السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عمال اليومية بـ«الأقصر»..الإنسان الذى ليس له ثمن!

عمال اليومية بـ«الأقصر»..الإنسان الذى ليس له ثمن!
عمال اليومية بـ«الأقصر»..الإنسان الذى ليس له ثمن!




الأقصر - أسماء مرعى

أكل العيش مر.. حكمة يتصبر بها العمال غير المنتظمين، أو كما يطلق عليهم عمال اليومية أوالأرزقية لصعوبة حياتهم، ومواجهتهم المخاطر التى يتعرضون لها أثناء عملهم بـالبناء المحاجر مصانع الطوب، وغيرها من الأعمال الشاقة، التى تجعل حياتهم على كف عفريت، خاصة أنهم يعملون دون إبرام عقود أو اتفاقات تلزم أصحاب الأعمال، بتقديم الرعاية الصحية والاجتماعية لهم والتأمين عليهم، وتحديد معاشات، أو صرف تعويضات فى حالات الإصابة داخل العمل، حيث إنهم لا يستطيعون التمرد ورفض العمل، فى وطن تعد البطالة فيه سيدة الأزمات.


اقتربت «روزاليوسف» من هذه الفئة المهمشة، من أهالى محافظة الأقصر، للتعرف سيناريوهات معاناتهم وأوجاعهم اليومية.
يقول سعيد حسن، مشرف فى إحدى شركات المقاولات، التى أسند إليها إنشاء أحد المستشفيات بمحافظة الأقصر إنه يعانى أشد المعاناة من العمل فى مجال المقاولات، حيث إنه يعمل بنظام اليومية من 7 صباحا حتى 4 مساء، وبأجر يومى لم يتعد 70 جنيهًا، علاوة على عدم وجود تأمين صحى واجتماعى عليهم، وافتقار عناصر الأمن والسلامة، ما يعرض حياتهم للخطر بين اللحظة والأخرى.
وأشار حسن إلى أن أصحاب العمل يستغلون الوضع، والظروف الصعبة التى تدفع العمال إلى تقبل العمل، مهما كانت قسوته ومخاطرة، وذلك لتلبية الاحتياجات الحياتية، ولتوفير لقمة العيش لأسرهم، مطالبا الجهات الحكومية ومكاتب العمل؟ بمراقبة العمالة اليومية وإلزام صاحب العمل بالتأمين على العمال وتوفير حياة كريمة لهم.
ويتحسر على إبراهيم، عامل أجرى، على مؤهله الجامعى، الذى لم يمكنه من شغل وظيفة ثابتة تناسبه، قائلا أنا خريج كلية خدمة اجتماعية عام 2000، واشتغلت فى مجال السياحة طيلة السنوات الماضية، وبعد اندلاع ثورة يناير وحالة الركود التى شهدتها المحافظة، اضطررت إلى العمل كعامل أجرى فى مجال المقاولات.
ونوه إلى أن الملاليم التى يتحصل عليها لم تتجاوز الـ50 جنيها، لا تسد جوع أسرته المكونة من 7 أفراد، حيث إنه يسكن فى منزل إيجار بـ400 جنيها شهريًا، فضلا عن معاناة زوجته من فيروس سى، واحتياجها لعلاج شهرى بـ600 جنيه، مطالبا بوظيفة ثابتة أو على الأقل إلزام صاحب العمل بإبرام عقود للعمال، وتثبيتهم والتأمين عليهم، للحفاظ على حقوقهم والاطمئنان على أطفالهم إذا أصابهم سوءًا.
وبلغة يأس ونبرة حزن تكسو ملامحه، يكشف محمد العقربى، عامل محار، يشير إلى أن قلة الحيلة أجبرته على عدم إلحاق ابنته بالتعليم الجامعى، قائلا إن ابنتى أنهت مرحلة الثانوية العامة بمجموع أهلها للالتحاق بكلية التجارة، إلا أن ارتفاع مصاريف التعليم الجامعى، وعدم تدبير تكاليف الكتب ومصاريف الانتقال، أجبرنى على إخراجها من الجامعة، لأن البنت مصيرها الزواج.
وأضاف ابنتى الآن تجلس فى المنزل لرعاية أمها المريضة، التى تحتاج لإجراء عملية جراحية عاجلة، حيث أكد الطبيب تعرضها للخطر كلما تأخروا عن إجراء العملية وتقدم بها السن، مشيرا إلى أن الطبيب طلب 5 آلاف جنيه، علاوة على تكاليف المستشفى ومصاريف العلاج.
ويقول رضوان ضباب، عامل يومية إن الأقصر محافظة سياحية من الطراز الأول، ومنذ تدهور السياحية وتسريح العمالة، زاد عدد المواطنين الذين يبحثون عن لقمة العيش، ما يضطرهم لتقبل العمل وتحكمات صاحبه، مشيرا إلى أن مهنة العمالة غير المنتظمة، أصبحت سلعة تباع وتشترى بـأبخس الأثمان، وإذا اعترض العامل وطالب بحقوقه يكون مصيره الطرد، خاصة أنه بالكاد يستطيع توفير الفول والطعمية لأسرته.
