الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

شهادات الثوار والعسكريين والإخوان




عام يمر على أحداث «شارع محمد محمود» المأساوية التى راح فيها مئات الشهداء والمصابين وشهدت مصر خلال تلك الأحداث حرب شوارع واشتباكات دموية ما بين المتظاهرين وقوات الشرطة التى صوبت الأسلحة على الوجه، كما استهدفت المستشفيات الميدانية. الأحداث اندلعت حينما قامت قوات الأمن المركزى بفض اعتصام أهالى الشهداء والمصابين فى ميدان التحرير وإخلاء الميدان بالقوة فحدثت اشتباكات بين الطرفين، وبدأ الثوار يتوافدون إلى الميدان لحمايته.. فجرت الاشتباكات فيه والشوارع المجاورة وخاصة شارع محمد محمود باعتباره أقرب الشوارع المؤدية إلى الميدان.. العسكريون يرون مجلسهم بريئاً ومنهم من يلقى باللوم عليه، الإسلاميون يرون أنه لا داعى للاحتفال بذكراها لأنها كانت مؤلمة، وأنهم شاركوا فى اليوم الخامس للتهدئة والوقوف كحاجز بشرى بين الأمن والمتظاهرين، أما القوى السياسية فصبت غضبها على التيارات الإسلامية وخاصة جماعة الإخوان المسلمين التى اتهمتها بالانتهازية.. السطور القادمة تحاول التذكرة بما جرى عقب انتهاء جمعية المطلب الواحد فى الثامن عشر من نوفمبر قبل عام.
 
