الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

لسانك حصانك

لسانك حصانك
لسانك حصانك




يكتب :د. خالد وصيف

فى مؤتمر الشباب بشرم الشيخ، كان الإعلام حاضرا بقوة فى المناقشات التى دارت فى الجلسات المختلفة، الشكوى من الإعلام شائعة من المعارضين مثلما هى سائدة بين المؤيدين، الكل يشكو الإعلام وينتقده، إما بسبب تجاهله للإنجازات، أو بسبب انحيازه للسلطة التنفيذية، وفى الحالتين أثبت الإعلام أنه مثل الملح لا يخلو منه حدث أو حديث فى مصر، كما أكد أنه موجود ويجب أن يقف على يسار السلطة ووسط الناس أن أراد الاستمرار والنجاح.
والدولة المصرية بأجهزتها التنفيذية معذورة، فأدوات الإعلام التقليدية مثل الصحف الورقية والإذاعة والتليفزيون لم تعد تسيطر وحدها على الفضاء المصرى، فقد زاحمتها الفضائيات الخاصة بدءا من الألفية الجديدة لتستولى على عقل المشاهد وتشكل وجدانه نحو كثير من القضايا من خلال منصات إعلامية تتميز بالقبول، وبعد أن استطاعت الدولة أن تطور من أدواتها للتعامل مع الفضائيات الخاصة، ظهر كائن إعلامى جديد هو وسائط التواصل الاجتماعى التى شغلت مساحة كبيرة من تأثير الفضائيات الخاصة، وأتاح فيس بوك وتويتر وغيرها الفرصة لكل مستخدم، أن يكون مصدرا للمعلومة ومشاركا فى صنعها ونشرها فى نفس الوقت، وهى ميزة كبيرة أعطت وسائط التواصل الاجتماعى بنطا أمام الفضائيات ووسائل الإعلام التقليدية التى افتقدت فرصة المشاركة الجماهيرية فى التحرير والنشر، لكن الخلط بين الرأى والمعلومة أو الترويج لمعلومات خاطئة أو مجتزأة هى نقطة الضعف الواضحة فى وسائط التواصل الاجتماعى، وهى مصدر الشكوى الدائمة منها.
لا ننكر أن كثيرا من الأخبار المتداولة على وسائط التواصل الاجتماعى مغرض، ويتم نشرها لأهداف خاصة، فى نفس الوقت فإن السلطة التنفيذية بأدواتها المختلفة هى من تتيح لوسائط التواصل الاجتماعى القصف المركز عليها، من خلال اصطياد تصريحات غريبة أو حتى مجتزأة تتناول موضوعات تمس حياة المواطنين.
حينما يتناول مسئول حكومى فى معرض رده على شكاوى نقص السكر، بأن يدعو المصريين إلى الامتناع عن تناول المحشى الذى يستهلك كميات كبيرة من الأرز «وليس السكر»، فإن الحكومة تقدم مساحة مجانية لقصف وسائط التواصل الاجتماعى ويضع مؤيدى النظام الحالى فى حرج أمام المجموعة الأخرى التى تتربص بكل كلمة تقال وتؤولها كيفما شاءت، بما يخدم أغراضها. وحينما يقول احد المحافظين أنه سيوفر اللحوم بسعر عشرين جنيها للكيلو الواحد فى محافظته فأننا ندعوه بكل شجاعة أن يتقدم لرئاسة الحكومة المقبلة طالما سيستطيع توفير اللحمة لشعبنا بهذا السعرالرخيص.
وحينما يقول آخر بكل ثقة أن أربعمائة جنيه كافية للفرد ليعيش حياة كريمة فى مصر، فإنه يقدم مادة خام تتسلى عليها تلك المنصات الاجتماعية الليل بطوله، وليال قادمة أيضا.
وكما تأتى بعض التصريحات لتضر أكثر مما تنفع، يأتى الصمت المطبق ليثير الريبة والشكوك، والمثال البارز هو حالة السوق الموازية للدولار فى مصر، والذى يتم مواجهة الارتفاع المتوالى فى سعره بصمت غريب، يثير البلبلة ويؤدى إلى مزيد من الارتفاع غير المبرر فى سعر الدولار، فالصمت المطبق مثل الحديث المتواصل كلاهما يؤدى إلى أهداف مجانية تتحملها شبكة مرمى الدولة المصرية.
إن اصطياد التصريحات مهنة اعلامية قديمة، ففى الستينيات تكرر انقطاع الكهرباء فى منطقة وسط القاهرة حتى ضج الناس بالشكوى، وذهب صحفى لإجراء حوار مع أحد مسئولى وزارة الكهرباء فى ذلك الوقت، والذى برر تلك الانقطاعات بأسباب فنية متعددة ثم ذكر فى نهايتها قصة فأر صغير تسلل داخل كشك الكهرباء بمنطقة السبتية والتهامه الأسلاك ثم موته صعقا بالكهرباء. نسى الناس كل الأسباب الفنية التى ذكرها المسئول وتذكروا الفأر الشقى، وأصبح فأر السبتية شخصية شهيرة تنافس ميكى ماوس.
أن الحكومة الحالية تبذل مجهودات كبيرة فى التعامل مع مشكلات مزمنة تمتد جذورها لسنوات طويلة ماضية. كما أنها تمتلك شجاعة المواجهة التى افتقدتها حكومات سابقة آثرت دحرجة المشكلات للأمام بدلا من التعامل معها، لكن لا يمكن إعفاء الحكومة من مسئولية التصريحات حسنة النية التى تصدر عن بعض مسئوليها والمحسوبين عليها والذين نقول لهم جميعا لسانك حصانك، فاللسان جرى باثنين من الوزراء خارج الحلبة، وأصبح وزيرين سابقين نتيجة تصريحات صدمت الرأى العام وقتها، وهناك محافظ تم اصطياد تصريحات له تتعلق بالرياح التى تحمى مصر من القنابل النووية ليجد نفسه خارج المحافظة فى التعديل الأخير مع الباقين، بالرغم مما عرف عنهم جميعا «الوزيرين والمحافظ»، من كفاءة مهنية وأداء جيد لكنه الحصان الجامح الذى يحتاج ترويضا وحكمة فى القيادة، كما يحتاج تدريبا جيدا على التواصل الإعلامى وفن مخاطبة الجماهير.
ونقول للجميع النصيحة المصرية القديمة «لسانك حصانك».