الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المخرج محمود أبو دومة: تأجيل «الشوارع الخلفية» لإبريل المقبل.. وأستعد لعرض عن إسكندرية الغائبة !

المخرج محمود أبو دومة: تأجيل «الشوارع الخلفية» لإبريل المقبل.. وأستعد لعرض عن إسكندرية الغائبة !
المخرج محمود أبو دومة: تأجيل «الشوارع الخلفية» لإبريل المقبل.. وأستعد لعرض عن إسكندرية الغائبة !




رجل لا يتعالى على الدنيا أو الأحداث، شديد الاقتناع بضرورة التغيير ومواكبة الواقع، ومن ثم اللجوء إلى التنوع والاختلاف، يمتلك من الخبرات ما يمكنه من التواءم وببساطة مع كل متغير يطرأ على حياته سواء الفنية أو العملية، وبلا تكلف وبكل تواضع يسعى إلى تطويع هذا الجديد وتخليق مساحات جديدة من الابتكار والإبداع، هو المخرج المسرحى محمود أبو دومة، الذى أسس قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير الملتقى الدولى للمسرح المستقل بمدينة الإسكندرية وأحدث حالة فنية فريدة، وبعد أحداث الثورة وتركه للمكتبة، قرر أبو دومة إعادة صياغة عمله كمنظم مهرجانات محترف، بل واستثمار خبرته ونجاحه فى عمل نسختين الأولى كان مهرجان «نوبة صحيان» ثم مهرجان الشوارع الخلفية التابعين لمؤسسة «I act»، ولفتح أفق أوسع لاستيعاب كل الفنون المستقلة ولاكتشاف واحتواء المواهب الشابة اسس أبو دومة كل من تياترو الإسكندرية بأحد شوارعها القديمة وهو أشبه بمقاهى الإسكندرية فى عصر الثلاثنينات، ثم أسس نظيره بحى المعادى بنفس الفلسفة والمنطق، وفى حوار سيطرت عليه حالة من المتعة والبهجة وتبادل الخبرات والمعلومات، تحدث أبو دومة عن أهم مشاريعه، مشروع «البهجة» بمهرجان الشوارع الخلفية، وعن مشاريع أخرى مستقبلية وقضايا مسرحية شائكة:

■ ينتظر أهل الإسكندرية مهرجان الشوارع الخلفية فى شهر أكتوبر من كل عام، فلماذا لم يتم الإعلان عن الدورة الجديدة حتى الآن؟
تم تأجيل المهرجان إلى إبريل 2017، وكان من المفترض انعقاده يوم 17 أكتوبر، لكن نظرا لتعذر الوضع المالي، فليس لدينا مصادر مالية كافية، رغم أننا تعاقدنا مع فرق كثيرة لكنهم تقبلوا فكرة التأجيل حتى يكون هناك براح من الناحية المادية، فلدينا مصاريف تخص تذاكر الطيران وحجز الفنادق وأجور لبعض العروض الجيدة ومنذ ما يقرب من عام نعمل على الاتفاق مع 15 عرضًا مسرحيًا.
■ هل أصبحت تجد صعوبة فى تنظيم المهرجان بعد ترك مكتبة الإسكندرية؟
- بالتأكيد المسألة أصعب كثيرا، لأنه كانت لدى مؤسسة ضخمة اسمها مكتبة الإسكندرية، واسمها وحده له ثقل وكان هناك دول كثيرة تحب القدوم والحضور، ولم تكن الثورة قد قامت بعد، فكانت الدنيا أمان لكن حاليا أى شخص يحب المجىء إلى مصر عندما يذهب لشركة التأمين ترفض التأمين عليه..!
■ فى رأيك هل سيكون هناك تعارض بين موعد «الشوارع الخلفية»، وموعد المهرجان الدولى لمكتبة الإسكندرية؟
- سنحاول ألا يكون هناك تصادم فى المواعيد، فسوف نختار موعدا قبل أو بعد مهرجان المكتبة، حتى تتكامل الأشياء ولا تتصارع أو تتصادم، فليس بيننا حالة من التصادم أو التنافس بل كل منا يكمل الأخر.
