أنه أطال رقبة البلاد».
وأحياناً كانت تؤخذ الريشة بذنب الكلمة فيتحمل الكاريكاتير أثر ما يكتبه محمد التابعى ضد القصر فعلى حد قول روزاليوسف مرت مصر بفترة مائعة صرح فيها الملك لوزير خاصته الملكية «زكى الإبراشي» بحضور اجتماعات رئاسة الوزراء ليملى عليهم رغبات مليكه، وتم التحقيق مع روزاليوسف بشأن خبر «أن الإنجليز يطالبون بإخراج الإبراشى من القصر أو تعيين مستشار له، وبإيعاز من ناظر الخاصة تم التحقيق مع روزاليوسف ومحمد التابعى بشكل ملتوى بأن التحقيق يتم بشأن صورة كاريكاتورية مهينة لعبد الفتاح يحيى رئيس الوزراء فى حين أراد الإيقاع به للاعتراف بكتابة مقال إخراج الإبراشى ليتهمه بالعيب فى الذات الملكية وشعر التابعى وقتها أن الملك  يقصده بالذات.
فى عرض كامل لحياة المصرى أفندى على الورق تعرض لأهم ما يميز سيدة الصحافة العربية فاطمة اليوسف أنها لا تسجل التاريخ بما مرت به من أحداث وفترات عصيبة بل رؤية قلمها لما تكتب من أحداث تختلف باختلاف رؤيتها وباختلاف الفترة الزمنية التى تقع فيها الأزمة، على سبيل المثال رغم النجاح الساحق لشخصية المصرى أفندى منذ عام 1932 لم تهتم بالكتابة أو الإشارة إليه إلا بعد مرور عشر سنوات خصصت افتتاحية المجلة باسمه «المصرى أفندى» فقالت: «لقد قاسيت كثيراً يا مصرى أفندى وذقت المر يا حضرة المحترم وعندما فتحت عينيك لأول مرة رأيت من أوجدوا شخصيتك ورسموا صورتك يتشاجرون وكل يدعى أنك ملك له، كانت روز اليوسف والتابعى يتشاجران من أجلك وكاد الأمر يصل إلى ساحات المحاكم لولا أن أنقذك الله منهما وبعد أن ابتسمت لكليهما خطوت أول خطوة إلى الحياة فإذا بسبعة عشر مليونا يتشاجرون من حولك ومن أجلك».
أشارت روزاليوسف بذلك إلى الأزمة التى نشبت بينها وبين التابعى وصاروخان على ملكية المصرى أفندى ولولا اعتراف صاروخان فى أحد المحاضر الرسمية بأن صاحب الفكرة هى السيدة روزاليوسف لانتقلت شخصية المصرى أفندى لموقع آخر بعد أن تخلى عنها صاروخان إلى مجلة «آخر ساعة» فى صحبة التابعى.
تناول رشاد كامل كل الرسامين الذين تناوبوا على رسم شخصية المصرى أفندى فى روزاليوسف عقب ترك صاروخان «روزاليوسف» كان أولهم رخا الذى قال عنه إحسان عبدالقدوس فى مقال بعنوان: «خذ عقلى وأعطنى فنك» وقال: رخا هو أول رسام كاريكاتير مصرى خالص وخطوطه تحمل الشخصية المصرية والتعبير المصرى كاملاً لذلك استطاع أن يصل إلى قمة صاروخان ويتعداها وأصبح أقرب إلى القارئ المصرى وأكثر شهرة وأقدر سيطرة على اتجاهات  فن الكاريكاتير، حتى ترك رخا روزاليوسف فى الأربعينيات واحتارت المجلة سنوات وتواتر عليها الفنانون الهواة حتى وصلت إلى عبدالسميع.
«عبد السميع» الرسام صاحب المبدأ كما وصفه إحسان عبد القدوس رسام ناشىء  وقف يملى شروطه للعمل فى روزاليوسف ألا يهاجم النحاس ولا حزب الوفد فهو وفدى حتى النخاع، وقد راق الأمر إحسان أن يضم طاقم عمله بالمجلة فنان صاحب مبدأ لا يتغير انتماؤه بانتماء الجريدة وهو مالم يصادفه فى أى من فنانى الكاريكاتير، يتجاوب معه ويبدى آراءه فيقول عنه إحسان: «كان أول الأمر يسكت عندما تطرأ على رأسى فكرة بايخة وأعرف أنها بايخة عندما يصبح وجهه كالشراب المقلوب.. ثم شيئاً فشيئاً صار يصيح  فى وجهى «بايخة»!! وكم قتل عبدالسميع من أفكارى بهذه الصيحة.
وقال عنه محيى الدين اللباد «قبل صلاح جاهين وجورج البهجورى عام 1955 كان عبد السميع يتصدر وحده غلاف روزاليوسف المطبوع بالأسود والأحمر ويملأ أغلب صفحاتها، وساهم فى قيادة الوعى المصرى خلال السنوات التى كانت بلادنا فيها تطلق صرخات المخاض نهاية الحرب العالمية الثانية ومعارك الحركة الوطنية المصرية فى مواجهة الاستعمار البريطانى والرجعية عام 1946، أبدع عبدالسميع فى شرح القضايا للناس ولفت أنظارهم وبين لهم الحقائق المخفية وهاجمت فرشاته الثقيلة الاستعمار الصهيونى والرجعية المحلية والعربية والنفوذ الأمريكى الصاعد فى المنطقة.
■ «المواطن مصرى والعهد الجديد»
أما فى تلك الحقبة التى سقطت فيها الألقاب عن المصريين وتحول فيها المصرى أفندى إلى «المواطن مصرى» تلك الشخصية الذكية التى لا تخشى فى الحق لومة لائم وتؤيد العدد الجديد وتباركه، كان يتصدر المشهد فى تلك الفترة الرئيس اللواء محمد نجيب قبل أن يحتل «عبد الناصر» موقعه بوصفه القائد الحقيقى لثورة يوليو، كان التحذير الدائم من «المواطن مصرى» للواء محمد نجيب ألا يلتفت للمنافقين وسألهم فى أحد الصور ما إذا كانوا يقبلون قدمه أم يعرقلونه، ثم انتقل أحاديثه وحواره إلى عبد الناصر ففى كاريكاتير يظهر عبدالناصر، يقود جملاً مكتوبًا عليه الجلاء فيقول المواطن مصرى «آدى الجمال وآدى جمال»، وصوره فى كاريكاتير آخر على شكل ترزى يفصل الديمقراطية على عروس خشب ويقول  للمواطن مصرى «اتلفع بالكوفية دى لغاية ما خلص لك البالطو».
اجتاز عبدالسميع حقبة هى الأصعب فى حياة المواطن مصرى عاش معه حلمه بالثورة والخروج من عنق الزجاجة باسم الديمقراطية وحلم الحرية والتخلص من الاستعمار، فضلاً عن لوحة فى رأيى الشخصى هى الأخطر فى مارس 1954، حيث وقف المصرى أفندى أمام «فاترينة» من الزجاج بداخلها امرأة جميلة يعلوها جناحان كلاهما وضع يده على الزجاج يحاول الوصول إلى الآخر، وأحاط به كل من محمد نجيب وجمال عبد الناصر وصلاح سالم ثلاثتهم يقولون له «أنت مش عايز تشوف الحرية.. أهيه ياسيدى قدامك».