الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تُظهر فيهـا الوجـه الآخـر للإرهـاب : «أن تبقى».. هجرة «الهوية العربية» غير الشرعية لبلاد الفرنجة

تُظهر فيهـا الوجـه الآخـر للإرهـاب : «أن تبقى».. هجرة «الهوية العربية» غير الشرعية لبلاد الفرنجة
تُظهر فيهـا الوجـه الآخـر للإرهـاب : «أن تبقى».. هجرة «الهوية العربية» غير الشرعية لبلاد الفرنجة




كتبت- مروة مظلوم


يسير الغراب على قدم ونصف يقفز أو ربما يحجل.. لم يسأل أحد عن سر ذاك العرج فى مشيته التى تميزه عن باقى الطيور.. يقال إنه حاول أن يقلد الطاووس فى مشيته المختالة فلم يفلح وعندما أدرك خطأه حاول أن يعود لمشيته لكنه فشل، فظل على عرجه بين الطيور يقفز ليدارى مشيته التى تخلى بها عن هويته.. فهل دفعك اليأس يوماً على أن تأتى فعله تلقى بأحلامك مغلفة بهويتك فى عرض البحر لتمسك بأحلام لم تخلق لك فتهلك دونها.. مع د.خولة حمدى ستلقى بهويتك فى عرض البحر وتعود لتفتش عنها وتحارب من أجلها.. ليس فهذا فحسب فعند الرحيل ستسقط على ركبتيك وتتوسل إليها «أن تبقى».
ينادى الوطن بمعاناته وقضاياه التى لاحصر لها د. «خولة حمدي» فتعود إليه برواية «أن تبقى» الصادرة عن دار كيان للنشر والتوزيع، بداية هى تطرح مجموعة من الأسئلة وتترك لك إجابتها بين السطور لمواقف قد تكون صادفتها على أرض الواقع.. ماذا لو بغى الفقر واليأس فاستوطن قلبك وعقلك وخلع عنك هويتك فصرت تتهرب من ذكر النشأة حتى لاتعترض أصولك العربية طريق أحلامك.. لتكسب احترام ذوى الدماء الباردة عليك أن تتخلى عن حرارة دمائك..الأرض، فالاسم، فاللغة، والعقيدة لو تطلب الأمر، طالما سيجعل ذلك عيون الغرب تتقبلك فرداً فى مجتمعاتهم، العجيب أنك مهما حاولت التخلص من هويتك تجدها تعود إليها.
المكان «باريس»، الزمان عام 2035م، كلاهما لا يعبر عن البداية الحقيقية التى وقعت أحداثها قبل ربع قرن.. جاءت رسائل والد «خليل» المحامى المعروف والمرشح للبرلمان الفرنسى لتغير مجرى حياته من النقيض إلى النقيض، رحلة بدأت على مركب صيد التصقت فيه أجساد الشباب المتسللين هرباً من الجزائر إلى  فرنسا، منتهى العجز أن تحصل على لقب عاطل مع مصروف تقتطعه لك أمك من مصروف بيتها، منتهى الإذلال أن تبحث عن لقمة عيش فى بلد غريب، حكايات الشباب الناجين من مركب الموت إلى موت أكبر ينتظرهم فى الشوارع الخلفية للعاصمة الباريسية؛ فتكشف لهم الحياة فى الشوارع المظلمة لمدينة النور حيث التشرد والجريمة أن صراعهم مع الأمواج طمعاً فى الحياة وفراراً من الموت لم يكن شيء؛ فالموت ينتظرهم فى الطرقات والشوارع الخلفية.
تُبرز الرواية الوجه الآخر للإرهاب فى مشهد مختلف غير الذى تصدره لنا وسائل الإعلام ليل نهار دعماً لخطوات حكوماتها، لا أحد يعلم أى نبتة شيطانية تلك التى إذا غرست فى بشر نزعت عنه آدميته وحولته إلى وحش حاجته للدماء غلبت حاجته للماء، كيف يصب غضبه من مجتمع مزقه قسوة ونزع عنه آدميته على أناس لم يجمعه بهم عداء ولايمتون له ولا بأحلامه بأى صلة.. باختصار كيف تهيئ شاباً للانحراف والتطرف؟ فى تشبيه الإرهاب بـ»الزكام»؛ له أكثر من صورة ويهاجم من أكثر من إتجاه وفى أى وقت، حيثما كانت المناعة ضعيفة استقر واستوطن بالنفوس.
 جاءت الرواية فى سردها لتحيك فكرة واحدة، ما وقع لك منذ خمس دقائق ماضى وما وقع لك منذ 25 عام هو أيضاّ ماض ولكلاهما نفس الأثر على حاضرك ومستقبلك.. صراع «خليل» ذلك الشخص المُمزق بين حاضره كفرنسى وبين ماضيه العربى الذى لا يكاد يفقه حروفه وطلاسم لغته، لطالما أنكرها حتى فى اسمه ووضعها إلى ركن مهمل فى ذاكرته فبعثتها رسالة والده إلى الحياة بعبارة «هذا تاريخك، ميراثك.. احمله على عاتِقك وسر به فى الطريق التى تختارها، لكن أن تهمله أو تتخلى عنه فأنت لاشيء من دون ماضيك وجذورك!»
تنوع لغة السرد لدى الكاتبة أكثر مايميز الرواية، بسيطة وقوية، الوصف الدقيق لغة الأنثى بمشاعرها تختلف عن وصف الرجل فى خطابه، وإن كان يغلبها بعض الكلمات المحلية التى تشير بوضوح إلى أصول الكاتبة التونسية ومخزونها الثقافى واللغوي...تُطور الشخصيات تأثراً بالآحداث فتظهر تقنياتها فى السرد من إرتداد وقفز بين المشاهد وربط وقائع الماضى بالحاضر، وهو ما ظهر جلياً فى شخصية «خليل» النفعية التى لاتتحرك خطوة إلا فى إتجاه هدفها وتبدله بشخص آخر.
وكالعادة أسندت د.خولة حمدى الدور الإيجابى فى الرواية لشخصية «مريم» الفتاة المسلمة الملتزمة بعقيدة وأيدلوجيا تنظم أفعالها وحركاتها وتدافع عن موقعها، بيتها وهويتها، فى مجتمع ظاهره الحرية وباطنه العنصرية.. لم يكن سهلاً على «خليل» وهو المرشح للبرلمان الفرنسى أن يتخلى عن معتقداته النفعية وهويته المستهجنة وينضم إلى جبهة «مريم» ليعادى مجتمعا يطالبها بالرحيل بينما يعدها بـ»أن تبقى» وهنا تبدأ رحلته فى اكتشاف الذات، ومعرفة ما يريد أن يُقدِّم فى هذه الحياة.
الرواية تناولت العديد من أمراض الوطن العربى بالطرح مثل الهجرة غير الشرعية وتبعاتها من تشرد فى شوارع الأراضى الغربية، والتضييق على المسلمين، فضلاً عن ظهور الجماعات المتطرفة واستقطاب الشباب المضطرب فى بلاد الغربة، بلا عقيدة، بلا عمل، بلا هوية، فتخلق له مناخاً للعمل وتنسبه لهويتها وتجعل من خططها فى التدمير أهدافاً له فى الحياة.. ليكتشف قراء رواية «أن تبقى» لـ د.خولة حمدى لاحقا أن أحداثها جاءت متممة لنهاية رواية «غربة الياسمين» المفتوحة.