 
شباب الثورة ولحظات الموت
 
 
كانت أحداث شارع «محمد محمود» نقطة فاصلة فى تاريخ ثورة 25 يناير، بعدما يأس شباب الثورة من حدوث أى تحرك إيجابى أو ترك المجلس العسكرى للسلطة، فإذا بمحاولات الأمن فض اعتصام مصابى الثورة، الخطوة الأولى فى مجريات أحداث شارع محمد محمود حيث ثار الشباب والتفوا مرة أخرى بالميدان ليدافعوا عن أهالى الشهداء والمصابين ولكن استخدام وزارة الداخلية للعنف أدى لوقوع العديد من الضحايا والمصابين، ولعل روايات شباب الثورة ترصد وتخلد لنا ذكريات «محمد محمود» التى أجبرت المجلس العسكرى على تحديد موعد تسليمه للسلطة وتغيير الحكومة.
فى البداية يوضح هيثم الشواف المتحدث الإعلامى لتحالف القوى الثورية أن الأزمة الرئيسية التى أدت لاشتعال الأحداث «أنها جاءت بعد أحداث ماسبيرو وتم اتهام الثوار بالتعدى على الشرطة العسكرية واتهمونا أيضًا مع بداية «محمد محمود» بأننا بلطجية ومأجورون ونريد الفوضى للبلاد التى كانت تسير فى طريق الشرعية الدستورية والانتخابات البرلمانية، إن الأحداث كانت لها الفضل فى تحقيق كثير من مكاسب الثورة رغم ما نتج عنه من إصابات وقتل للمتظاهرين، فقد كانوا السبب فى إقالة حكومة د. عصام شرف، وإصدار المجلس العسكرى بعد الضغط عليه بيانًا عسكريًا عن سعيه لتحديد موعد تسليم السلطة منتصف العام وهو أمر ما كان ليتحقق أبدًا.
من جهته يقول «رامى كامل» عضو اتحاد ماسبيرو «إن أحداث محمد محمود جاءت بعد جمعة «قندهار» والتى كانت تابعة للإسلاميين بدعوى تطبيق الشريعة وقد انصرفوا وتبقى المصابون المعتصمون وسط التحرير، وعلمنا بالتعدى على أهالى المصابين والشهداء وأن الأمن استخدم القوة ضدهم وتذكرنا أحداث «ماسبيرو» ولهذا قررنا النزول للميدان مرة أخرى والدفاع عنهم وأثناء ذلك تعمدت قوات الأمن والشرطة العسكرية استخدام الغازات على المتظاهرين وبعدما سقط أول شهيد بشارع محمد محمود أصبح للتظاهرات معنى آخر وهو رحيل المجلس العسكرى من الحكم وأصبح المشهد هو عبارة عن حرب شوارع ما بين قوات الأمن والثوار، وكر وفر، ولا أنسى إصابتى بطلق خرطوش بقدمى أدى لعجزى وقتها عن الحركة ومع ذلك قررت الاستمرار فى الاعتصام».
يضيف رامى: «إن أبرز ما استفدناه فى أحداث محمد محمود هو تعرية الذين أرادوا القفز على الثورة مثل الإخوان والسلفيين الذين رأوا أن من بالتحرير متربصون ويريدون عرقلة مضى المرحلة الانتقالية ووضحت الصفقة بين الإخوان والمجلس العسكرى وكذلك تهافت بقية القوى السياسية التى سعت لاستغلال أحداث محمد محمود سياسيًا، ولكن الثوار التفتوا لذلك فتم طرد أيمن نور وممدوح حمزة وصفوت حجازى والبلتاجى من ميدان التحرير واتضحت الرؤية أن الثوار فقط هم من قاموا بالثورة وليس من يدعون الآن ذلك، وبالتالى رسم خط فاصل بين الأحزاب والقوى السياسية وبين الإسلاميين وبين الثوار».
هشام الشال، المتحدث الإعلامى لثورة الغضب المصرية الثانية يقول: «كنا من ضمن المشاركين فى مليونية قندهار التى شارك فيها حازم أبو إسماعيل وكعادته أعلن عدم اعتصامه ولكننا صممنا على الاعتصام مع أهالى المصابين والشهداء وفوجئنا بتعدى الأمن علينا صباح يوم 18نوفمبر واشتد الهجوم إلى أن أصيب أحد المعتصمين وبدأ الضرب بين الطرفين واستخدم المتظاهرون الطوب والحجارة حتى فوجئنا باستخدام الأمن للطلق الحى والغازات السامة، وبدأ المتظاهرون فى التوافد والتواجد وقررنا الاعتصام وطالبنا برحيل المجلس العسكرى وتشكيل حكومة إنقاذ وطنى ومجلس رئاسى مدنى برئاسة البرادعى، ولكن المجلس استمر إلى أن أعلن تحديد موعد لتسليمه السلطة وتشكيل حكومة جديدة».
ويتابع بقوله: إن خطابات المجلس العسكرى كانت مستفزة للغاية ولم تراع آلاف المصابين ومئات القتلى وتعاملوا معنا كأننا مأجورون وللأسف مكاسب «محمد محمود» كانت من نصيب الإخوان المسلمين فقد وصلوا للحكم بعد صفقة مع المجلس العسكرى ولم يلتفتوا للثورة وأهدافها ودماء الشهداء.
عصام الشريف، المتحدث الإعلامى للجبهة الحرة للتغيير يتذكر الأحداث بقوله: إن المجلس سعى لحشد الناس ضدنا حيث ادعى أن المسيرات والمظاهرات ترجع البلاد إلى الوراء وأن الاستثمارات قد هربت وعجلة الإنتاج أصبحت معطلة وأن هناك من يسعى للوقيعة بين الشعب والجيش، ورغم اعتذار المجلس العسكرى عن الضحايا ودم الشهداء إلا أنه لم يقدم للعدالة من قاموا بذلك وحتى الآن هناك جثث بالمئات مجهولة ولا نعلم مكانها، وحتى بعدما استقال عصام شرف كان البديل أسوأ وهو الحكومة برئاسة د. كمال الجنزورى أحد رجال النظام السابق وهو ما أدى لفزع الثوار وقاموا بالتخطيط لجمعة الفرصة الأخيرة لمطالبة المجلس بالرحيل وتشكيل حكومة إنقاذ وطنى لإدارة البلاد ولكن المجلس العسكرى كان رده هو بناء جدار عازل بين الشعب ووزارة الداخلية وإنهاء العنف بعد ستة أيام لتصبح أحداث محمد محمود وصمة عار فى إدارة المجلس العسكرى للبلاد.. لهذا لابد من التفكير فى محاسبة المتورطين فى أحداث محمد محمود مع حلول الذكرى الأولى له.
 
