الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«المضل».. «الفقيرة».. «التايهة»

«المضل».. «الفقيرة».. «التايهة»
«المضل».. «الفقيرة».. «التايهة»




بنى سويف - مصطفى عرفة


«المضل».. «الفقيرة».. قريتان متجاورتان تتبعان مركز ببا جنوب محافظة بنى سويف، تقعان على البر الشرقى من النيل، لم  يقتصر الفقر والعوذ فيهما على مجرد الاسم بل بات صفة يتندر بها أهالى القرى المجاورة على سكانهما البالغ عددهم 10 آلاف نسمة، بعد أن أصبح التعريف أو النداء على أى من سكانهما بـ«فلان الفقرى» أو «فلان المضل».
والكارثة أن تلك الأسماء أثمرت حسرة فى نفوسهم ودفع بأطفالهم إلى التوقف عن الذهاب للمدارس الإعدادية والثانوية هروبا من اللقب الملعون، بالإضافة إلى أنه يعانى أيضا أهالى قرية «التايهة» التابعة لمركز ناصر من سخرية تكاد تقتلهم كمدا وحسرة، بعد أن أصبحوا يعرفون بأولاد التايهة.
يعيش أهالى «المضل» و«الفقيرة» القريتان المنسيتان فى حضن الجبل الشرقى، فى منازل تم إنشاؤها بالطوب اللبن، محرومون من جميع أنواع الخدمات، فلا مرافق أو كهرباء أو مياه شرب أو صرف صحى أو تعليم أو حتى صحة، حيث يعانون عزلة عن العالم لأكثر من 14 ساعة يوميا أثناء توقف المعديات، فضلا عن أن المراكب الشراعية الصغيرة وسيلة المواصلات الوحيدة للوصول إلى القرية، علاوة على أن أهالى التايهة يعيشون حياة مؤلمة بعد أن أغرق الصرف الصحى منازلهم واقتصوا طوابق كاملة من بيوتهم المبنية بين القبور خشية سقوطها فوق رؤوسهم بعد التصدع.
فى البداية يقول أبوالعلا رمضان، فلاح من قرية الفقيرة: «نشعر بالإحراج الشديد عندما يسألونا: انتو منين؟ فنقول: من الفقيرة! فنسمع التريقة وأصبحنا نعرف بأولاد الفقرية»، الأمر الذى خلق مرارة فى نفوسنا خاصة الأطفال الصغار وأثر على مستوى التحصيل العلمى للتلاميذ الذين يكتفون بالتعليم الابتدائى، موضحا أن المدرسة تعتبر المرفق الحكومى الوحيد بالقرية والقرية بأكملها لا يوجد بها سوى خريج جامعى واحد فقط حصل على بكالوريوس هندسة منذ 3 أعوام، بالإضافة إلى أن عدد الحاصلين على المؤهلات المتوسطة بالقرية يتراوح ما بين 20 و50 فردا، جميعهم من الذكور، فى الوقت الذى تحرم فيه بنات القرية من التعليم.
ويلفت أحمد خلف، حاصل على دبلوم زراعة، إلى أن المدرسين يرفضون العمل فى الفقيرة، منوها إلى أن أحد المعلمين قال: «مش ناقصة فقر ولا يأتى للعمل هنا إلا من يتم عقابه على جرم كبير، حيث تحولت المدرسة إلى منفى، منوها إلى أن المرضى يضطرون للسير 3 كيلو مترات للذهاب إلى أقرب وحدة صحية بقرية المضل، التى تفتقر ابسط الخدمات العلاجية، مطالبا بضرورة البدء فى إقامة وحدة بـ«الفقيرة» خاصة مع زيادة أعداد العقارب والثعابين السامة فى القرية التى تهاجم الأطفال الذين لا يجدون من ينقذهم.. ويطالب جمال أبوالفضل، أحد المتضررين، بضرورة تغيير اسم القرية رحمة بمشاعر الأهالى، خاصة الأطفال الذين يرفضون الذهاب إلى المدارس وتحديدا طلاب الثانوية والفنية فى مدينة ببا خوفا من «التريقة» عليهم.. أما على رياض، من قرية المضل، فيؤكد أن اسم القرية أصبح وبالا عليها رغم أنها قرية أثرية ويرجع تاريخها لأيام الفراعنة، وتم اكتشاف أقدم مخطوطة للزابور الذى أنزل على سيدنا داود عليه السلام بها، إلا أن اسمها المضل لا يروق لنا ويذكرنا بالضلال.
أيضا يقول أحمد أبواليزيد، أحد الأهالى: «حظنا وحش حتى مع الصحافة، عشان فيه واحد صحفى نزل يعمل تحقيق عن القرية وفوجئنا بالعنوان مكتوب فيه مضلولة بنى سويف، وكانت حاجة مش كويسة كل واحد يقابلنى يقولنا إيه أخبار المضلولة، وكلنا مكناش فاهمين لحد ما اشترينا الجريدة وكانت صدمة بالنسبة لنا».
السيدة أم محمد، تاجرة طيور، وتضطرها ظروفها إلى التنقل فى الأسواق لبيع الطيور، وتشعر بالحرج عندما يسألها التجار والمشترون: بكام الفراخ؟ وعندما تقول السعر تفاجأ بمن يقول: بطلى ضلال يا بتاع المضل، فأشعر بالمهانة، مطالبة بضرورة تغيير الاسم.. بحسرة يقول صلاح ضاحى: تقدمنا بالعديد من الشكاوى والاستغاثات للمسئولين على رأسهم رئيس المدينة، ومحافظ بنى سويف، ورئاسة مجلس الوزراء» وطالبنا خلالها بضرورة تحسين مستوى القرية وإدخال البنية الأساسية بها، لكن دون جدوى، منوها إلى أنه حتى لو تمت الاستجابة إلى مطالبهم بتغيير الاسم ستظل لعنة الاسم تلاحقهم طول العمر.
فى قرية «التايهة» يلفت الحاج عبدالعال حسن محمود، سكرتير المدرسة المشتركة سابقا، إلى أنه يعيش نحو 3 آلاف مواطن بالعزبة فى بيوتهم فوق مياه الصرف الصحى المتسرب إلى الأرض والبيوت، ما تسبب فى شروخ حادة بالحوائط والأثاثات، وقام معظم الأهالى بهدم الطابق الثانى من بيوتهم خشية تهدمها فوق رءوسهم، إلا أن الغريب أن محطة الصرف الرئيسية لمركز ناصر الذى نتبع له تقع فى زمام قريتهم على بعد 300 متر ويلزم لضمهم إلى المشروع ماسورة فقط بهذا الطول.. ويقول محمد على: «إحنا عايشن تايهين، فالقرية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، ولا توجد بها وحدة صحية، وننتظر للذهاب إلى وحدة قرية الحمام المجاورة التى تبعد ما يزيد على 4 كم، ما يمثل خطورة على حياة الحالات الحرجة، مؤكدا انعدام وسائل المواصلات ويتنقل الأطفال بين القرى لتلقى التعليم على أرجلهم ذهابا وإيابا، حيث إن وسيلة المواصلات الوحيدة عبارة عربة نقل روث البهائم للأرض الزراعية يقوم بجرها أحد الحيوانات.. ويلفت مصطفى دياب، مزارع، إلى أن القرية لا يوجد بها مركز شباب سوى غرفة صغيرة قام أحد الأهالى بالتبرع بها من إحدى غرف منزله للإدارة فقط، توجد بها عارضتان لكرة القدم، مقامة وسط المقابر، وعلى أرض صخرية، لا تصلح لممارسة أية رياضيات.