الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

رهبة المكان

رهبة المكان
رهبة المكان




يكتب: عبد الحميد الرميثى
عندما كنت طالبا فى المرحلة الثانوية كنت عاشقا للقراءة والكتابة، فقد كانت أمنيتى أن أدرس الصحافة فى جامعة القاهرة، وسجلت نفسى فى أحد المعاهد بالمراسلة، واستلمت المواد التعليمية، ولكن شاءت الظروف أن التحق بجامعة الكويت فى كلية التجارة، ورغم امتعاضى حينها إلا أنى لم أشعر بالندم أبداً.
فى تلك المرحلة كنت عاشقا للعمالقة، مثل احسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ ومحمد عبدالحليم عبدالله ويوسف السباعى وغيرهم كثر. وأذكر أن أول كتاب غير قصصى قرأته كان كتاب «حديث الأربعاء» للدكتور طه حسين بأجزائه الثلاثة، لقد أثر ذاك الكتاب فى حياتى وأسلوبى فى الكتابة، ومازلت أوصى كل من يريد أن يستمتع بالقراءة أن يبدأ بحديث الاربعاء بسبب أسلوبه السهل، الرائع.
فى جامعة الكويت وفى مرحلة المراهقة الشبابية تعرفت على مجلة «صباح الخير» وقد عرفنى عليها الصديق العزيز صالح مرشد، حيث كنا نتسابق كل أسبوع على «صباح الخير» رغم أن الناس حينها كانوا يتهافتون على «الأهرام»، وكتابات محمد حسنين هيكل، وفتاويه عن النكسة، إلا أننى كنت مدمنا لـ «صباح الخير» ومنها تعرفت على اسماء مثل أحمد بهاء الدين ومفيد فوزى وأنيس منصور و... و...
عشقى للإعلام والصحافة لم يتوقف، فقد كنت رئيس تحرير بعض المجلات الطلابية ثم تدربت فى العمل الصحفى فى أكثر من مجلة فى الكويت والبحرين والإمارات ونشرت أربعة كتب حتى الآن واعد للطبعة الثانية منها جميعا.
كل هذا مقدمة لما حدث لى قبل حوالى شهرين فى القاهرة، فنحن نعمل لتنظيم مؤتمرنا الثانى للريادة والابتكار والتميز فى نوفمبر القادم وبالطبع كان طبيعيا أن تكون مؤسسة «روزاليوسف» هى الراعى الإعلامى لأنها أحد رموز الريادة فى العالم العربى.
ويأتى ذاك اليوم التاريخى حين دخلت مبنى «روزاليوسف»، لقد كان اشبه بالخيال يوما، وها هو يتحقق اليوم، ها أنذا أمشى فعلا داخل هذه المؤسسة، كنت أريد أن أركض وأرقص وأصرخ فرحا، ولكن لوجود زملاء آخرين كان لابد من الالتزام بالاتيكيت والرزانة. (ولكن فى طريق الخروج لم أستطيع إلا أن أرقص وأصور تحت اللوحة الجدارية لشعار «روزاليوسف»).
وتشاء الصدف أن يكون اجتماعنا فى قاعة الاجتماعات بمؤسسة «روزاليوسف»،  ووقعت عيناى على لوحة تحمل اسم  مجلة «صباح الخير» أحد إصدارات تلك المؤسسة العريقة، عندئذ شعرت بقلبى يخفق وكأن عشق الماضى قد تجدد.
استمرت زياراتى لـ«روزاليوسف» عدة مرات، ويوم الاربعاء الماضى عقدنا مؤتمرا صحفيا هناك وكان جميع الزملاء يعملون كخلية نحل فى غرفة الاجتماعات قبل بدء المؤتمر الصحفى، وفجأة خرج الجميع وبقيت بمفردى أجمع أفكارى قبل الدخول لقاعة المحاضرات واللقاء مع الإعلاميين هناك، وفجأة اكتشفت انى لم أكن وحيدًا، فالغرفة تزينها مجموعة من صور عمالقة الكتابة فى مصر والعالم العربى فبدأت اتجول ناظرا إليها.
وفجأة شعرت بقشعريرة بداخلي، شعور بالرهبة وكأنى أمام قضاة المحكمة الدستورية العليا.
الصورة الأولى كانت للعملاق الراحل أحمد بهاء الدين، إحسان عبدالقدوس، محمد  التابعى، صلاح حافظ، وتتوالى الشخصيات.. أنا هنا مع العمالقة، أسماء قرأت لها، عشقت كتاباتهم، أدمنت أسلوبهم.
شعرت برهبة المكان، وتركت لذاكرتى العنان لترحل إلى الماضي، أيام الدراسة الثانوية ثم أجمل أيام الدراسة فى جامعة الكويت، تذكرت أصدقاء المسيرة مثل صالح مرشد منافسى فى عشق «صباح الخير»، تذكرت مرجعيتنا فى اللغة العربية  الإعلامى حتى النخاع سعادة الاستاذ خليل الذوادى، الذى تخرج ليكون معلم مدرسة ولكن جينات الكتابة كانت بداخله، فترك التدريس إلى الإذاعة والصحافة، واليوم ورغم أنه يحتل وظيفة سياسية مرموقة كأمين عام مساعد للجامعة العربية، إلا أن عموده الأسبوعى لم يتوقف.
وفجأة فتح الباب، وسمعت أحد الزملاء ينادينى لنبدأ المؤتمر الصحفي، خلال اللقاء الصحفى سألنى أحد الاخوة، ماذا تعنى كلمة الريادة والتميز بالنسبة لك، فقلت وأنا ما زلت تحت سيطرة رهبة المكان، الريادة هى مصر، ألم تكن أول سيارة تصنع فى الشرق الاوسط هى من مصر، ألم تكن مصر رائدة الصناعة الحربية، أليست مصر هى رائدة صناعة المنسوجات والاحذية والادوية، أليست مصر هى رائدة التعليم والفن والأدب، هل نسينا نجيب الريجانى وسيد درويش وزكى طليمات؟ هل نسينا مصطفى المنفلوطى وعباس العقاد ونجيب محفوظ وطه حسين؟  أوليس السد العالى منارا لتميز البناء والإصرار؟ التميز هو إنجازات مصر، الريادة هنا، والتميز هنا، والخير كل الخير فى مصر.