السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«روزاليوسف» تنفرد بحوار مع منظم معرض مركز بامبيدو بفرنسا (1-2) : سام بردويل: السريالية المصرية لم تكن تقليداً لأوروبا وبـ«الجـَمل والراقصة» تم تحجيم دور الفن المصرى

«روزاليوسف» تنفرد بحوار مع منظم معرض مركز بامبيدو بفرنسا (1-2) : سام بردويل: السريالية المصرية لم تكن تقليداً لأوروبا وبـ«الجـَمل والراقصة» تم تحجيم دور الفن المصرى
«روزاليوسف» تنفرد بحوار مع منظم معرض مركز بامبيدو بفرنسا (1-2) : سام بردويل: السريالية المصرية لم تكن تقليداً لأوروبا وبـ«الجـَمل والراقصة» تم تحجيم دور الفن المصرى




حوار - سوزى شكرى

فعاليتان ذواتا فكر واحد «السيريالية المصرية» وإن اختلف مضمونهما، الأولى فى القاهرة داخل ردهات «قصر الفنون» بالأوبرا، والثانية داخل قاعات مركز بامبيدو فى قلب العاصمة الفرنسية «باريس».. مقارنة تابعناها باهتمام وصل إلى حد المنافسة والمقارنة المشروعة بين الفعاليتين.. تساؤلات نطرحها من قبيل الفضول: أيهما نمنحه صفة الأحقية التأريخية للتوثيق؟!، هل برتوكول قادم إلينا من دولة عربية شقيقة عاشقة للفن المصرى والتراث الإنسانى ونكن لها كل الاحترام والتقدير لما تقدمه لمصر من تعاون إيجابى بشكل دائم «الشارقة»، أم برتوكول مركز بامبيدو «باريس»، باعتبار أن فرنسا هى الدولة التى عاش فيها السرياليون المصريون هاربين من سجون النظام، فرنسا حيث جذور الصلة الجوهرية بين السريالية الفرنسية التى أسسها الكاتب «اندريه بريتون» وصديقه الشاعر المصرى «جورج حنين» مؤسس السريالية المصرية.


فى زيارته الخاطفة للقاهرة والتى لم تستمر إلا ساعات معدودة التقينا كلًا من «سام بردويل» و«تل فلراث» القيمين على معرض السريالية المصرية «جماعة الفن والحرية « (1938 – 1948) المقام حالياً بمركز جورج بامبيدو – باريس.. تحاورنا مع الناقد والمؤرخ «سام بردويل» الذى اختص «روزاليوسف» بحوار جريء كاشفا عن سبب الاهتمام بالسريالية المصرية والعالمية، وكيفية الإعداد لهذه الفعالية وكيفية الحصول على الأعمال السريالية، عن الخمس أعمال المشاركة من خلال وزارة الثقافة المصرية المحدودة جدا، وعن رده على اتهام عائلة أحد الفنانين العارضين بوجود أحد الأعمال غير الأصلية وغيرها من الموضوعات والتى نقدمها فى حوار على حلقتين.. فإلى نص الجزء الأول.
■ حدثنا عن نشأتك وعملك وسبب اهتمامك بالفن المصرى؟
- أنا مؤرخ للفن وحاصل على دكتوراه فى تاريخ الفن، وأعمل أستاذًا حامعيًا بجامعة نيويورك، وقيم معارض، أنا وصديقى «تل فلراث» بدأنا نعمل معاً منذ عام  2008، قررنا العمل على مجموعة معارض عن الفن الشرقى وأن نتعامل مع عدة متاحف عالمية دون الارتباط بمتحف معين.. دائما ما كنت أسأل نفسى عمن كتب تاريخ الفن؟ ومن قرر أن يكون فنانون بأعينهم أفضل من غيرهم؟ ومن ارتكب جريمة تهميش دول كبيرة لها تاريخها، وقدمت فنانين مميزين بحجة أن فنانى هذه الدول ليسوا إلا مقلدين وليس لفنهم به أصالة فى الفكر أو ريادة فى التقنية؟!!، ولم يعطوهم حقهم فى صفحات التاريخ، رغم أننى قد وجدت فى الكثير من المراجع توثيقا صحيحاً موضوعيا والبعض الآخر به أخطاء، فلماذا نأخذ كل المكتوب سابقا على أنه مرجعية توثيقية، باستثناء مراحل فنية وثقها روادها وأصحابها بأنفسهم من خلال كتاباتهم بخط أيديهم وإصداراتهم الصحفية ولوحاتهم الفنية مثل «جماعة الفن والحرية».
