السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

من «بيت الله» إلى «البيت الأبيض» كيف خططت «واشنطن» لاحتلال «الشرق الأوسط» بسواعد أبنائه؟!

من «بيت الله» إلى «البيت الأبيض» كيف خططت «واشنطن» لاحتلال «الشرق الأوسط» بسواعد أبنائه؟!
من «بيت الله» إلى «البيت الأبيض» كيف خططت «واشنطن» لاحتلال «الشرق الأوسط» بسواعد أبنائه؟!




خلال الفترة ما بين «الغزو الأمريكى» للعراق (مارس 2003م)، وتدمير بُرجى «مركز التجارة العالمى» فى نيويورك (سبتمبر 2001م)؛ كان أن شهدت الساحة الداخلية بـ«الولايات المتحدة الأمريكية»، إعلان عدد من «المحافظين الجدد» بإدارة «بوش- الابن» عن أنّ «سياسات الاسترضاء»، التى اتبعتها «واشنطن» مع الأنظمة القائمة بـ «الشرق الأوسط» (الموصوفة بـ«الاستبدادية»)؛ فشلت فى أن تؤتى ثمارها.. وأنه يتعين على «الولايات المتحدة» أن تتحرك بشكلٍ سريع؛ لإزاحة تلك «الأنظمة» عن السلطة، وتدشين «الديمقراطية» بأرجاء المنطقة، جميع (1).. إذ كان «تغيير الأنظمة» هو أكثر الكلمات الجديدة صخبًا (2).

ومع ذلك.. لم يكن لـ«احتلال العراق» أى علاقة منطقية بـ«إرساء الديمقراطية»، إذ تأسس على زعمٍ بأن «العراق» يمتلك «أسلحة دمار شامل»، وأن «صدام حسين» أقام قنوات اتصال مع «تنظيم القاعدة» (!).. وعندما وجِهت الحرب فى العراق بـ«مقاومة محلية» شرسة؛ أصبح من الواضح أن «الولايات المتحدة» سوف تبقى هناك لفترة من الزمن (3).
إلا أنّ الأمر اقتضى – بالتبعية – من واضعى «السياسات الأمريكية» إعادة تهيئة المسرح؛ بعيدًا عن الصورة «السلبية»، التى رسخها «غزو العراق».. ومن ثمَّ.. استبق «جورج بوش» (الابن) مبادرة الشرق الأوسط الكبير (GMEI) بالإعلان من داخل «معهد أمريكان إنتربرايز» (American Enterprise Institute) - حيث يقبع «الصندوق الوطنى للديمقراطية» (NED) - فى 6 نوفمبر من العام 2003م، عن أن «الولايات المتحدة الأمريكية» سوف تتبنى «استراتيجية تقدمية للحرية» (forward strategy of freedom)، داعيًّا «الصندوق»؛ لتخصيص 40 مليون دولار من ميزانيته لـ«الشرق الأوسط» وحده.  (4).
فقد كانت الفكرة من مبادرة الشرق الأوسط الكبير (GMEI)، وفقًا للعديد من المراقبين الغربيين، (وهى فكرة أسهم العديد من الدوائر فى صياغتها (5)، ووضعت «وزارة الخارجية الأمريكية» لمساتها الأخيرة)؛ البحث عن أداة «أخرى» (غير الاحتلال التقليدى)؛ للسيطرة الإمبريالية.. إذ كانت تسعى «واشنطن»، وقتئذ – من الناحية الفعلية - لتعزيز هيمنتها: (سياسيًّا، وعسكريًّا، واقتصاديًّا) على المنطقة، وبسط نفوذها على أسواقها الداخلية.. فى حين، كان المُعلن (نظريًّا)، هو «القضاء على الإرهاب».
.. وعبر «الآليات» التى تم تطويرها – فى السابق -  وتوظيفها ضد الأنظمة المناهضة لواشنطن بـ«أمريكا اللاتينية»؛ أقدمت «الولايات المتحدة» على فتح العديد من الأبواب على مصارعها؛ لكى تتدفق أموال «وكالة الاستخبارات المركزية» (C.I.A) داخل المنطقة، نيابة عن العاصمة الأمريكية (6).
