الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى تجربة على أرض الواقع.. روزاليوسف ترصد: اختفاء العملة المعدنية من الشارع المصرى

فى تجربة على أرض الواقع.. روزاليوسف ترصد: اختفاء العملة المعدنية من الشارع المصرى
فى تجربة على أرض الواقع.. روزاليوسف ترصد: اختفاء العملة المعدنية من الشارع المصرى




تحقيق - محمود ضاحى

 الجنيه المصرى والعملات النقدية المعدنية هى عصب الاقتصاد المصرى، لكن قيمتها أصبحت مفقودة فى وقت تصرخ فيه الطبقة الكادحة من غلاء المعيشة وازدياد الفقر وارتفاع الأسعار.
فوسط تنقلاته من وظيفته أو عمله  إلى مكان إقامته عادة يمر المواطن المصرى بمعاملات وأماكن يومية منها بمحطات المترو، أو الميكروباصات، أو العصارات، أو عربات الفول  أوالأكشاك المنتشرة فى شوارع القاهرة وغيرها، لكنه يعانى إذا خلا جيبه من النقود الفضة، الأمر الذى يضعه فى حيرة، فيلجأ للبحث عن الفكة فى المحلات المجاورة ويكون الرد المتوقع غالبا «مفيش فكة».. فيلجأ المواطن إلى شراء أى سلعة غير مرغوب فيها من أجل حل المشكلة لتوفير الباقى.

فى تجربة على أرض الواقع لبضع ساعات على الأقدام بحثاً عن الفضة من شارع قصر العينى مروراً بميدان  التحرير ثم إلى شارع طلعت حرب.. ومن وسط البلد إلى مترو العتبة،  قطعت «روزاليوسف» شوطاً على الأقدام لنجيب عن السؤال.
بدأت الجولة العاشرة صباحاً بدخول مطعم فول وطعمية وطلب «سندوتشين»، وبعد الانتهاء من الطعام كان المطلوب دفعه 4 جنيهات، بادرنا بخروج فئة «5 جنيهات» عملة ورقية، ليرد الباقى لكن الأمر فشل ولم نجد مع عامل المطعم عملة فضة لرد باقى الحساب.
خرجنا للبحث عن فكة فى عصارة قصب مجاورة له تبعد عنه أمتار بسيطة  فكان الرفض جواب صاحبها، وعلى الناحية الأخرى من نفس الشارع محل شحن خطوط محمول فهرعت الأقدام نحوه فكانت خيبة أمل بإشارة هز الكتف وتلويح الرأس شارحة عدم وجود طلبكم لدينا دون أن يتفوه صاحبها بكلمة.. فكان القرار العودة إلى المطعم، لنتنازل عن الجنيه الفضة ويحصل صاحبه على الخمس جنيهات بعد فشل وجود الفكة.
خطوات.. كانت على يسارنا عصارة أخرى، وفى هذه المرة الثانية على بعد ما يقرب من 50 مترا من وزارة التموين، جهز صاحبها كوبًا من عصير القصب، وبعد أن شربناه وجاء موعد الحساب لدفع 2 جنيه، دفعنا 10 جنيهات، قدم لنا 5 جنيهات،  وتبقى 3 جنيهات لكنه بحث عن الفضة فلم يجد.
انطلقنا إلى مطعم وجبات سريعة بالسؤال عن الفكة لم يلتفت لازدحام مطعمه بالزبائن ولم يهتم، وبجواره أيضاً ماركت فلم نجد، وكان السؤال الموجه له.. هل لديك عجز فى العملة الفضة فبادر بـ«نعم» وكيف يكون حلها، فأجاب أن الشحاذين يقدمون فى نهاية كل يوم ليحصلوا على ما معهم من فضة مقابل عملات ورقية، لكن فى غيابهم تتعثر الأزمة، طال الأمر والوقت يمر،  فما كان من حيلة سوى المبادرة بالمغادرة ليكون لنا نصيب من كوب من عصيره غداً بما تبقى لنا.