■ ما الفلسفة التى تأسس عليها  مهرجان الشوارع الخلفية؟   
- أهم شىء هو التفكير فى أن المسرح ليس مجرد ملفات لكنه يتحول لثقافة فى سلوك الناس، وبالتالى يجب أن تكون لدىَّ رؤية مع فريق العمل وأثناء تشكيلنا لقوام الشوارع الخلفية فكرنا فى دائرة الاهتمام، وهى أوروبا دول البحر المتوسط، فمازال إيمانى بأن البحر المتوسط هو أحد أهم الأعمدة الرئيسية فى الثقافة المصرية، وهو أداة تواصل بينا وبين أوروبا، بجانب أنه لابد أن تكون المسرحية تحمل متعة للمواطن العادى مبهجة لقلبه، ليست قاتمة بدعوى الجدية، فالمهرجان اسمه الشوارع الخلفية «مشروع البهجة»، بمعنى أنه موجود لإحداث نوع من البهجة، فيضم عروض السيرك ورقص بالشوارع .
■ لماذا سمى المهرجان بالشوارع الخلفية؟
- لأننا نحرص على إقامة العروض فى أماكن متعددة غالبا ما تكون بشوارع كوم الدكة حتى إذا دخلنا مكانا مغلقا نختار المساحة المفتوحة به مثل مركز الجيزويت الثقافى نعرض بحديقته، وذهبنا بالعروض مرات عديدة لشوارع كوم الدكة، ومسرحيات بين البيوت فى الحوارى حتى أن الجمهور كان يطل عليها من البالكونات وعرض فى ساحة كوم المدورة واحد يابانى قدم عرضا للأطفال كما نستخدم ممر تياترو الإسكندرية كمساحة مفتوحة، فنحاول اجتذاب المفترج والذهاب إليه بآلية مشاهدة محددة، خاصة الفقراء والمهمشين والأطفال المحرومين من ممارسة الفن داخل شوراعهم وبيوتهم لأنها رسالة وهدف وإيمان بالتنوع كل الناس تأخذ حظوظها من الحياة.
■ يحرص المهرجان على التجرد من الحالة التنافسية لماذا؟
- ليس لدينا جوائز أومنافسات لأننا لن نحكم على فنان، فالحكم على عمل فنى مسألة صعبة جدا، ومحاطة بالأشواك، ولابد أن تتدخل بها السياسة، طالما هناك جوائز توجد السياسية، والحكم المعيارى والقيمى على ممثل أو عمل صعب وشائك، وعادة ما يحمل علامات استفهام ، لكننا نبحث دائما عن تكامل العناصر الفنية فى العروض المشاركة بالمهرجان، وفتح حوار بيننا وبين الحاضرين وعمل إصدارات وتدريب وتعليم غير رسمى، الأربع عناصر يتكاملوا معا حتى تكون هناك حالة مختلفة.
■ وماذا عن نوبة صحيان الذى كان يتم بالتبادل مع مشروع البهجة؟
- نوبة صحيان ولد فى ضرورة واعتمدنا على مصادر عربية من حولنا مثل فلسطين وسوريا ولبنان وغيرها ، فكان تعبير عن النفير الذى ضرب البلاد العربية، لإطلاق إنذار الإفاقة لكنه استنفد أغراضه لذلك قررنا أن يقتصر المهرجان على الشوارع فقط، لأن نوبة صحيان كان بمناسبة المد الثورى الذى حدث بالعالم العربي، فرأينا ضرورة توسيع الزاوية بشكل أكبر، حتى نشاهد تجارب أخرى لأن فكرة الإنكفاء على الذات فكرة غير صحيحة.
