الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ثورة بروميثيوس

ثورة بروميثيوس
ثورة بروميثيوس




يكتب - إيهاب كامل

تقول الأسطورة اليونانية الشهيرة إن بروميثيوس سرق شعلة المعرفة من «زيوس» ليعطيها للبشر، فقد رأى أنها لا يجب أن تبقى لدى الآلهة فقط، فلم يكن مؤيداً لزيوس فى عزلته عن البشر، برغم الجزاء الرهيب الذى ناله بروميثيوس جراء حبه للناس، شعر أنه كان محقا فى اعتقاده، فحين أضاءت النار المقدسة الكهوف المظلمة، تفجّر الإبداع لدى البشر، وتغير شكل الحياة على الأرض. فى طفولتى المبكرة شاهدت مجموعة حلقات درامية منفصلة «لماما نجوى» أذيعت على شاشة التليفزيون الرسمى (اللى ماكانش فيه غيره) كانت لعدد من التجارب المجتمعية فى أوروبا، عرفت من خلالها أن الزبال يتساوى فى الأهمية مع أكبر المهن، وأن فكرة الاستغناء يمكن من خلالها محاربة الجشع، بعد سنوات اختفت الحلقات، واختفى التليفزيون، وبقى لنا الجشع وبقيت الزبالة. وبعد سنوات أخرى وفى مرحلة الصبا شاهدت «الراقص مع الذئاب» فأحببت كيفن كوستنر، حتى وصل بى الحب إلى طباعة صورته على «تى شيرت» كإعلان مبكر للخروج من مرحلة الطفولة وبلوغ سن الروشنة وبداية الإرادة الحرة فى أن أعيش سنى حسب الموضة التى كانت منتشرة وقتها، وبعد «ثورة التيشيرت» تابعت كل أعمال كوستنر (الجيد منها والردىء)، وتوقفت أمام مشهد فى فيلم لا يشاهده الكثيرون ولا أجده حتى على «يوتيوب»، هو»tin cup»، حيث يقف لاعب الجولف الموهوب «روى ماكافوي» فى نهاية الفيلم ويصيح فى مساعده: كرة أخرى يا «روميو».. فى إصرار على تحقيق المعجزة وإدخال الكرة فى الحفرة من ضربة واحد، بدلًا من الفوز السهل الذى يمكن تحقيقه بضربتين أو ثلاث، لكن إصراره أفقده البطولة بعد 12 كرة ضائعة، ومع الكرة الأخيرة تدخل الحفرة. فتقول له (مولى جريسوولد) الفنانة رينيه روسو: بعد سنوات لن يتذكر الناس من فاز بالبطولة، لكنهم سيتذكرون أنك صاحب «الضربة المعجزة»، فهل يستطيع مسئول لدينا أن يحقق الضربة المعجزة بعيدا عن شماعة الحجج والمبررات الجاهزة التى نشعر أنها تدخل ضمن حيثيات شغل الوظائف الرسمية فى الدولة؟، هل يسعى أى مسئول وفى رأسه هدف أن يذكره التاريخ بخير؟، بدلا من التصريحات التى تدخل التاريخ من الباب الخلفي، مثل «بلاش محشى دلوقتى».. «كيلو اللحمة بـ20 جنيه»، «الفساد ثقافة شعب»؟، وسؤالى لمثل هذا: (ومن الذى أفسد الشعب)، كذلك المسئول الذى قال إن الفرد يستطيع أن يعيش بـ322 جنيهًا، وغيره الذى تكرم ورفعهم إلى 482 جنيه، فى الشهر»، وسؤالى لمثل هذا: (هل حضرتك تقدر تعيش بيهم يوم؟)، كذلك المسئول الواثق من نفسه الذى لم يدرك أن شعلة بروميثيوس وصلتنا ولم تعد فى حوزة آلهة الأوليمب بقصر العينى أو قصور الحكم الأخرى، فيقول للشعب: «احنا عارفين إحنا بنعمل إيه.. وبنتحرك فى جميع المجالات على التوازي»، أخاف بشدة أن تخيب نبوءات هؤلاء، فيفتحون علينا أبواب اللعنات. هكذا تحول واقعنا إلى مشاهد تنافس أساطير الأوليمب وخيال السينما.. مشاهد لن تراها غالبا فى أى بلد آخر، مثلا: سيدة خرجت قبل منتصف الليل بقليل ترتدى جلبابها الأسود، تمر بين الجالسين على رصيف المقهى، عرض عليها شخص أبكم المساعدة بإشارة من يده، ردت: شكرا يا ابنى سألها (بالإشارة طبعا) مستفسرا عما تخبئه تحت الشال؟ قالت باسمة: «ده كيس سكر.. دايخة من الصبح، وفى الآخر روحت استلفته»، وواصلت طريقها الزجزاجى بين الكراسى، لتؤكد أن التكافل هو الخيار الوحيد أمامها وغيرها من الملايين.. تكافل أم وصيفة وأم عبد الهادى فى فيلم «الأرض»، تكافل لا تعرفه تصريحات المسئولين الذين يرون أن مثل هؤلاء الفقراء عبء ثقيل على البلد ومشروعات التنمية.. إنهم سبب كل الأزمات، فهم غير منتجين، يقضون على موارد الدولة، والحل هو النجاة بطبقة محددة وترك الآخرين حتى لا تغرق السفينة ككل.. حل عبقرى شوفته قبل كده فى مئة فيلم أمريكانى، أن تكون هناك طبقة فوق الأرض من حقها كل شيء، وأخرى تحت الأرض عشوائية تأكل من الزبالة، لكن الفيلم عادة لا ينتهى قبل أن يتغير هذا الحال، فهل يمكن تغييره فى الواقع أيضا؟ تلك هى المسافة الصعبة بين الشاشة والأرض، بين سطوة «زيوس» وثورة «بروميثيوس»، بين آلهة الأوليمب والبشر.