الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

سام بردويل: مصر هى اللاعب الرئيسى والمحرك لـ «السريالية العالمية»

سام بردويل: مصر هى اللاعب الرئيسى والمحرك لـ «السريالية العالمية»
سام بردويل: مصر هى اللاعب الرئيسى والمحرك لـ «السريالية العالمية»




حوار - سوزى شكرى

فعاليتان ذواتا فكر واحد «السيريالية المصرية» وإن اختلف مضمونهما، الأول فى القاهرة داخل ردهات «قصر الفنون» بالأوبرا، والثانى داخل قاعات مركز بامبيدو فى قلب العاصمة الفرنسية «باريس».. مقارنة تابعناها باهتمام وصل إلى حد المنافسة والمقارنة المشروعة بين الفعاليتين.
فى زيارته الخاطفة للقاهرة والتى لم تستمر إلا ساعات معدودة التقينا مع كل من «سام بردويل» و«تل فلراث» القائمين على معرض السريالية المصرية «جماعة الفن والحرية» (1938 - 1948) المقام حاليا بمركز جورج بامبيدو - باريس.. تحاورنا مع الناقد والمؤرخ «سام بردويل» الذى اختص «روزاليوسف» بحوار جريء كشف لنا فى جزئه الأول سبب الاهتمام بالسريالية المصرية والعالمية، وكيفية الإعداد لهذه الفعالية وكيفية الحصول على الأعمال السريالية، وغيرها من الموضوعات.. ويكشف لنا فى هذا الجزء من الحوار آلية ومعايير تنسيق المعرض وتوزيع اللوحات والوثائق راسما لنا صورة مصغرة عن العرض، وغيرها من الموضوعات.. فإلى نص الحوار.
■ اخترت لوحة للفنان «رمسيس يونان» غلافا للكتالوج.. لماذا؟
- هذه اللوحة تعبر عن «لُب» السريالية فهى تنتمى لمرحلة «الواقعية اللاموضوعية» حين كتب رمسيس يونان مقالة بعنوان «غاية الرسام العصرى» عام 1938، وقال فيها إن السريالية تمر بمحنة، فكيف يمكن أن نتقدم فيما يخص الأسلوب وما يتصل بمادة الموضوع الفنى دون أن نخضع لأفكار أحد، ويخاطب «يونان» العالم ويقول لهم (يكفى أن أعمالكم خضعت لـ «فرويد» و «هيجل» وغيرهما من الفلاسفة، ونفذتم أعمالا كلها مبرمجة مدروسة وهندسية ومنتظمة)، فمنحهم «يونان» منطلقا جديدا هو «الواقعية اللاموضوعية» وهذا منطلق جديد على العالم كله، يؤكد أن «جماعة الفن والحرية» بمصر تبحث لنفسها عن مداخل جديدة لهم ولغيرهم، ومضمون هذا المنطلق أن كل فنان حر يختار الأسلوب الفنى الذى يعبر به إنما يجب أن يكون الموضوع مرتبطا  بالواقع.
وبناء على أهمية هذه المرحلة اخترنا لوحة غلاف الكتالوج للفنان «رمسيس يونان» والتى استوحى حركة الجسد فيها من رسوم الإله «نوت»، إلهة السماء فى الحضارة المصرية القديمة، كان يريد أن يعبر فيها عن أن مصر تتألم ويحيطها الوجع الإنساني، من هنا أطلق لنفسه ولغيره العنان فى الإبحار ضمن الأسلوب الحر مع التعبير عن الواقع.
وفى سياق الواقعية اللاموضوعية نجد أيضا لوحة للفنان «راتب صديق» والتى رسمها عام 1940 وهى تعبر عن تكتل بشرى فى حالة خوف وقلق بدون عيون، تكوين أقرب إلى الكتلة النحتية الفرعونية فى الخطوط القوية، وكان ما دفع «راتب صديق» لرسم الأشخاص بدون عيون مشاهدته لأوبرا سريالية فى لندن بعنوان «اوبرا أوديب»، والتى يفقأ فيها أوديب عينيه فى آخر مشاهد الأوبرا لأنه اخطأ فى حق والدته، وهى أوبرا عالمية أعطتها معالجة «صديق» الطابع المصرى، أيضا لوحة «مايو» وآخرون.
■ هل سمحتم بتصوير أعمال المعرض بالكاميرات؟
- بفضل التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعى بكل أنواعها موجود على صفحتى وصفحة مركز بامبيدو - باريس، العديد من التسجيلات واللقطات الحية التى وضعت فى نفس لحظة الافتتاح لأننا نعلم أنه يصعب على الكثيرين الحضور لباريس لمتابعة المعرض، وبشكل يومى نعرض لقطات لزائرى المعرض، ولماذا نمنع التصوير، المتاحف العالمية الكبيرة لا تمنع التصوير، هذه الأعمال جمعناها على مدار خمس سنوات فهل يعقل أن نمنع المشاهد أو محبى الفنون من التصوير بجانبها، أتحنا التصوير بالمعرض كما حرصنا على وجود الكتالوج بكل اللغات ومنها اللغة العربية، والكتالوج بحجم كبير به كل اللوحات المعروضة والوثائق الأرشيفية كاملة  التى أعددناها أنا وصديقى العزيز «تل فلراث» وفريق عمل من الأصدقاء الأوفياء من دول كثيرة مؤمنين بأهمية ما نقدمه للمصر وللعالم.
■ كيف تم تنسيق المعرض وتوزيع كل هذا العدد من اللوحات والوثائق؟
