الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هل كانت مصر أحسن؟

هل كانت مصر أحسن؟
هل كانت مصر أحسن؟




د. خالد وصيف يكتب:
من بين رسائل متعددة حملتها كلمة أخينا صاحب الفيديو الشهير، الذى اصبح خلال ثلاث دقائق اشهر سائق توك توك فى مصر، استوقفنى حديثه عن مصر فى عهد الملكية التى كانت تدين إنجلترا. فهل كنا فعلا احسن حالا قبل ثورة يوليو 52؟
فى العهد الملكى كانت هناك ثلاث قوى رئيسية تدير البلد هى الملك والاحزاب والاحتلال، الملك كان رجلا وطنيا لكنه كان يصطدم برغبات الاحتلال التى كانت تنتقص من سلطاته، والاحزاب كانت غارقة فى مناورات صغيرة لتولى الحكم من خلال الكيد لخصومها، والاحتلال الانجليزى كان مشغولا باستنزاف ثروات مصر وحماية قناة السويس كممر مائى لتجارته. كانت لدينا ديمقراطية شكلية، فلم تشهد مصر خلال الفترة من عام 1919 وحتى 1952 انتخابات نزيهة سوى لمدة سبع سنوات فقط هى التى حكم فيها حزب الوفد. وحتى حزب الاغلبية كان فور توليه السلطة يبادر بتسكين أعضائه فى كل المناصب الادارية بدءا بعمدة القرية صعودا التنفيذية والمناصب الوزارية، مع التنكيل بأعضاء الاحزاب المنافسة.
الاقتصاد خلال تلك الفترة كان اقتصادا بدائيا يعتمد على النشاط الزراعى، وحتى حكاية الديون الانجليزية وارتفاع قيمة الجنيه المصرى أمام الاسترلينى لم يكن سببها قوة الاقتصاد المصرى الذى كان يعتمد بشكل أساسى على زراعة القطن الذى يخدم المصانع الانجليزية. بل السبب هو ربط الجنيه المصرى بالاسترلينى ليدور معه ويتعرض لمخاطر نتيجة هذا الارتباط. كما فرض الاحتلال رسوما ضريبية على المنتجات الوطنية مما جعلها غير قادرة على المنافسة مع البضائع الأجنبية المستوردة. وبسبب غياب المنتج المصرى، انتشرت الوكالات التجارية الأجنبية التى تلعب دور الوسيط فى بيع المنتج الأجنبى من المورد الأوروبى للتجار فى مصر. وتم استثمار أرباح التجارة فى مجال البنوك وشركات الرهونات. التى كانت أغلبها مملوكة للأجانب.
من المؤكد أن هناك شريحة كانت تتمتع بامتيازات خلال تلك الفترة، على رأسها ملاك الاراضى الزراعية وكبار موظفى الدولة، ولكنها شريحة ضيقة لم تكن تزيد على نصف بالمائة من اجمالى المصريين الذين كانوا يعانون من قسوة الحياة وشظف العيش.
وأعود إلى المراجع المعتمدة التى تؤرخ لتلك الفترة واقرأ فيها خبرا عن اعتماد حسين سرى باشا رئيس الوزراء قرارا بشراء 60 ألف حذاء ليتم توزيعها على المصريين، مع تشكيل لجنة لتدشين مشروع طموح لمكافحة الحفاء فى مصر. وهو قرار جاء بناء على توجيهات الملك فاروق الذى تبرع بمبلغ ألفى جنيه بمناسبة عيد ميلاده لشراء احذية!
لم يكن حال موظفى الدولة أفضل من الفلاحين، كانوا مستورين لكن كانت عائلاتهم مهددة طوال الوقت بفقد الدخل الشهرى المتاح سواء نتيجة العجز او الوفاة، فلم يكن قانون التأمينات والمعاشات قد صدر بعد.
ولعل رواية بداية ونهاية للروائى العالمى نجيب محفوظ، والتى تحولت لفيلم بطولة عمر الشريف وسناء جميل، تحكى الكثير عن الاسرة التى فقدت عائلها لتتدهور أحوالها ويضطر أحد الاخوة لترك المدرسة ليعمل للانفاق على باقى الأسرة. صحيح ان جودة التعليم كانت مرتفعة، نتيجة قلة الأعداد الملتحقة بالمدارس، وارتفاع مستوى المعلمين الذين درس معظمهم بالخارج. لكن لم تتواجد المدارس الثانوية إلا فى المدن الكبيرة، ولم يكن هناك سوى جامعات القاهرة وعين شمس والاسكندرية. وكانت أعداد الخريجين من المدارس العليا محدودة بالقياس لعدد السكان. كما كانت هناك أمية واسعة تتجاوز 92% بين الذكور و97% بين الاناث، هذه الامية جعلت كل محاولات ترسيخ الديمقراطية تذهب هباءً ويكون شحن الفلاحين فى سيارات كبيرة للادلاء بأصواتهم لمالك الارض أو من يؤيده هو الاسلوب المتعارف عليه فى الانتخابات.
قبل ثورة يوليو كانت الصحف والاذاعة هى وسيلة التواصل مع المصرين فى انحاء البلاد. لكن الصحف لم تكن تغطى قرى الريف، وكذلك ارسال الاذاعة. وأتذكر حكاية سمعتها من والدى عن طريقة معرفة هلال رمضان، حيث كان يقوم أهل القرية بتناول السحور فى ليلة الثامن والعشرين من شعبان، ثم يتجه بعضهم فجرا الى المحطة فى انتظار قطار القاهرة، وعند سائق القطار والركاب القادمين من القاهرة ومن الزقازيق الخبر اليقين. أما يكملوا الصوم لان اليوم هو الاول من رمضان، او يفطروا لانه المتمم لشعبان ويستعدون للصوم فى اليوم التالى.
حينما نقول إن العصر الملكى لم يكن أحسن فهذا لا يعنى أننا راضون عن الاوضاع الحالية، فمازال المصريون يبحثون عن الحياة الكريمة والمستقبل الافضل، والذين يستحقونه بكل اعتبارات التاريخ والجغرافيا والارث الحضارى، لكننا بلاشك نحيا افضل من آبائنا وأجدادنا.