وبالتالى.. لم تكن «أزمة الثقة» التى أبداها العديد من «الأنظمة العربية» تجاه المشروع؛ بعيدة عن حقيقته.. إذ أدت «الصورة السلبية» التى رسختها الممارسات الأمريكية فى الشرق الأوسط (خاصةً: بعد «غزو العراق»، وفضائح التعذيب فى معتقل «أبو غريب») إلى احتدام الشكوك العربية (أنظمة، وجماهير) بشكل أكبر.
وبدت «الولايات المتحدة» نموذجًا صارخًا لـ«الاستعمار الحديث» (Neo-imperialism) بالمنطقة (7).. إذ فشلت – أيضًا -  فى التواصل مع أى من حكومات البلدان «المستهدفة» (8).. كما بدت «ازدواجيتها السياسية» أوضح ما تكون، إذ شرعت «واشنطن» فى إعطاء مساحات أوسع لبرامج «الصندوق الوطنى للديمقراطية» (NED)؛ لتنتقل أنشطته – بشكل ملحوظ - من أوروبا الشرقية، و«البلقان» إلى «الشرق الاوسط» (9)، عبر أموال «دافعى الضرائب»، وضخ تلك الأموال داخل «الأحزاب» أو «القوى السياسية»، التى تفضلها «الولايات المتحدة» بجميع أنحاء العالم؛ لتمكينها داخل بلدانها (على الرغم من أنه أمر «غير قانونى» داخل الولايات المتحدة).
.. كما خصص (مكتب الإدارة والميزانية) بالولايات المتحدة، نحو 458 مليون دولار (رغم ما شهده «العراق» من انتهاكات)؛ لما وصف بـ«تعزيز الديمقراطية» فى «بغداد»، خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2004م، فضلاً عن إدارتها «عملية سرية» لتوجيه نتائج الانتخابات الداخلية هناك بالعام 2005م (10).
■ ■ ■
وفى أعقاب الإعلان عن المشروع – من حيث الأصل – بدا فى الأفقِ؛ أن «تركيا» هى «الحليف» الرئيسى الذى استقرت عليه «واشنطن»؛ لتنفيذ المبادرة.. ومن ثمَّ.. تم اعتماد «قمة حلف شمال الأطلسى» فى اسطنبول (NATO Summit in Istanbul )، باعتبارها «نقطة الانطلاق الأساسية لـ«مشروع الشرق الأوسط الكبير».
.. وكان أبرز الخطوات التى تم تحديدها، حينئذ، هى تصورات «الناتو» حول الأعداء، إذ استبدل «الكتلة الشيوعية» بالإرهاب العالمى (11).. لذلك؛ أصبحت تركيا «دولة مركزية» (Central Country) بالنسبة لـ»الناتو» أيضًا (لا «الولايات المتحدة» فحسب).. وهو ما حفز عددًا من «المراقبين»، و«الأكاديميين» الأتراك؛ للادعاء بأن «تركيا» يجب أن تحل محل «ألمانيا»، إذ بات «المجتمع الدولى» يعتبرها من دول «الخط الأمامى» (front country).. فمن دون «تركيا» سيصبح من الصعب تنفيذ سياسات «الاتحاد الأوروبى»، و«الولايات المتحدة» الجديدة تجاه «الشرق الأوسط»، وسوف تتعثر مهامهم «المستحدثة» بالمنطقة؟ (12).
ووفقًا لهؤلاء «المراقبين» أنفسهم؛ فإن «تركيا» (انطلاقًا من مؤهلات حكومة «رجب طيب أردوغان» (13)، واختلافها النسبى)؛ هى الأكثر توافقًا كـ«دولة نموذج» (a sample state) من أجل «الشرق الأوسط الكبير».. إذ تتماشى خُطط الولايات المتحدة الأمريكية -  جنبًا إلى جنب -  مع التوجهات التركية، وهيكلها الحداثى (14)، خاصةً أن «واشنطن» كانت تسعى (وفقًا للظاهر من المشروع)؛ لدعم ما تعتبره «إسلامًا مُعتدِلاً» ضد «الإرهاب العالمى».. إذ يتوافق هذا التوجه مع ما أعلنه – فى حينه -  نائب وزير الدفاع الامريكى الأسبق «بول وولفويتز» (Paul Wolfowitz)،  إذ قال:
(علينا أن نصل إلى ملايين المسلمين «المعتدلين»؛ لكى نربح معركتنا ضد الإرهاب.. يجب علينا أن ندعم الراغبين فى الاستفادة من الحرية..  ونعمة من المشاريع الحرة.. و«تركيا» تنبهنا إلى أنه ليس مطلوبًا منا أن نُضحى بقيم المجتمع الحديث» (15).