■ كيف استطعت تغيير جلدك بهذه السهولة بعد انتقالك من مكتبة الإسكندرية؟
- ترك المكتبة كان اختيارى فأحببت أن أكون مستقلا وحرًا، وبالتالى لم أخذ الملتقى الإبداعى معى لأنه كان لابد أن يتغير كل شيء بالتنوع والاختلاف والتكامل فلم أجبر على ترك عملى بالمكتبة، وفى النهاية نحن نعمل بما يتوافق مع طبيعتنا الإنسانية، فبعد تداعيات ما حدث فى مصر سوريا واليمن وتونس رأيت أن المسألة لم تكن مجرد خريف عربى فقط، بل هناك مرحلة انتقالية تحدث على مستوى العالم كله، فهناك عالم جديد يتشكل ولن يقوم على أعمدة العالم القديم، ولن يعتمدوا على الحجارة التى سقطت من العالم القديم، وهذا العالم الجديد يستحيل التنبؤ بصورته النهائية، وبعض الناس أدركت أن هناك عالم يتشكل سيشمل مصر وأمريكا، وبالتالى هناك تغيير سيطول كل الفنون الكتابة والتمثيل والإخراج السينوجرافيا والموسيقى حتى الانحيازات القديمة ستتغير فمن المهم التفكير فى كيفية االوقوف والإستعداد لهذا التغيير، ففكرت بما يتواءم ويتواكب مع المرحلة الجديدة، واخترت الشارع والبهجة عنوانا للمهرجان.
■ كيف رأيت دورة المهرجان التجريبى هذا العام ؟

- لم أشاهد المهرجان التجريبى، لكننى تأملت وتابعت بعض المقالات التى كتبت عنه، فلم نستطع نطق أو استيعاب اسمه، فكنت مع تغيير الإسم لكننى ضد الاسم الجديد، فحتى لو غضب الناس من تغيير اسم التجريبى كان يجب النظر إلى صورة مصر الثقافية أمام العالم بدلا من أن نظهر وكأننا «نلصم اسما»، المهرجان نظمه مجموعة من خيرة العقول، لكن فى رأى أنه كان يجب الاعتماد على التفكير الجماعى كى يصلوا إلى فلسفة مختلفة، فعندما أردت إقامة مهرجان كان لدى أربع نقاط مهمة لوضع خطة له، وفكرت فى ذلك مع عقول شابة وعقول كبيرة، فالمهرجان التجريبى يحتاج إلى عصف ذهنى حتى يعاد تكوينه وصياغته بشكل يجعل وجوده مبرر، فما المانع من تسميته المهرجان الدولى للمسرح،  كما لابد أن يكون لديهم لجنة استشارية، بدلا من الاعتماد على المرجعية الثقافية الرسمية، من المهم أيضا أن يكون لديهم عقول تفكر معهم خمسة أو ست أشخاص، حتى نتخلص من كل سخافات الماضى التى جعلت المهرجان استنفذ أغراضه بعد دورته السادسة، كنت ضد خروجه بهذا الاستعجال، وكان يجب التخطيط والعمل عليه عامين كاملين.
■ هل كنت مع الاستعانة بالخبرات القديمة للتجريبي؟
- بالتأكيد لابد من الإستعانة بكل الخبرات سواء الجديدة أو القديمة وهناك الكثيرون فى مجال المسرح المستقل من الممكن أن يكونوا قوام مهم ومرجعية لهم لست أنا على وجه التحديد، فهناك غيرى الكثير، لأن خبرة تنظيم مهرجان دولى مختلفة تماما وتحتاج إلى خبرات عديدة، وكنت على استعداد أن أمنح المهرجان كل ما لدى من قوائم اتصال خارجى وبلا أى مقابل، بجانب ضرورة وجود خبرة المشاهدة الدولية، لابد أن تبذل الدولة جهدا فى إرسال لجان المشاهدة لمهرجانات دولية لإختيار عروض هامة وحقيقية، مثل مهرجان ادنبرا، أفنيون، وهولندا بها أربعة أو خمسة مهرجانات، كما أن المهرجان التجريبى ليس قابضا على جغرافيا محددة، فعلى سبيل المثال لا يمكن وضع الصين مع أفريقيا وأمريكا لكن كان من الممكن التفكير بشكل أخر، أن يستضيف المهرجان هذا العام دول أوروبا أوأسيا فقط، كى تكون له شخصية، وفى كل سنة يغير المناطق، فليس مهما الالتزام بمنطقة محددة، فمن الممكن الإكتفاء بـ15 إلى 20 عرضًا فقط، والاحتفاء بهما، كى تكون له رسالة واضحة، وهذا يتم من خلال لجنة استشارية، تضع شروطًا مقبولة من الناحية الفنية ومن الممكن أن أقوم بنفسى بمنح خبرتى لهم من مهرجان المكتبة الذى بنيته فى سنوات كانت له شخصية، وكان به زخم مسرحى يستضيف 260 شخصية ويحتوى على 33 عرضًا دون دفع ميزانيات ضخمة على الإطلاق.