فى محطة مترو العتبة حيث وسط القاهرة المكان الأكثر إقبالًا نظراً لمركزه التجارى الذى يتردد عليه عشرات الآلاف يوميا من الصعيد ومحافظات الوجه البحرى وخارج مصر، برفقة صديق كان وقت قطع تذكرتين لمترو الأنفاق ومازالت الجيوب معدومة الفضة، وبعد طابور طويل لقطع التذكرة كان موظف الشباك يطلب الفكة، الأمر الذى لم يتوقع فى محطات المترو، وكان الحل الانتظار على مقربة من الشباك حتى يقدم ممن معهم الفضة.
وهنا رصدنا الآراء عن هل تسبب نقص المعروض من العملة المعدنية فئة جنيه و50 قرشا إلى اضطراب فى حركة البيع والشراء فى الأسواق، وكذلك حركة التعاملات فى المواصلات العامة؟
يقول محمد عبدالمحسن – من بولاق أبوالعلا - إنه فى إحدى المرات فى محطة المترو انتطر أكثر من ربع ساعة حتى جمع الفضة للحصول على الباقي، مضيفاً أنه حاول الذهاب للشباك الآخر لكن لم يجد أيضاً أى عملات معدنية فكة.
وأضاف، أنه  أكثر من مرة يذهب فى الصباح لشراء الخبز وتكون الفكة هى المشكلة التى يواجهها، فيلجأ لأماكن أخرى، ولا يعرف هل المشكلة فى احتكار الفضة وجمعها أم فى عجز  توفيرها فى السوق؟، وتابع: المفترض أن البنك المركزى يوفر العملات الصغيرة، وأن يتبع سياسية واضحة لإعادة اعتبار قيمة الجنيه بعيدًا عن سياسة تعويم الجنيه.
 يقول سعيد عاصم - صاحب عربة فول بجوار مترو البحوث - أن أزمة الفكة لا تمثل مشكلة، ولكن المشكلة تكمن  فى الوضع الاجتماعى السيئ وارتفاع الأسعار، وأن الوضع الاقتصادى سبب فى الغلاء، مطالباً بعودة العملات ضئيلة القيمة الأقل من فئة الـ 25 قرشا، والعمل على سك المزيد منها من أجل الحد من زيادة الأسعار، وتابع:  بائعو الجرجير والبصل الأخضر هم مصدر الحصول على الفكة حال وجود أزمة، لأننى أبيع طعامًا يعتبر الوجبة الأساسية لعدد كبير من المواطنين فى الصباح الباكر.
وشدد مصطفى محمد - صاحب سوبر ماركت بمنطقة البحوث - أن الأسعار مرتفعة بشكل مبالغ فيه، خاصة جشع تجار الجملة المغالين  فى أسعار السلع والمنتجات، وأضاف: «الحال واقف».. لكن فكرة توفر العملة تكون حسب العرض والطلب، فليست المشكلة مستمرة سوى فى فترات الإجازات.
وتابع: أعانى من إيجار المحل أصبح فوق قدرتى، فمن ناحية أرفع الأسعار، التى ارتفعت أصلًا قبل أن أقوم برفعها، وبالتالى أصبحت فوق قدرة الزبون، وكل ذلك يؤدى إلى ركود بيع وخراب ديار، فالمحال قاربت على أن تسحب مننا لأننا غير قادرين على دفع الإيجار، والبضاعة راكدة فى المخارن، وبالتالى لا بيع لا شراء، لا مكسب، فلا شيء إلا الخسارة.