وبحسب «أكاديميين» أتراك؛ فإن «الحكومة التركية» تبنت وجهة النظر المشرقة للمشروع.. إذ تقاسمت «أنقرة» رئاسة «دعم الديمقراطية» (DAD) مع كلٍ من: إيطاليا، واليمن.. واقترحت خلال قمة الدول الثمانى (G8) بالعام 2004م، فى الولايات المتحدة الأمريكية، أن يتم تنفيذ المشروع، وفقًا لثلاث خطوات، هى:
(أ)- أن تتم عملية التغيير المرتقبة (Reformations) من الداخل.
(ب)- أن يؤخذ «التنوع الداخلى» فى الاعتبار.
(ج)- أن تكون «المنظمات غير الحكومية» (NGO’s)، و«الغرف التجارية» شريكًا فى التنفيذ (16).
.. وفى المقابل؛ قدّم «مشروع الشرق الأوسط الكبير» العديد من التسهيلات السياسية لـ«حزب العدالة والتنمية» (AKP)، إذ حوّل «أنقرة» إلى «قوة إقليمية» من وجهة النظر الغربية، واعتبارها – فعليًّا – شريكًا ديمقراطياً لقمة «الدول الثماني».. كما عزز موقفها أمام «الاتحاد الأوروبى»، و«الدول الصناعية الكبرى»، ووضعها على «خط تماس» واحد مع «البيت الأبيض».. وهو ما مكنها من الحصول على «مساعدات سياسية» لحكومة حزب العدالة والتنمية (AKP) فى أكثر من مناسبة.
■ ■ ■
وفيما كانت «الدولة الشريك» لا تتوانى عن تقديم الخدمات (المتبادلة) مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتمهيد أرض «الشرق الأوسط» أمام صعود تيار الإسلام السياسى داخل المنطقة (بزعم أنه تيار حداثى)، كانت «الولايات المتحدة» نفسها، على موعد آخر لتهيئة ذلك الامتداد الجغرافى، على طريقتها الخاصة.
إذ كان الدور الأبرز خلال تلك المرحلة لـ»الصندوق الوطنى للديمقراطية» (NED)، وما تبعه من: منظمات، ومؤسسات، وهيئات (متعاونة، أو تابعة)؛ لتغيير شكل الخريطة الخاصة بـ«أنظمة المنطقة العربية»، عبر تمويل «المنظمات غير الحكومية» (NGO’s)، و«الحركات الاحتجاجية».
وهى قصة «متداخلة»، و«متشعبة» إلى حدٍّ بعيد، إذ يُمكننا – على وجه التحديد – أن ننطلق فى سردها انطلاقًا من القرار الذى اتخذه اثنان من مدربى حركة «أوتبور» الصربية، ممن قادوا عملية الإطاحة بالرئيس الصربى «سلوبودان ميلوشيفيتش»؛ تأسيس مركز «كانفاس» (CANVAS)، أو «المركز التطبيقى لحركات اللاعنف والاستراتيجيات» (Center for Applied Nonviolent Action and Strategies)؛ لتدريب عناصر «الحركات الاحتجاجية» بالمنطقة العربية، عبر تمويلات «وزارة الخارجية الأمريكية.. إذ كان هذان المؤسسان: «سرديا بوبوفيتش» (Srdja Popovic)، و»سلوبودان  ديينوفيتش» (Slobodan Djinovic).