ويلفت أحمد سلامة، الشاب العشرينى، صاحب الجسد النحيل، الذى ضاقت به سبل العيش فى المحافظة الأثرية، بعد أن انعدمت بها فرص العمل، فأتجه إلى محافظة السويس وترك أسرته للعمل فى ورشه نجارة بأجر يومى 75 جنيها، ودون تأمين أو إجازات، منوها إلى أنه أصيب بحساسية جيوب أنفية نتيجة طبيعة العمل الذى يقوم به وسط الأتربة ونشارات الخشب، ولعدم إدراجه تحت مظلة التأمين الصحى يظل يعانى من آثار الحساسية المزمنة.
لكن دع كل ما سبق فى كفة، وتعايش المعاناة التى يعاصرها عمال المحاجر بمحافظة الأقصر، بسبب تعرضهم لمخاطر حقيقية تؤدى إلى إنهاء حياتهم، حيث إن القدر عندما يكون رحيما بهم يكتفى ببتر أجزاء من أجسامهم، فضلا عن إصابتهم بأمراض الالتهاب الرئوى، والتهابات العيون والسرطان، نتيجة استنشاقهم لسحابات غبار الجير الأبيض، فضلا عن بتر أجزاء من أجسامهم، لاستخدامهم مواد تفجيرية لتقطيع الكتل الحجرية، وإمكانية تعرضهم للحروق والتفحم والموت.
المحاجر مفيهاش أى عوامل أمان، واللى بيموت أو يتصاب محدش بيعمله حاجة، ولا بيصرفوله تعويضات ولا تأمينات ولا حتى معاشات.. بهذه الكلمات بدأ أحمد سعد، الذى تعرض لانفجار أثناء عمله بأحد المحاجر بمحافظة أسوان، حديثه، حيث تسبب الانفجار فى فقد بصره وإصابات فى الشفتين، وكسر فى الأنف، وحرق الوجه وتشوهه حديثه، منوها إلى أن صاحب المحجر لم يدفع له أى تأمينات، أو تعويضات للإصابة، أو حتى مصاريف العلاج والعمليات.
وأشار إلى أن المحكمة قررت صرف 45 ألف جنيه له كتعويض عن العاهات التى خلفها له الانفجار، متسائلا هل النظر يشترى بـ45 ألف جنيه؟، لافتا إلى أنه دفع التعويض لسداد الديون ونفقات العلاج، مستنكرا عدم رقابة مكاتب العمل على المحاجر، وإعطاء التصاريح لأصحابها للمتاجرة بأرواح الشباب، ودون إبرام عقود مع جميع العمال، أو التأمين عليهم، ناهيك أن جميع العمليات التى خضع لها على نفقة الدولة، ولم يتكلف صاحب المحجر شيئا، فضلا عن تركيبه عيونا اصطناعية زجاجية، لفقدانه عينيه بالكامل فى الانفجار حتى لا يشمئز منه الناس، مستنكرا رفض الشئون الاجتماعية تخصيص أى معاش له بحجة أن زوجته تعمل بوظيفة حكومية ومؤمن عليها، فى الوقت الذى أمره الطبيب باستخدام الأدوية مدى الحياة، عبارة عن قطرات يستخدمها 5 مرات يوميا، وعدم تناولها يسبب مشاكل صحية بعضلات العيون وضمور فى المخ.
أنا أشتغلت فى المحاجر بعد ما خلصت دبلوم صنايع، علشان أساعد أهلى، وأجهز نفسى.. كان هذا هو الرد على السؤال الذى طرحته روزاليوسف على الشاب ناجى رشيدى، الذى يبلغ من العمر 25 عامًا، حول الأسباب التى دفعته إلى تعريض حياته للخطر، والعمل بمهنة عامل بالمحاجر بمحافظة أسوان، فضلا عن أنه تعرض لانفجار منذ عامين أدى إلى بتر أجزاء من جسده، ما أجبر والده على بيع الأرض الزراعية ليصرف عليه وعلى أخوته.
وأشار إلى أنه توجه إلى مكتب التأمينات الاجتماعية لصرف قيمة التأمين عليه، إلا أن تفاجأ بأنه غير مؤمن عليه، علاوة على إعطائه استمارة الـ5%، من قبل مكتب العمل والقوى العاملة، وطالبوه بانتظار دوره فى الوظائف التى يتم الإعلان عنها، لافتا إلى أنه فى أمس الحاجة لإجراء عملية جراحية أخرى بـ12 ألف جنيه، إلى جانب أن القضية التى حررها ضد صاحب المحجر لم يتحرك لها ساكن.
ويختتم حسن مطاوع، 30 عامًا، بأنه يحتاج إلى عملية جراحية فى قرنية العين، ونظرا لأنه كان يعمل فى المحاجر وهو عمل يومى دون تأمينات اجتماعية، ولم يندرج تحت مظلة التأمين الصحى لم يستطع إجراءها، مشيرا إلى أن أصحاب المحاجر لم يقوموا بالتأمين على العمال الحقيقيين، وإنما يقومون بالتأمين عى بعض الأسماء الوهمية، ليتمكنوا من أخذ تصاريح ومباشرة العمل بالمحاجر.