الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

السكر المر

السكر المر
السكر المر




إيهاب كامل يكتب:

أثق فى مصر وأهلها الطيبين رغم كل التشوهات التى أصابت الشخصية المصرية، وهى جريمة يجب أن يحاكم عليها الكثيرون، ولا أثق فى قطاع الطرق، «النَّوَر»، شيوخ المنسر، مصاصى الدماء، وشخصيات الزومبى التى لا تهمد أبداً، حتى بعد أن تأكل فى أجسادنا، أحاول دائما أن اتفاءل وأمنح الأمل لكل من حولى، لكن للأسف الخوف بدأ يتملكنى هذه الأيام كثيرا، بدأت أخشى القادم.. اخشى من الوجوه العابسة التى أقابلها كل يوم فى المواصلات، الشارع، فى القهوة التى هرب روادها بعد ارتفاع أسعار المشروبات، وجوه امتلأت كآبة وخوفًا.. سُرقت منها البسمة، البسمة التى كانت عنوان شخصية ومزاج المواطن المصرى.
***
أعرف أن الآخر يتحكم فى حياتى بقرار، يصدره ولا يعبأ بتبعاته على الناس، «قيمة مضافة» و رفع اسعار الكهرباء والماء والغاز؟!، يقول بعضنا: نستحمل عشان مصر، يقوموا يرفعوا مصاريف المدارس والسلع والخضار؟! يقول بعضنا: مايضرش برضه عشان مصر، لازم نرفع شعار حارب الغلاء بالاستغناء، وبعد كل هذا التقشف نكتشف أن الذين يطلبون منا التقشف لا يتقشفون ولا يختشون، إنهم يأخذون منا دم أولادنا ولا يتحرجون، يخطفون قوتنا وهم يضحكون، يطلبون الزيادة وهم ينفقون الملايين، فأصبحت اردد جملة «علي» الذى قام بدوره أحمد زكى فى «الحب فوق هضبة الهرم»: كلهم كدابين و كلهم عارفين انهم كدابين و كلهم عارفين اننا عارفين انهم كدابين.
***
عملا بشعار «خلى سقف الأمل عالى» ..جلست أنا وأولادى نحلم ونلعب لعبة بالكلام: ياللا نختار فى أى كومبوند نسكن وكأننا نملك الملايين، هل نختار للا أم 3 جناين، ولا يكون لكل منا فيللته الخاصة..أحلام، مجرد أحلام مثل غيرها العشرات التى تدمرت على صخرة الواقع وتنتهى عند شعار اللى معهوش ميلزموش، وأخرى ماتت على يد قاتل الأحلام الذى تقابله فى كل مكان.
***
 وسط حالة القرف والفوضى والسخف هذه قررت أن أشغل نفسى بمشاهدة الأفلام القديمة وأن أكون زبون دائم فى منتديات ومواقع الطبخ حتى لا أقع فريسة، للأخبار المستفزة ولا الكائنات الغريبة التى تطل علينا من خلف أقفاص زجاجية، أو رقمية.
***
تلك الكائنات التى ترفع شعار عرض تسود، وللتعريض أشكال وأنواع كثيرة جدا خاصة فى هذه الايام.. كان زمان الناس تتكسف.. اليوم تحول الامر إلى أن «المعرض» هو الاقوى والاشجع لا يخجل من مهنته، تسأل أنت مؤهلاتك ايه يقولك «معرض»، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد.. فالمسافة بين المزايدة والتعرض دابت.. فالتحما وتماهيا فى خليط كالعجين لتقدم لنا منتجًا جديدًا ذا قوة ثلاثية صناعة مصرية خالصة، نشاهدها يوميا فى الفضائيات والإذاعة ونقرأها فى الصحف وفى بوستات على الفيس بوك وتويتات وهاش تاج، أصبحنا محاصرين، كل منهم يرفع شعار «أفديك برقبتى» ووقت الجد يكون أول سكين يقطع فى الرقبة.
***
مؤخرا قررت قبل أن أبدا رحلة البحث عن السعادة، أن اتوقف عن تناول المشروبات سكر زيادة مساهمة منى فى حل أزمة السكر وتخفيف العبء عن كاهل الدولة وزوجتى التى تشتكى، وقولت وماله استحمل واغير أحد عاداتى غير الصحية، وبعد أيام قررت مرة أخرى أن اشكر الحكومة وأزماتها المستمرة لأنها جعلتنى اتعرف على طعم الأشياء دون السكر.. جعلتنى استطعم المر!.