 

 
 
 
السياسيون يعيدون المحاكمة
 
 
فى ذكرى أحداث الشارع الذى أطلق عليه الثوار «عيون الحرية» يحاول البعض استرجاع دور العديد من الأطراف التى كانت متواجدة على الساحة السياسية فى ذلك الوقت، من لم يشارك ومن امتنع ومن وصف الثوار بالبلطجية ومن أجل حملاته الانتخابية من أجل الأحداث - ولعل أبرزهم كان «عمرو حمزاوى» و«جميلة إسماعيل».
حول انطباعات ومواقف القوى السياسية من أحزاب سياسية وشخصيات حاولنا رصد ذلك فى التقرير الآتى:
يوضح جمال أسعد المفكر القبطى أن أحداث محمد محمود لها العديد من العظات «فقد أظهرت وجود العديد من القوى السياسية ذات الطبيعة الانتهازية وألحقت بها وصمة عار على مدى التاريخ لعل أبرزهم الإخوان المسلمين والسلفيين الذين انشغلوا بغنائم السياسة والانتخابات البرلمانية وتجاهلوا دماء الثوار والجرحى والقتلى بشارع محمد محمود واهتموا بالحملات الانتخابية وحشد الأصوات للمعركة الانتخابية ولحق بهم العديد من الأحزاب المدنية كالوفد والغد وغيرهما، شخصيات سياسية وصل الأمر بعضهم لتبرير خيانتهم للثورة بوصف من هم بالتحرير بأنهم بلطجية ومأجورون ويريدون إفساد البلاد، وأن على الشرطة والجيش مقاومتهم وأكدوا أنهم ماضون فى طريق الشرعية الدستورية وأن من فى الميدان يريدون الشرعية الثورية وهم على باطل».
د. جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية يقول إن القوى السياسية فى ذلك الوقت تجاهلت الثورة ومطالبها وعقدوا جلسات مع المجلس العسكرى طمعا منهم فى السلطة وتركوا التحرير وشباب الثورة فى مواجهة المجلس ولكن جاءت أحداث محمد محمود وحاولوا تسلقها لكن الشباب كان لديهم وعى بذلك ولم يوافقوا وتم طرد أغلب السياسيين الذين اتجهوا للميدان فى ذلك الوقت.
من جانبه اتهم نبيل زكى القيادى بحزب التجمع جماعة الإخوان بالتخلى عن البلد والثوار خلال تلك الأحداث وانحازوا للمجلس العسكرى الذى سبق وهاجموه فى فترات أخرى وإجمالًا فإن الهجوم كان يأتى تبعًا لمدى الفرصة لهم بالانفراد بالسلطة.
 
 
الإسلاميون بين الانتهازية والمشاركة
 
 
لتيار الإسلام السياسى دور كبير كما يرى البعض فى اندلاع شرارة الأحداث الأولى عقب الخروج فى تظاهرات جمعة المطلب الواحد لنقل السلطة من المجلس العسكرى إلى سلطة مدنية منتخبة، لكنهم اتهموا فيما بعد من قبل بعض التيارات بالتخلى عن الثوار فى محمد محمود، نرصد وجهة نظرهم فى هذه الأحداث فى السطور التالية:
د. محمود غزلان المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين يقول فى تصريحاته لـ«روزاليوسف» إن الجماعة لن تشارك فى إحياء هذه الذكرى لأنها حادث مؤلم لا داعى لتذكره ومن الطبيعى ألا نشارك فيها، لافتا إلى أن الجماعة لم تشارك فى هذه الأحداث منذ اندلاعها وقامت بعمل حواجز بشرية لتهدئة الأوضاع بعد اليوم الخامس من الأحداث، كما اعتبر غزلان أن الهجوم المتداول على موقف جماعته من جراء تلك الأحداث طبيعى فى إطار حملة الهجوم العنيف الذى تتعرض له الجماعة دائمًا وهذا كله بدون وجه حق.
وأضاف غزلان فى تقييمه لانعكاس هذا الموقف على الصورة العامة للجماعة أنها لن تؤثر من قريب أو بعيد عليها فيما يتعلق بالمعارك الانتخابية وصورتهم تجاه الشعب المصرى. فى السياق نفسه نفى أحمد سامى أمين الشباب بحزب النور انسحاب حزبه والتيار السلفى من أحداث محمد محمود قائلا: صحيح لم نشارك فى الأحداث والمواجهات منذ اندلاعها لكننا قمنا بعمل سلاسل ودروع بشرية لفض المواجهات المتزايدة بين الداخلية والثوار.
 