 أنا لبنانى الأصل ونحن جميعا من منطقة عربية تأثرت بالاستعمار، الاستعمار الذى رسم لنا صورة سيئة عالميا وذلك فى زمن «الاستشراق» الذى صورنا لسنا إلا «جمل وراقصة»، ونحن لا ركبنا الجمل ولا نرتدى بدلة رقص، بهذا الوصف تم تحجيم دور الفن المصرى فى تاريخ الفن الحديث، واكتفوا برصد تاريخ الفن فى أوربا واعتباره حكرا على الغرب لتوجهات فنية واعتبار أن العرب مجرد «ناقلين»، والفكرة بدأت عندى بكل هذه الأسئلة، لماذا نجد تاريخ الفن منحازاً للغرب ويتجاهل الحركات الفنية الأصلية؟، وفكرت أن أعيد كتابة تاريخ الفن فى بعض الاتجاهات، وبسبب تمكنى من لغتى العربية سهلت فى أبحاثى الوصول إلى نقاط ونتائج كثيرة ربما يصعب على أى باحث أو مؤرخ ألمانى أو ايطالى الوصول إليها، وحين يقرأ أحد تاريخ الفن بشكل عام لابد أن يتوقف عند مصر، مصر نبع الفن الذى لا يجف هى «الثقل»، مصر انصهرت فيها عدة  ثقافات حول العالم من الإغريقى واليونانى والفرنسى العثمانى والمملوكى والفاطمى، لا توجد حضارة فى العالم العربى إلا وانصهرت فى مصر، مصر تحاورت مع كل الفنون والعصور ومع كل التيارات الفنية، مصر الثراء والتناقضات فى التقاليد أدت إلى تنوع فى الممارسات الفنية.
أنا كباحث فنى ونقدى بدأت دراستى بتاريخ الفن المصرى أولا من حيث الاعتراف بأهمية مصر التاريخية وأول ما درسته كان عن الأمير يوسف كمال الذى أسس كلية الفنون الجميلة فى عام  1908، وجيل الرواد محمود مختار، محمود سعيد والجيل الثانى وما بعده، واكتشفت أن المزادات والجاليريهات هى من تلقى الضوء على الفنانين بحسب رؤيتها، لأننا لو بحثنا بدقة بالتأكيد سنجد من غفل عنهم التاريخ ومن أخفى أعمالهم لصالح مذهب أو اتجاه فنى، وعيب علينا نحن أصحاب حضارات أن المزاد هو الذى يوثق لنا فنانين، فرق كبير بين الأعمال التى تعرض للبيع والأعمال التى نصفها بصفة متحفية لا تقدر بثمن.
اهتماماتى بحثية نقدية موثقة فقررنا أنا وصديقى «تل» أن نقوم بعمل معارض مهمة لها هدف بحثى وتوثيقى، والعروض نقدمها بالتعاون مع المتاحف الكبيرة بشكل متحفى حتى نعيد إلى المتحف أهميته ودوره كمرجعية وليس بأن تكون المزادات هى المرجعية، المتاحف أهميتها ليست فقط فى زيارة مقتنياتها، بل لابد من معرفة الخلفية التاريخية وراء كل عمل فنى فيها.
■ ما سبب اهتمامك بالسريالية المصرية؟
- اكتشفت لأول مرة منذ عشر سنوات أن احد أعمال فنانى جماعة الفن والحرية عند صديق لى فى فرنسا، شدت انتباهى جدا ولو لم أكن رأيتها من قبل لظننت أنها لفنان من ايطاليا وليس من مصر، قال لى صديقى إن هذه اللوحة للفنان رمسيس يونان الذى كان قد أقام فى فرنسا لفترة، بحثت عن كتب السريالية وتفاصيلها، قرأت كتاب الناقد سمير غريب «السريالية المصرية»، قرأت مقالات للناقد عز الدين نجيب والناقد هشام قشطة، لكن هذه القراءات لم تكفيني، صرت أبحث عن أفراد «جماعة الفن والحرية» وبلغة بسيطة وقعت فى غرام أعمالهم الفنية وفلسفتهم ودعواتهم للحرية والتغير والتطور، ونحن إلى يومنا هذا نعانى من نفس ما عانوا منه بحثا عن الحرية المطلقة فى الفن والتغيير والثورة على التقاليد الفنية والحرية الفكرية، واستغرب كيف فعلوا هذه فى الأربعينات فى معالجة فنية تدرس لكل الأجيال.
