الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قاسم عبده قاسم: يوجد بأجهزة الدولة من يعرقل التحول الديمقراطى لصالح النظام القديم




الدكتور قاسم عبده قاسم مفكر مستنير مشغول بقضايا التطور الاجتماعي، تخصصه وعمله كاستاذ لتاريخ العصور الوسطى بجامعة الزقازيق، لم يفصله عن واقعه المعاش، فاستلهم أزهى عصور التاريخ للكتابة عن قضايا واقعه المعاصر.. التقيناه وكان هذا الحوار:
■ كيف ترى ما يحدث فى مصر الآن؟
دائما ما تتسم فترات الانتقال من نظام إلى أخر ومن سلطة إلى آخرى، بالسيولة والفوضى، وأحيانا بالعنف الدموي، ومن حسن الحظ أن الخبرة الحضارية للمصريين وتاريخهم الطويل، جنبهم هذا الصراع الدموي، لكنه لم يستطع أن يجنبهم فوضى المراحل الانتقالية وسيولتها، حيث يوجد نظام جديد يحاول ترسيخ أركانه بعد ان يستكشف الارض تحت قدميه وأمامه الطريق وهذا النظام الجديد مسئول عن تحقيق اهداف الثورة التى اطاحت بالنظام القديم ووضعته فى مكان السلطة، لكن بقايا النظام القديم لا تزال تلعب دورا من أجل افشال الثورة وهذا موجود فى العالم كله وفى كل العصور فقد قال نابليون عن أنصار الملكية الفرنسية: (عادوا ولم ينسوا شيئا، ولم يتعلموا شيئا) فالمباركيون يريدون العودة ولم يتعلموا شيئا، فهم ينصبون الفخاخ ويزرعون الألغام فى محاولة منهم لإعادة الزمن إلى الوراء، ويتصورون أن بإمكانهم ادخال التاريخ بيت الطاعة، لكن للتاريخ منطقه وحكمه، فإذا دارت عجلته فلن ترجع إلى الوراء أبدا.
■ هل تعتقد أن أنصار النظام القديم لديهم خيال سياسي؟
لست أتصور أن أنصار النظام القديم سوف يفهمون، ولكنى أعتقد بأنهم سوف يدفعون ثمن غبائهم وعماهم السياسي، وهناك فئة أخرى تبحث عن دور وتتصور أن ظروف السيولة الحالية تمنحها هذه الفرصة من الذين أطلق عليهم اسم «النخبة» وهم أولى وأجدر باسم «الخيبة» لأنهم يحاربون فى معركة «دينكوتيخية» ضد وهم روجوا له وصدقوه، كما أن العائدين من كهوف الماضى ويرتدون عباءة الإسلام، وأنا أتحدث هنا عن المتطرفين منهم ولا أتحدث عنهم جميعا، فهم يتصورون أنهم وحدهم هم المصريون، وهناك طبعا قوى خارجية إقليمية وغير إقليمية لا يسعدها كثيرا أن تنجح تجربة الثورة المصرية، ولهذا ستجد الخطاب السياسى أشبه بضجيج السوق ونداءات الباعة الجائلين.
■ ألا يوجد إمكانية للتعايش بين التيارات السلفية والإسلام السياسى والليبرالية؟
دائما فى عمليات التفاعل الاجتماعى والسياسى هناك فرز، وهناك اختيار للكتلة صاحبة المصلحة، ولو أن تغاضيت عن ضجيج السوق الذى أشرنا إليه وسمعت ما يقوله الناس العاديون فى كل مكان لوجدت أن هذا الضجيج لا يعنيهم فى شيء، الناس تريد حياة أفضل وليس كلاما بليغا، الناس تريد سكنا وعلاجا وتعليما وأمانا ولا تريد فزلكة فى الكلام، ولا شطارة فى التلاعب بالعبارات والجمل.. الناس تعرف أن الكلام سيظل كلاما ولذلك سوف يختارون فى النهاية ما فيه مصلحتهم بغض النظر عن هؤلاء المتنطعين على شاشات التليفزيون وصفحات الجرائد، وللأسف الشديد معظمهم من حارقى البخور السياسى والعازفين على طبول النفاق لأى نظام وهم معروفون بالاسم.
■ كيف تنظر إلى تجربة حكم الإخوان المسلمين حتى الآن؟
لا أستطيع أن أحكم على حكم الإخوان لأنه لم يوجد بعد، إذا قارنا ما حدث فى ثورة يوليو بما يحدث الآن، فعبد الناصر ونظام يوليو الذى كان الجيش والشعب يساندهم مساندة شبه مطلقة عانى من الفوضى والسيولة حتى جاء العدوان الثلاثى عام 1956، واستخدم عبد الناصر وثورة يوليو المحاكم الثورية والتطهير والإجراءات الثورية، ومع ذلك بقى هناك من طلب منه التنحى وتسليم البلد للإنجليز من رجال العهد القديم ولولا الانتصار السياسى فى حرب السويس لضاعت ثورة يوليو بعد أربع سنوات من قيامها.ٍ
فلا أستطيع أن أحكم على نظام لم يوجد بعد، فالذين يحكمون ليسوا هم الإخوان، وكون رئيس الجمهورية من الإخوان، لا يعنى أن الإخوان هم الذين يحكمون، وأزعم أن هناك فى أجهزة الدولة من يعرقل عملية التحول الديمقراطى لصالح النظام القديم.