■ كيف رأيت فكرة مشاركة 15 عرضاً مصرياً ضمن فعاليات المهرجان؟
- هذا عدد كبير للغاية كان يكفى عرضين فقط، لأنهم سبق وعرضوا بالمهرجان القومي، كان على لجنة المشاهدة التصفية واختيار عرضين ممتيزين فقط، لأنه من المهم والأساس منح الفرصة لإستضافة ومشاهدة العروض الدولية.
■ لكن رأت إدارة المهرجان ضرورة أن يشاهد رؤساء المهرجانات الدولية الإنتاج المصري؟
- هذه فكرة جيدة جدا، لكن كان من الممكن دعوتهم خلال المهرجان القومى للمسرح المصري، وهناك فكرة أخرى شديدة التميز تنفذها الدول الأوربية، وهى حقيبة المسرح المصري، بمعنى أن يتم جمع كل الفرق المسرحية سواء التابعة للحكومة وقطاع عام وقطاع خاص وفرق مستقلة وهواة، وكل منهم يعرض فى ثلث ساعة مشهد من عرضه أو يتحدث عن فرقته، كأنك تحملين حقائب مسرحية تحمل أجنحة المسرح المصري، الأكاديمى والحكومى قطاع خاص ومستقل وهواة، وتتم دعوة المنظمين الدوليين والمنتجين والمنشطين والممولين 100 اسم لن يكلفوا الدولة كثيرا حتى  يروا «Egyptian show case»، كنت بصدد تنفيذ هذا المشروع بالملتقى الإبداعى لكن لم يتم بسبب ما حدث عام 2011 ، كنا ندبر لقاءات متعددة مع الناس لمحاولة الدعم حتى يكون هناك إيمان بالتنوع والاختلاف لأن الإيمان بالتنوع هو من أساسيات حب الحياة، وكراهية الاختلاف يعنى أننا أعداء الحياة، مثل ما يفعله بنا المتطرفون والسلفيون.
■ بعد عتب البيوت ماذا يفعل حاليا المخرج محمود أبو دومة؟      
- منذ عام كامل بدأت فى كتابة عرض عن اسكندرية الغائبة وليست الحاضرة عن روح المدينة الكزموبوليتان التى غرقت فى البحر واختفت ، والتى كانت مدينة تحمل الثقافة الفرانكفونية فى الثلاثنينيات وكانت الفرنسية وقتها هى اللغة الأولى أصبحت اليوم أحد مراكز السلفين ومن أكبر سبع مدن متطرفة على مستوى العالم ، وعن عمد هدمت مبانيها القديمة والدولة كانت تستطيع شراء هذه الثروة لعقارية التى هدمت بالإسكندرية مثل فيلا شيكوريل وبيت كفافيس، فلدينا مدينة طمرت معالمها، حتى نصبح بلا ذاكرة لأنك وقتها ستصبحين مثل السمكة التى تبلع الطعم فى كل مرة لأن ليس لديها ذاكرة، لن يكون عرضاً ضخماً بل سيكون عملاً عميقاً بمشاركة مجموعة من الألمان.