الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع.. لا تسل ..؟!

واحة الإبداع.. لا تسل ..؟!
واحة الإبداع.. لا تسل ..؟!




يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 055 كلمة» على الإيميل التالى:    
[email protected]

اللوحات بريشة الفنانة أسماء النواوى


 

لا تسل..؟!

كتبتها - شيرين ماهر

تجلس أمام منضدتها وتُخرِج وريقاتها من أدراج الزمان.. تتشمم عبق زهورها الجافة الغافية بين الأوراق، التى تسلل معها نبض خفى، أراد أن يلفت نظرها ويطرق أبوابها العنيدة.. راح ذلك النبض العتيق يُغازِلها بصباه الأبدى الذى لم ينزوِ مع السنين والأيام المتراكمة.. وأخذ يُقسِم لها بأنه لم يَمسسه الضرٌ فى إقامته الجبرية بأدراجها المُغلَقة، بل على العكس، مازال فتيا يُقارِعها الحُجة ويتأهب لعتابها.
هكذا امتلك (نبضها الحبيس) تميمة النصر، فما كان انتظاره الطويل سوى اغتناما للحظة مواتية يُلقى خلالها مُرافعة عمره الضائع بين أطلالها.. وعلى الرغم من تراكمات الأيام الطويلة داخل محبسه العاجى، إلا أنه امتلأ ببريق العنفوان، كـ «رهينة مَنسية» أعلنت عصيانها من خلف الأبواب الموصدة!
وها هى الآن تَسقُط أسيرة لحنينها الجارف الذى أمكنه إزاحة الأكفان عن أيامها الجميلة وذكراها الدافئة.. وما أن عقدت موعدها الأول لإذابة الجليد الذى تراكم على جوانب روحها، حتى عادت إلى صباها الخافت الذى تراقص كضوء شمعة تحتضر.
أرادت بعد عناء طويل أن تتدثَر بحنينها واشتياقها، كى لا ينكشف خواء روحها، فأيامها الباردة تشتهى لحظة استيعاب، لكنها لم تتنبأ بجنوح هذا الاشتياق الذى داهمها بمجرد أن حطمت الأقفال وحررت الأوراق من قيد الوقت المرتبك.
راحت تتساءل فى حيرة: «ألا تزال يا قلبى على قيد الحياة رغم برودة أطرافك ونضوب شرايينك من كلمات حانية لم تجد من يبثها إليك؟ أمازال يمكنك الاسترخاء على ضفاف أحاسيسى المُغترِبة هربا من شقاء اللحظات وتآمُر الظروف؟»
وإذا بها تُوصِد باب حُجرتها بأغلال التمرد، الذى بات حليفا لقلبها، استعدادا لإفراغ محتوياتها على طاولة احتياجها.. فكم أرادَت أن تُفتِش بعناية عن أمل كاد يخبو فى ضريح لياليها الزاخرة بالجفوة.. فما مِن شيء منتظم فى حياتها سوى ذلك التباعُد المخلص فى إشباع غايته.
كان من الصعب أن تعثُر فى حاضرها على العنفوان الذى امتلكه ماضيها، كما بدا المستقبل أمامها ثلجيا مع تراكمات البَرَد المُكدَس على أركان فؤادها.. فماذا تفعل إذن لا سبيل لديها سوى الصعود على جسر الماضى، فها هى تعود إليه طواعيةً.. تسترضيه، ربما صفح عن إهمالها.. تستجديه، ربما سمح لها بدخول عالمه من جديد!
تقرع الدقات الرتيبة الخالية من اللهفة أبوابها، لكنها أبدا لن تعود إلى ما كانت عليه قبل أن توارت خلفها.. يتوالى الصَخب، ويتجاسر صَمتِها دون الاكتراث لمن اعتادوا نسيانها.. يخفُت الضجيج، وتتلاشى الدقات وترتسم على وجهها ابتسامات كسيرة جراء قراءتها مثل هذه النبوءة.. فما مِن أحد فى عالمها يتمسك بها حد الإصرار على خروجها من خلف أبوابها المُغلَقة!
دائما ما كانت تحمِل ذلك الجدار وتتحرك خلفه ذهابا وإيابا، دون أن يَستشعِر عُزلتها أحد.. دائما ما كان لها عالمها الخاص الذى لا تطأه سوى أقدامها وحدها، لكن ما حدث وقلب موازين استقرارها الواهى، قرارها المفاجئ أن تأخذ عالمها معها وتَهجُر عالم الآخرين، فلم يكُن بإمكانها أن تخطو مثل هذه الخطوة إلا بعد موعدها العابر مع قلبها المُغشَى عليه بين دفاترها المُغترِبة، وإذا بها تُخرِج من صدرها شهقة اعتذار ورجاء قائلة: «لا تَسل فيما أفنيت العمر دونك.. ولكن دثرنى بنبضاتى الغائبة واحملنى بعيدا كى أحيا ما بقى على وسادة أحاسيسى ومشاعرى، لا على نعش عقلى وغاباته الموحشة!»