■ أي التيارات سيكون بديلا للإخوان «السلفيين» أم «الليبراليين»؟
للأسف هذا البلد ليس فيه من يملأ الفراغ السياسى سوى الشباب الذين يحتاجون الى بعض الوقت، وكل الفصائل التى تطلق على نفسها ليبرالية احترقت سياسيا بلا استثناء بسبب وجودها فى ظل النظام السابق ولن يقبل احد فى مصر ان يحكمه امثال هؤلاء .
اما السلفيون الذين لا يظهر منهم غير التشدد فهم ليسوا فئة واحدة فيما اعلم ولا هم قطعة قماش واحدة، وانما بينهم فروق طفيفة احيانا وجسيمة احيانا اخرى، ولست اظن ان الوسطية التاريخية للشعب المصرى والمجتمع المصرى يمكن ان تسمح بحكم من هذا النوع مهما كان الثمن.
■ كيف ترى خطوة زيارة الرئيس للصين والانفتاح على إيران؟
هذا الاتجاه يجب دعمه بشدة أيا كان الحاكمون فى هذا البلد لأننا عانينا من رهن إرادتنا وقوتنا ومستتقبلنا وقوتنا لدى الغرب، مع مخزون العداء التاريخى الذى يكنه لنا وهذه مسألة لا يجب أن ننساها، وليس بيننا وبين الشرق سوى فترات من التعامل الإيجابى على المستوى الاقتصادى والإنساني، على الأقل منذ بداية حركة الفتوح الإسلامية فى القرن السابع الميلادي، ولا تنسى أن عددا كبيرا من سكان الشرق مسلمون ومتعاطفون معنا لأسباب تاريخية وثقافية.
■ لكن البعض انتقد سياسة (مد اليد) للمساعدات الخارجية؟
هذه مسألة تموت من الضحك وأشبه بالنكتة البايخة، لأننا طوال فترة حكم النظام السابق كنا مرهونين تحت إرادة إسرائيل وأمريكا، وما وجه الضرر فى طلب قرض حسن وامريكا نفسها مدينة للصين، وأكبر دائن لأمريكا هو الصين، فهذا الكلام البايخ لا يقوله إلا أناس خائبون.
■ هل أنت مؤيد اخراج المؤسسة العسكرية من الحكم؟
طبعا، لأن الجيش المصرى تاريخه الوطنى مشرف يدعو للزهو وحين دخل فى أزقة السياسة ودروبها كانت كارثة 1967 وحتى قام الرئيس عبد الناصر والفريق محمد فوزى بإعادة بنائه على اسس احترافية حققت نصر اكتوبر.
■ دائما ما نستشهد بالثورات الأجنبية فى تقييم الثورة .. فهل نفتقد المرجعيات الثورية القومية؟
عندنا مرجعيات ثورية كثيرة مثل ثورتى القاهرة الأولى والثانية ضد الفرنسيين، ولأول مرة فى التاريخ يخلع الشعب المصرى خورشيد باشا ويعين محمد على، أليست ثورة 1919، وثورة يوليو ثورات مفصلية ؟
لكن للأسف يوجد جهل كثير من قبل الذين يتصدون للإعلام الذين يعانون من الاعتام فى عقولهم ولا يقرأون.
■ لماذا تم استبعاد المثقفين من اللجنة التأسيسية للدستور؟
هل تعتقد أن كل من قرأ كتابا أو بيتين من الشعر ويجلس على المقاهى يعتبر مثقفا؟ وهل باقى الناس بائعى بطاطا؟ إن اللجنة التأسيسية للدستور مجموعة من النخبة المثقفة التى تفخر بهم مصر أمثال المستشار الغريانى والسيد عمرو موسي، ووحيد عبد المجيد رغم اختلافى مع الأخير.
■ ما رأيك فى التخوفات من انفصال سيناء عن الوطن؟
القضية تدخل فى نطاق التهويل فى الوقت الذى تعرضت فيه سيارة الشرطة للهجوم الذى أسفر عن استشهاد البعض، وقع فى تركيا حادث مشابه فى نفس اليوم، كما وقع حادث آخر فى السعودية فى نفس الأسبوع حيث تم نسف مبنى وتسويته بالارض ولم يعلن عن عدد الضحايا، وهذه مسائل تحدث وليس معناها أن نهملها والسياح موجودون فى سيناء فى الداخل والخارج، وما يحدث فى سيناء هناك قطع طرق فى الوجه البحرى والصعيد وهذه من علامات السيولة التى تحدثنا عنها، لكنى لا أتوقع من أى مسئول فى هذا البلد أن يسمح بضياع سيناء ولحساب من؟.. الفلسطينيون فى غزه ما عددهم؟ هم أقل من مليون ونصف نسمة، فما الذى يستطيع أن يفعله هذا العدد لانتزاع منطقة تابعة لشعب يبلغ تعداده تسعين مليونا؟، وإسرائيل لن تستطيع ابتلاع سيناء بدليل أنها لم تستطع تجاوز الضفة الشرقية لقناة السويس والتوغل إلى القاهرة، لأنهم يدركون جيدا عواقب هذا التوغل، علاج مشكلة سيناء يتم بإرسال المزيد من البشر إليها والبدء بخطط التنمية، خاصة أن بها إمكانيات غير عادية.