وفى أعقاب تدشين «كانفاس»؛ مدَّ المركز جسور التواصل، والتنسيق مع كلٍّ من: «منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا»، و«برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»، ومنظمة (Humanity in Action) الدولية..  إلى جانب مؤسسة «فريدم هاوس» (Freedom House) الأمريكية – إحدى الأذرع التى تحركها «الأجهزة الاستخبارية» فى واشنطن -  وهى المؤسسة التى تكفلت بتمويل أنشطة «أوتبور» من حيث الأصل، فى سياق عملية التمويل الأمريكى لأنشطة «المعارضة الصربية» – بشكل عام – فيما قبل الإطاحة بـ«سلوبودان ميلوشيفيتش».. إذ وفقًا لمراقبين أمريكيين: كانت «أوتبور» – على غرار المعارضة الصربية، كلها! – تحصل على أموالها من «الحكومة الأمريكية»، ثم تُكذِّب هذا الأمر (17).
.. أما لماذ سنتوقف أمام تلك القصة – بعض الشىء – فذلك لأنها إحدى قطع البازل «المهمة» فى رسم شكل الخريطة العربية، فى أعقاب ما اصطلح على تسميته بـ«ثورات الربيع العربى».
.. ونواصل لاحقًا

هوامش

(1) - Victor Davis Hanson, “Democracy in the Middle East: It’s the hardheaded Solution,” Weekly Standard, Vol. 8, Issue 6, 21 October 2002.
(2)- Eddie J. Girdner, “The Greater Middle East Initiative: Regime change, Neoliberalism and Global Hegemony”.
  (*) Presented at the First International Conference: «America in the Middle East, The Middle East in America, “American University of Beirut”. Beirut, Lebanon, Dec. 18-21, 2005.
(3)- Eddie J. Girdner, (the same).
(4)- «In Pursuit of Arab Reforms: The Greater Middle East Initiative,» Aljazeera-net, 20 May 2004.
(5)- أسهمت «وزارة الخارجية الأمريكية» (مكتب شئون الشرق الأدنى) فى وضع اللمسات النهائية لمشروع، أو «مبادرة» الشرق الأوسط الكبير، قبل إعلانه.. إذ اعتمدت الوزارة (على غرار مبادرة «كولن باول» الأولى) على تقرير التنمية الصادر عن «الأمم المتحدة»، الخاص بالمنطقة العربية بين عامى: (2002م – 2003م)؛ لتوفير البيانات الأساسية (سكانيًّا «ديموجرافيًّا»، واقتصاديًّا)؛ لدعم توجهات المشروع.. كما استعانت بـ«اتفاق هلسنكى» بالعام 1975م، الخاص بتشجيع الإصلاحات فى حكومات أوروبا الشرقية؛ لتقديم النموذج «التطبيقى» لعملية الإصلاح السياسى «المنشودة»!
(6) - Eddie J. Girdner, (the same).
(7) - Richard W. Murphy, «The Greater Middle East initiative,» Arab Media İnternet Network, April 19, 2004.
(8)- Pamela and Robert Pelletreau, «Greater Middle East initiative: A View from Washington,» Arab News, 29 April 2004.
(9)- Zeyno Baran, «Getting the Greater Middle East initiative Right, The National Interest, March 3, 2004.
(10)- Eddie J. Girdner, (the same).
(11)- NATO Briefing “Counterin Terrorism” Reuters, Yannis Behrakis
(12)- Harun Talha Ayanoğlu, “GREATER MIDDLE EAST PROJECT: REALITY OR CONSPIRACYTHEORY”, İstanbul University, December 2013.
(13)- كان الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان» (Recep Tayyip Erdogan) رئيسًا للوزراء وقتها.
(14)-  راجع دراسة مركز «راند» الأمريكى عن تلك النقطة بالحلقة السابقة من الدراسة (الحلقة: الرابعة عشرة).
(15)- US Deputy Secretary of Defence Paul Wolfowitz, “Remarks for the Turkish Economic and Social Studies Foundation” TESEV, Conrad Hotel-Istanbul; 14 July 2002.
(16)- Harun Talha Ayanoğlu, (the same).
(17)- Tina Rosenberg, “How to Topple a Dictator”, NewYork times, 13 feb. 2015.