ويتحدث محمود الصعيدى - صاحب فرن عيش بلدى فى بولاق – أن «الحال واقف، ومافيش بيع ومفيش شراء زى زمان، لأنه ببساطة مافيش فلوس، كنا نكسب قبل الثورات وكانت الأمور تسير لكن الآن الغد أسوأ من اليوم»، وأضاف أن العملات الفضية فيها عجز، ثم عاد الجنيه الورق ودائما نعمل على التخلص من الفئة الورقية فى معاملاتنا ونحتفظ بالفضة، لأن العملة الورقية سريعة التلف ولا تتحمل العجين أو النار وقابلة للتمزق بطبيعة عملنا، وأغلب الزبائن يشترون بين 2 و3 جنيهات ويدفعون فئة الـ 5 أو 10 جنيهات، ثم يستردون الباقي، فتكمن الأزمة هنا، ويلجأ المشترى للبحث عن الفكة فى المحلات المجاورة، إما بشراء أى سلعة أو الانصراف إلى مكان آخر للشراء منه.
ويضيف «أحمد عبدالخالق» – من الخصوص صاحب محل ألعاب - أنه يمتلك 500 جنيه فضة نتيجة جمعها من الأطفال والشباب الذى يترددون عليه فى المحل، لكن عندما تكثر معه يتم التخلص منها بتوزيعها على محلات  الدواجن والأكشاك.
لكن حسن طه - مدرس التربية والتعليم - لم يواجه مشكلة الفضة سوى فى الفترة الصباحية فقط لو معه عملات ورقية ويريد الشراء، وأنه من المتوقع أن تكون مشكلة وقتية نتيجة أزمة اقتصادية على إثرها عاد الجنيه الورقى إلى السوق مرة أخرى.
طارق عامر - محافظ البنك المركزى - أصدر قراراً بإعادة طباعة الورقة المالية فئة واحد جنيه مصرى فانتهى البنك المركزى من طباعة 300 مليون ورقة فئة الجنيه، وذلك بعد غيابها ما يقرب من 5 سنوات، وكان لخبراء الاقتصاد رأى فى ذلك.
الدكتور وائل النحاس - الخبير الاقتصادى - قال إن قرار محافظ البنك المركزى بإعادة طبع الجنيه الورقى ليس له أى تأثير على سوق المال، مضيفاً أن محافظ البنك المركزى اتخذ هذا القرار بسبب ببعض الشائعات التى انتشرت حول قيام بعض الجماعات بجمع الجنيه المعدنى وصهره للإضرار بالاقتصاد المصرى.
وأضاف، أن العمر الافتراضى للجنيه الورقى ٦ أشهر مقابل ٨ سنوات للجنيه المعدني، وأن إعادة طباعة الجنيه الورقى مجددًا لن يؤثر على حالة الجنيه فى السوق صعودًا أو هبوطا، كما يظن البعض وأنه لا فارق بين العملة «البنكنوت» الورقية والعملة المعدنية إلا فى تكاليف الطباعة أو تأمين الجنيه الورقى من عمليات التزوير، مرجحا لجوء البنك المركزى لإعادة تداول وطبع الجنيه الورقى إلى ارتفاع تكاليف صك الجنيه المعدنى.
ويقول الدكتور خالد الشافعى - الخبير الاقتصادى - إن قيمة العملة المعدنية لا تساوى تكلفتها وبالتالى يكون سك عدد منها فيه خسارة، مضيفاً أن الأسعار مرتفعة جدًا ولا يوجد سلع  تباع الفترة الحالية بجينه أو نصف الجنيه، بل إن ارتفاع الأسعار فى حد ذاته مشكلة كبيرة يجبر أغلب الفقراء والبسطاء على الشراء بفئة 5 جنيها، وأصبح المعدن غير مطلوب كثيرا فى السوق لغلاء المنتجات، إلا إذا تم تشديد الرقابة على الأسعار.
وطالب الشافعى الدولة بجعل الأسعار فى متوسط محدودى الدخل من البسطاء والفقراء، وزيادة طبع الجنيه الورقى لصعوبة تزويره، موضحاً أن القيمة السوقية لعملة الجنيه انخفضت، مطالبا الحكومة بالرأفة بالشعب وتقليل الأسعار لمحدودى الدخل حتى يتمكنوا من توفير احتياجاتهم والنظر بعين الرحمة للبسطاء، وتوفير سلع معيشية بأسعار مناسبة تناسب دخولهم.
