الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ابتسم.. فالكل باطل

ابتسم.. فالكل باطل
ابتسم.. فالكل باطل




يكتب: إيهاب كامل

كعادتى كل صباح، مددت يدى أتحسس الموبايل، وأنا مازلت مغمض العينين، كى أتصفح أحدث بوستات «فيسبوك» وأتعرف على آخر الأخبار والشائعات والآراء والألشات. أول بوست قرأته كان معلومة ملخصها أن شهر نوفمبر شهد العديد من الأحداث المهمة فى العالم ً، فنظرت تحته إلى البوست التالي، وكان خبراً عن «تعويم الجنيه».. قلت بصوت مسموع: جنيه إيه اللى عام؟، مش الجنيه مات ونعاه الشاعر جمال بخيت منذ سنوات فى قصيدته الشهيرة «الجنيه ألف رجمه ونور عليه»؟ اعتدلت من رقدتى وقلت ضاحكا: الجنيه بتاعنا عام يا رجالة، لسه ما ماتش.. أصله زى القطط بسبع أرواح، غرق كام مرة ولسه بيعافر، بس يا خوفى من المره دى.. آه يا خوفى من آخر المشوار آه يا خوفى! ولما واصلت التصفح وجدت عشرات البوستات لخبراء الاقتصاد والمحللين المتطوعين، كل واحد منهم يدلى بدلوه «لوجه الله والوطن طبعا».. فريق يقول: ده أحسن قرار تم اتخاذه فى تاريخ الاقصاد المصرى، وفريق آخر يقول: ده خراب ما بعده خراب، وسوف يؤدى إلى تدهور مالى، تعقبه موجة من التضخم الرهيب، والدولار سيعاود الارتفاع الشديد.. لكننى ابتسمت وقلت بكل هدوء: تتضخم زى ما تتضخم.. خليهم يسخطوك يا قرد، يمكن تبقى غزال، والبلية تلعب فى حديقة الحيوانات اللى احنا عايشين فيها»، فقد أصبت بحالة من اللامبالاة بعد أن عشت فترة طويلة فى حالة رعب من التغييرات المنتظرة، لكننى اكتشفت أن رعبى لن يغير من الهم شيئًا، وأن الكلمات لا تملك قوة دانات المدافع ولا هراوات العساكر، الكلمة أصبحت عاجزة فى عصر الأنظمة الصماء، التى لم تعد تسمع إلا ما تحبه من وصلات المديح والتمجيد والتبجيل والتعظيم، وعبارات: «ربنا يكون فى عونك.. الحمل تقيل.. ليس فى الإمكان أبدع من البدنجان، لهذا قررت أن أقابل كل ما يحدث بابتسامة، مهما كانت قسوته، فلن أسمح لهم بتعكير صفو حياتى فى مقالى السابق «ثورة بروميثيوس» قلت لم يعد أمامنا حل لمواجهة الغلاء والانهيار الاقتصادى إلا التكافل الاجتماعى والتعاون بين المواطنين، فلن نجد من يحنو علينا ويشعر بنا سوى نحن»، وجاءت القرارات الاقتصادية الأخيرة لتقطع آخر أمل فى تحسن الأحوال قريبا، ففى يوم واحد فقد الجنيه آخر قطعة ملابس تستره، ولم يعد أمامه طريق إلا العوم.. لذلك ستظل بداية نوفمبر تاريخاً كئيبا، لن ينساه المصريون بسهولة.. لن ينسوا أن «عقارب» نوفمبر لدغت الجنيه، ومعيشة الناس، لقد قالوا إن علينا الاحتمال كى نحمى الوطن، ونسوا أننا الوطن، فالمسئول الذى أصدر قرار زيادة أسعار البنزين لم يتذكر أن عليه أن يضع برامج حماية للطبقات الفقيرة وأن يقر تعريفة المواصلات لا أن يترك السائق والناس فى مواجهة بعضهم البعض. أمسكت الرويموت كنترول وأخذت اقلب بين القنوات فوجدت أحد أحب الأفلام العربية إلى قلبى «الناصر صلاح الدين»، كانت فرجينيا جميلة الجميلات تقول: قواتنا منتصرة، فيرد عليها ريتشارد قلب الأسد: لكن بكم من الضحايا؟ أيها الملوك إننا نحتاج إلى هدنة حالا لإعادة رسم خطتنا وتدعيم قواتنا. يرد فيليب ملك فرنسا: هدنة؟! الهدنة ورسم خطط جديدة يحتاج للوقت.. لا بد أن نستمر فى الزحف. ريتشارد: وندفع بآلاف جديدة من جنودنا إلى المذبحة؟ كونراد: إذا دخل الملوك الحرب، عليهم ألا يهتموا بعدد القتلى بقدر اهتمامهم بالنصر. ريتشارد: لأن الحرب بالنسبة للملك المنتصر تساوى المجد والجاه والكبرياء.. ولكنها بالنسبة للجنود البسطاء (حتى المنتصرون منهم) تساوى الحياة نفسها.. يجب أن نفكر فى حياة جنودنا قبل كل شىء بل أكثر ما نفكر فى أنفسنا أو فى أى مجد دنيوى زائف. انتهى حوار الملوك، وبقى سؤال الشعب: هل لدينا من يملك حكمة ريتشارد وخوفه على البسطاء؟ لا أعتقد، لأن ريتشارد نفسه لم يكن فى الواقع، كما ظهر على الفضائيات، لكنه كان أيضا يكذب ويقتل باسم الشعب ومصالح الفقراء.. فالكل باطل كما قال ريتشارد نفسه.