■ متى بدأت التحضير والإعداد للمعرض؟
- قررت مع صديقى وزميلى «تل» أن نبدأ فى العمل بجدية، الجدية تعنى العمل بشكل توثيقى بحثى ومحدد بالفترة الزمنية، وتحدثنا مع عدة متاحف عالمية لإعداد معرض السريالية لإعادتها للمشهد، وافق مديرو «مركز بامبيدو» فى باريس على ما قدمناه، وبدأنا التحضير منذ خمس سنوات على ألا يتجاوز المعرض الحدود الزمنية المحددة «جماعة الفن والحرية « (1938 – 1948)، وكان لابد أن نثبت متى بدأت وكيف انتهت بالأعمال الفنية والوثائق، وذلك حتى لا يبتعد ذهن المتلقى عن الهدف الأساسى من التوثيق الفنى والأرشيفى، وكلما توصلت أثناء البحث إلى حقائق جديدة أسعد جداً وأكمل بحثى باستماع، «جماعة الفن والحرية» بكل أعضائها (رمسيس يونان، جورج حنين، أنور كامل، فؤاد كامل، كامل التلمسانى، ألبير قصيرى، أنجيلو دى ريز، وغيرهم) هى محاولة مبكرة للالتحام بتيار عالمى، ومحاولة لتحرير الإنسان بالإبداع الحر والتخلص من قيود السلطة، سواء السلطة متمثلة فى الدولة أو فى من يملك السيطرة على الإنسانية، ورغم انه لم يعلن رسميا محاربة السريالية المصرية، إلا أن الحركة النقدية فى الستينيات والسبعينيات غلب عليها دعم التيار الفنى القومى الملتزم بقضايا الاشتراكية، لذلك تواجدت فى فترة الستينيات «جماعة الفن المعاصر».
■ ومن أين حصلت على الوثائق الأرشيفية واللوحات الفنية؟
- قمنا بالمقابلات الميدانية فى مصر وجميع أنحاء العالم، ذهبنا إلى أكثر من 12 دولة، ذلك لأن أعضاء الجماعة سافروا العديد من الدول بعد أن تركوا القاهرة فى أعقاب قيام ثورة يوليو 1952، وتمكنا من الحصول أكثر من 150 من الوثائق الأرشيفية من بينهما أكثر من 46 مجموعات عامة وخاصة حصلنا عليها من مصر، كما تحصلنا على 110 لوحات فنية مختلفة الفترات التاريخية ولكن فى سياق الفترة الزمنية من جهات رسمية ومن مقتنيات متاحف، ومن مقتنيات أفراد، ومن مصر حصلنا بموجب البرتوكول الرسمى على خمس لوحات وهى مشاركة رمزية، وهى أربع لوحات للفنان «راتب صديق» ولوحة واحدة فقط  للفنان «كامل التلمسانى»،
وعرضنا العديد من الصور التاريخية النادرة، وفيلم تسجيلى، وتسجيل صوتى نادر للفنان أنور كامل وهو يحكى عن «جماعة الفن والحرية»، والمخطوطات الأولية لمعارض الجماعة ومعظمها لم تعرض من  قبل وهى أصول وليس نسخ، وخطابات بخط اليد أرسلها «جورج حنين» إلى «بريتون» يحدثه عن السريالية فى مصر، وهذه المخطوطات عرضناها بتسلسل زمنى دقيق لنقدم عرض متحفى متكامل، وقمنا بتنفيذ وطباعة كتالوج للمعرض من خمس طبعات بلغات عديدة، اللغة الإنجليزية والعربية والفرنسية والإسبانية والألمانية والتى وزعت مع الافتتاح.
 ■ ما الدول التى ينتقل إليها العرض، وما الهدف من هذه الجولة للمعرض السريالية والتى تستمر حتى عام 2018؟
- الهدف هو لقاء السريالية المصرية بالسرياليات حول العالم الذين تزامنوا مع نفس الفترة الزمنية، السريالية حركة أدبية وشعرية وتشكيلية.