وطالب جهاز سك العملة والبنك المركزى والمسئولين عن السياسة النقدية أن يتحروا حال السوق، ليقيس عليه طبع العملة سواء كانت ورقية أم معدنية، مشيراً إلى أن العملة المعدنية قابلة للتزوير مطالباً أن تكون العملة الورقية هى الأفضل والمحافظة على العملة من الاختراق أو التقليد، مؤكدا أن المشكلة تكمن فى عدم وجود حلول بديلة عند البنك المركزى فى ضخ مزيد من العملات سواء فئة جنيه أو نصف جنيه، وآليات توزيع العملة وتوفيرها فى محطات المترو والأسواق التجارية، خاصة أنه لندرة العملة يجبر صاحب السوبر ماركت المواطن على شراء أشياء لا يحتاج إليها.
شرعاً .. يقول الدكتور على محمد الأزهرى - عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر والأستاذ بكلية أصول الدين - إن احتكار العملة المعدنية عند شخص لا يجوز فى الشرع، لأنه يعمل على الإضرار بالمصالح العامة للدولة، ومن ثم فإن المعيشة السعيدة مطلب شرعى أمر به الإسلام، وهذا يعد نوعا من أنواع الاحتكار غير المقبول شرعا.
وأضاف أن الاحتكار منهى عنه، فقد روى ابن ماجة والحاكم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون» وروى أحمد والحاكم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال «من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من الله، وبرئ الله منه»، واشترط الفقهاء للاحتكار المحرم شروطاً: الأول: أن يكون الشيء المحتكر فاضلاً عن حاجته وحاجة من يعولهم سنة كاملة، فإن كان سيحتاج إليه خلال سنة وخزنه لحاجته إليه فلا يعد ذلك احتكاراً، والثانى: أن ينتظر بالسلعة وقت ارتفاع ثمنها.
 والثالث: أن يكون الناس محتاجين إلى المادة المحتكرة ونحوها، فإن انتفت هذه الشروط فإنه يجوز تخزين المادة، ولا يعد ذلك احتكاراً.
ونوه إلى أن الاحتكار بمثابة خيانة للوطن ويعمل على ضرب الاقتصاد وارتفاع السلع، كما يؤدى إلى ظهور كثير من المصائب من أبرزها البلطجة والسرقة بالإكراه بسبب ضيق اليد والشباب العاطل.
قال الدكتور محمد السبكى - رئيس مصلحة سك العملة بوزارة المالية - إن الحديث حول ندرة العملة المعدنية فى السوق المصرية كلام غير صحيح، مضيفاً أن الندرة تدل على عدم وجود إنتاج، مؤكداً أنه تمت زيادة 25% من الإنتاج فى الفترة من يوليو 2015 حتى 30 يونيو 2016  فى إطار خطة مع البنك المركزى.
وأضاف، أن البنك سمح بنزول الجنيه الورقى بجوار العملة المعدنية فى السوق، مؤكداً أن المصانع تنتج أكثر وهناك خطة لضخ كمية أكبر فى السوق من العملات خلال الأشهر المقبلة، مؤكداً أن الجنيه الورقى لم يتم إيقاف العمل به، ولكن تم سحبه خلال السنوات الماضية، مشيرًا أن السوق الحالية تحتاج إلى الجنيه الورقى.
وأوضح، أنه لن تسمح وزارة المالية بوجود عجز فى العملة، ولا يوجد تعليمات لعدم سك العملة المعدنية بعد نزول الورقى، لكن العملتين متوفرتان، وبناء على تحديد التكلفة الأقل فى الخطة المقبلة ومعرفة أى من العملتين التى تتحمل فترة أكثر من 10 سنوات سيتم ضخ كميات أكبر منها.