 
 

 
 
«عسكريون»: المجلس تورط فى الأحداث
 
 
للعسكريين رأيهم فى أحداث «محمد محمود»، فضلنا أن يذكروها بأنفسهم بعد الاتهامات التى مادامت وجهت لهم خلال الفترة الانتقالية جاءت على النحو التالى:
يرى اللواء والخبير العسكرى طلعت مسلم، أن المجلس العسكرى كان يجب عليه التعامل بأسلوب أكثر حزمًا فى بداية المظاهرات حتى لا تتطور الأوضاع ويحاول المتظاهرون اقتحام وزارة الداخلية وبالتالى المساس بهيبة الدولة وإسقاطها أمام العالم، وذلك لأن هناك من كان يسعى للوقيعة بين الثوار والمجلس العسكرى الذى أقسم أنه لم يطلق رصاصا على المتظاهرين ولكن هناك من تسلقوا المنازل وألصقوا التهم بالقوات المسلحة، ولم يستخدم أسلحة أو غازاً ساماً كما ادعى البعض، وكان يجب على قيادات المجلس العسكرى فقط أن تترك المعتصمين طالما كانوا سلميين.
يتابع «مسلم»: ولو كان المجلس العسكرى حازمًا لما وقع هذا الكم من الضحايا من الطرفين والمجلس العسكرى أدار الأزمة قدر المستطاع، فقد أصدر بيانًا يوم 22 نوفمبر ودعا القوى السياسية التى اعترضت على وثيقة السلمى للحقوق الدستورية للنقاش ودعا المواطنين للهدوء وأكد أنه طالب وزارة العدل بتشكيل لجنة لتقصى الحقائق حول أحداث محمد محمود وأبدى أسفه لسقوط ضحايا وعقب ذلك البيان العسكرى يوم 24 نوفمبر الذى أكد تمسكه بالالتزام بالإعلان الدستورى وموعد الانتخابات البرلمانية وحدد ميعادًا لتسليم السلطة، وقبول استقالة عصام شرف وتحويل التحقيق للنيابة العامة بدلا من النيابة العسكرية وأصدر قرارات بتشكيل جدار عازل بشوارع وزارة الداخلية لمنع الاشتباكات وأقام مستشفى ميدانى للمصابين بميدان التحرير.اللواء على سليمان الخبير العسكرى يقول: إن ممارسات المجلس العسكرى فى تلك الأيام كانت متخبطة للغاية ولم تصل إليهم معلومات صحيحة وكان التصرف والممارسات تتم على أساس أن من فى التحرير هم بلطجية ومأجورون وليسوا ثوارا، وبالتالى كان التعامل عنيفًا للغاية وكان أولى بهم أن يلتزموا الحياد ويتجنبوا الاصطدام مع الشعب.
اللواء عبدالمنعم سعيد، الخبير العسكرى يرى أن المجلس اضطر للعنف للحفاظ على المنشآت الوطنية والتى إذا سقطت فى أيدى الثوار كان نتيجتها ضياع هيبة الدولة، وأن وزارة الداخلية من المنشآت المهمة للبلاد ولولا حماية الشرطة العسكرية لها لسقطت فى أيدى المتظاهرين وبالتالى سقطت الدولة.