الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

واحة الإبداع.. رقصة الياسمين!

واحة الإبداع.. رقصة الياسمين!
واحة الإبداع.. رقصة الياسمين!




يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 055 كلمة» على الإيميل التالى:    
[email protected]

اللوحات بريشة الفنان
جمال قطب


رقصة الياسمين!

قصة  قصيرة  كتبتها - شيرين ماهر


فرّت إلى عالم يَخفُت به ضجيج البارحة، وتشبثت بخيوط نهار لم يولد بعد، وانتظرت بشغف الراهب المُتعبِد فى مِحراب الأمل أن يأتيها الغد بما احتجب فى الأمس!!
وبجوار شُرفتها المُظللة بـ«شجيرات الياسمين» الفواح.. ومع ظِلال أوراقه الساحرة والنسمات الباردة المُتَسلِلة وصولاً إلى أنفاسها المضطربة، غَالَبها حَنيِنها وشوقها، فمَالَت نظراتها الوَجِلة نحو «أبراج الحمائم» التى كانت فى مواجهتها.. فكم كانت أوفى من الزمان، وحفظت ذكراها أعواماً دون أن تَحنِث بقَسمِها ذات يوم.
يقطع استغراقها صوتٌ هادئ.. كان صوت اُمِها، التى حملت داخل قلبها وخزةً مُتلكِئة لا تنهى ألمها دفعة واحدة..  فكم اِعتراها الندم حيال اِبنتها التى علّمَتها فنون الحياة بمثالية، تسببت فى إِنهَاكِها كثيراً.. تلك المثالية التى نثرت بذورها فى حدائق قلبها منذ نعومة أظافرها، ولم تَكُن تَعلم أنها لن تَحصُد منها سوى شَوكاً يُدميها.. فالمثالية نَصل طَاعِن، حينما تُصبِح ترنيمة لا يفهمها البشر، فتحكُم على أصحابها بالانزواء!!
اقتربت الام دامِعة، تُراقِب شُرود ابنتها حين لامَسَت زهرات الياسمين المحيطة بشرفتها الحزينة.. يمكنها بالطبع توقُع باقى التفاصيل، فهى مَن علّمتْها قواعد هذه الرقصة الشاكية، وكيفية أن تَبُث نجواها للطبيعة، التى تُجِيد الإنصات دائماً رغم صَمتِها الرزين!!
 كانت تُدرِك تماماً من أين يَأتى وجعها؟؟ لكنها عجزت عن وأد مَكمَنه فى قلبها، ولم تملُك سوى رعايتها بنبضاتها التى كانت تُغلِف المكان لأجلها، فإذا بها تَقترِب بحذر، ثم ربت على كتفها فى هدوء وسكينة.. كانت تأمَل فى قطع فواصلها السابحة فى ذكرى لا ترحل ولا تغيب.
فإذا بالابنة تلتفِت، وكأنها تَستفيق تواً من خُلوتها المَشجونة.. تُجِيبها بنظرةٍ قصيرة مُفادها آلا تُفسِد لها طقوسها فى حياكة وِشاح ذكراها.. فتعود الام يائسة من محاولة انتشالها من ذلك العمق السحيق الذى ابتلع صباها، وتُغلق الباب خلفها، لتبقى فى انتظارها، حتى تُنهِى رقصتها الكتومة مع الياسمين.
كانت زهرات الياسمين التى طوقت شُرفَتها، كاتمة أسرارها، إذ أنها اعتادت البوح لها كل ليلة، فالياسمين صديق وفىّ، ينجح فيما يخفِق به البشر.. فهى زهرة موحية، مُحمَلة بالراحة والطمأنينة.. تَحُث مُريديها على الايجابية، وتبعث رسائلها فى لياقة خلابة، وتغوى من اِختَصها بأسراره بحماسها الصاخِب للحياة.
«يا إلهى.. كم هى ملساء بيضاء يفوح منها الشذى ويتأرجح على جوانبها ضى الارتياح»، هكذا راحت نفسها تُحدِثها، فالطالما اِصطَفت «الياسمين» وعَششقت مُراقصته، مُلقيةً على أعناقه الخضراء الممشوقة وهج تنهيداتها الخبيئة.
راحت تستغرق فى شكواها، فإذا ما مالت الوريقات الناصعة بالقرب من وجنتيها شعرت بالرضا والامتنان والمؤازرة.. وإذا ما نأت الأعناق الخضراء بعيداً عنها، ثاورتها الحيرة والقلق، وبدت رسالتها لها وكأنها تعترِض سبيل أحزانها، كى تُخرِجها من إقامتها الجبرية.
وها هى الآن تَلثُم بشفتيها زهراواتها الناصعات التى هَدهَدت صخب وجعها، ثم تَفتح باب غُرفتها مُنتشية، وتطبع على جوارح والدتها المُنتظِرة نظرات الامتنان لمنحها أسرار تلك الرقصة الساحرة.. فالآلام لا تحتاج سوى إلى رقصة خاصة كى تنحَل أصفادها وتتفتت كتلتها الصامتة!!