أما أهداف اللقاء والتحاور الفنى فأولا: هى ليست جولة بل لقاء له قيمة بحثية ووثائقية تضاف للعرض الأول فى فرنسا، ثانيا: لابد أن يعلم العالم أن السريالية المصرية لم تكن تقليداً لسريالية أوروبا وإنما هى حركة مصرية خالصة غيرت الفكر المصرى العالمى أيضا، مصر كانت تدعو للحرية فى الفكر والتعبير والتغير والتطور وقت أن كانت العديد من الدول الكبرى الآن تحت الاستعمار وتعانى الفاشية والنازية، ثالثا: اللقاء يحدث لأول مرة فى التاريخ، لقاء «جماعة الفن والحرية» مع نظيرتها فى دول أخرى، العرض بدأناه من مركز بومبيدو - باريس بدأ من 20 أكتوبر 2016 وينتهى فى 16 يناير 2017، ركزنا فى عرض فرنسا على الوثائق الخاصة بين أندريه  بريتون وجورج حنين ورميسيس يونان وأنور كامل وغيرهم، سرياليى باريس كانوا يميلون إلى فكر فرويد، ولقاءات العرض فى اسبانيا وألمانيا ولندن.
العرض الثانى فى متحف الملكة صوفيا المركزى الوطنى للفنون- مدريد (اسبانيا) خلال 14 فبراير 2017 - 11 يونيو 2017، فى مدريد نركز على علاقة جماعة الفن والحرية بالحرب الإسبانية وأن «جورج حنين» عاش فى اسبانيا، وتتقابل الجماعة مع بيكاسو ولوحته «الجرنيكا» مرة أخرى حيث والتى سبق وأن وضعتها الجماعة على المانيفستو الأول لها.
 ثم الجولة الثالثة «دوسلدورف» ألمانيا خلال الفترة من 15 يوليو 2017 - 15 أكتوبر2017، وهناك نعرض مانفيستو الجماعة «يحيا الفن المنحط» الذى أصدرته جماعة الفن والحرية ضد هتلر والنازية عندما رفضت أعمالهم الفنية، الألمان كانوا يميلون إلى فلسفة هيجل وماركس، وبالسريالية مزيجاً من فرويد وكارل ماركس، ثم نعرض فى لندن خلال الفترة من 13 نوفمبر 2017 - 4 مارس 2018 لمجموعة فنانين كانوا يعيشون فى مصر وعرضوا فى جماعة الفن والحرية، فهم فنانون سريالين فى فرنسا تركوا أعمالا مهمة رغم أنهم ليسوا فرنسين الأصل، وهم سلفادور دالى (ايطالي)، خوان ميرو (اسبانى)، رينيه مارجريت (بلجيكى)، ماكس ارنست (ألمانى).
■ الكاتبة والروائية مى التلمسانى اتهمت معرض السريالية فى بامبيدو بعرض لوحة غير أصلية لكامل التلمسانى.. ما ردك؟
- متفاجئ من هذه المهاجمة، فقد تقابلت مع د.مى التلمسانى فى قاعة المعرض بامبيدو وهى صديقة لى، وقد تكلمنا بهذا الموضوع شخصياً وبكل احترام وبشكل أكاديمى، نحن قمنا بعمل كل الاختبارات العلمية والأشعة السينية تحت الحمراء التى أجرتها مديرة الترميم فى مركز بومبيدو، وهى التى رممت أيضا كل الأعمال الفنية للمعرض، وأثبتت أن جميع لوحات التلمسانى فى المعرض لها نفس تطبيق الطلاء،حركة الفرشاة والتركيب الكيميائي، جميع اللوحات المعنية تأتى أصلا من مجموعات خاصة لفنانين مباشرة من جماعة الفن والحرية، ومن المستحيل ان يعرض مركز بامبيدو لوحة غير أصلية، أنا متفتح لكل الآراء والانتقادات، ومن لدية أى شيء فليتقدم به «أهلا وسهلا».  
■ ما رأيك فى معرض السريالية المصرية المقام فى قصر الفنون بالأوبرا؟
- مبتسماً: «شاهدت المعرض.. إحدى أسس السريالية مزج مالا يمتزج لإحداث استغراب أو حتى صدمة لدى المتلقى، وبذلك يكون المعرض قمة السريالية»!!