- العرض تحت عنوان «الانشقاق - الحرب والسريالية فى مصر (1938 - 1948)» وهذا معناه أن العرض سوف يدور حول الحرب وتأثيرها، ثم عن الانشقاق وما نتج عنه وظهور أفكار أخرى تحارب السريالية وتستهزئ بها.
وزعت الأعمال بحسب الترتيب الزمنى التاريخى بحسب رؤيتى النقدية والبحثية، وأيضا تقسيم أعمالهم بحسب الموضوعات الاجتماعية والفلسفية والثورية والسيكولوجية التى تناولوها فى لوحاتهم، وكل قاعة تحمل عنوانا استوحيناه من مبادئ الجماعة ومن موضوعاتهم، وهذا التقسيم تخضع له صفحات الكتالوج أيضا والتى جاءت بعنوان (الثورة الدائمة - صوت المدافع - تفكيك الجسد - امرأة المدينة - الواقعية اللاموضوعية - جماعة الفن المعاصر - التصوير الفوتوغرافى والعبث بالقدسيات - الرسم الصحفى وعلاقة الفن بالأدب).
■ وهل قدمتم لأشعار جورج حنين «مؤسس جماعة الفن والحرية» ضمن العرض؟
- وكيف نوثق «جماعة الفن والحرية» بدون مؤسسها، فقد خصصنا غرفة خاصة لجورج حنين، أردنا أن نعطيه حقه وقيمته وحرصنا على وضع خريطة كبيرة بطلها «حنين»، ومجموعات من أسهم تصف مسارات وتؤكد أن مصر هى اللاعب الرئيسى والمحرك للسريالية العالمية، فى هذه الغرفة ووضعنا رسائل خاصة أصلية كانت تصل «حنين» من كل دول العالم يسألونه ماذا يرسمون من  دول مثل روسيا، بلجيكا، بروكسل، طوكيو، الأرجنتين، نيويورك وغيرها، ولم تكن مصر أبدا تابعا للعالم، هى اتجاه فنى فكرى مستقل.
وفى هذه القاعة وضعنا آخر خطاب كتبه «حنين» لصديقه «اندريه بريتون» يخبره فيه أن جماعة الفن والحرية المصرية سوف تنفصل عن سريالية فرنسا، وهذا الخطاب هو بداية الانقطاع الرسمى للجماعة، وكان فى عام 1948.
■ هل لك أن تطلعنا على وصف لقاعات العرض وترسم لنا صورة مصغرة عن العرض؟
- فى مدخل القاعة وبعنوان «الثورة الدائمة» نجد صورة كبيرة الحجم لأعضاء جمعية محبى الفنون الجميلة عام 1927 ومعهم الملك فؤاد عبد الملك - محمود بك خليل - والأمير يوسف كمال مؤسس كلية الفنون الجميلة، واللقطة من افتتاح «صالون القاهرة» وهو أهم الفعاليات الفنية التى تميزت بها الجمعية، الصورة توضح التقارب بين الملكية وبين المؤسسة المنظمة البورجوازية الأكاديمية، ثم فى المواجهة لقطة جماعية معروضة بحجم كبير لأعضاء «جماعة الفن والحرية» أثناء معرضهم الثانى عام 1941 والذى أقيم بمصر فى عمارة «الايموبيليا».
وهناك أيضا صورة أخرى يظهر الفنان «انجلو دوريز» يرتدى القفازات البيضاء، كامل التلمسانى، جون موسكتلى، ألبير قصرى، جورج حنين، موريس فهمى، رمسيس يونان، راؤول كوريل، فؤاد كامل، وبينهم يوجد حامل رسم فارغ وكرسى فارغ، والهدف من اللقطة تقديم الدعوة للمشاهد للانضمام إليهم لمشاهدة معرضهم، فماذا يفيد الفن بدون مشاهد.
وبجانب اللقطتين مطبوعات لكتالوج معرض الجماعة الأول مكتوب فيه كلمة «جورج حنين» ورسم «كامل التلمسانى» - المعرض كان فى الأول من فبراير 1940، شارك فيه «رمسيس يونان» و«فؤاد كامل» و«كامل التلمسانى» ومجموعة أخرى من الفنانين الأجانب المقيمين بمصر بسبب الحرب العالمية الثانية من بينهم «إيرك دى نيمسن»، موضوع الحرب هو المنطلق العام لمعظم العارضين بالمعرض.
ثم نجد بيان الجماعة «يحيا الفن المنحط» والذى جاء ردا على الحظر الذى فرضه «هتلر» على فنانين أمثال «بول كلي» و«كاندينسكي» و«ماكس إرنست» وأعمال «رينو» الذى حرقت أحد الجدران، نعرض وثيقة مهمة وهى 4 أفلام تسجيلية من بينها فيلم للملك فاروق يحضر افتتاح جمعية محبى الفنون الجميلة، وحصلنا على أحد الأفلام من أسرة الشاعر جورج حنين، ونستمع إلى تسجيل صوتى نادر ولقاء مع الفنان أنور كامل وهو يتحدث باللغة العربية عن «جماعة الفن والحرية» ويقول أن السريالية محاولة لتغيير الواقع وأننا مؤمنين بالثورة الدائمة، لذلك اختارنا عنوان أحد قاعات المعرض ليكون باسم «الثورة الدائمة».
أول قاعة تحمل عنوان «صوت المدافع» وهذا كان شعار أول كتالوج لمعرض الفن الحر ومكتوب فى أعداد «المجلة الجديدة « التى ترأس تحريرها  الفنان رمسيس يونان، وفيها العديد من  الأشعار السريالية عن الحرب مثل «إنهم يصنعون الموت»، ورسوم كاريكاتورية ضد النازية وضد هتلر، كل هذه الموضوعات كانت فى فترة الحرب العالمية، ولقطات من الصحف المصرية وتظهر فيها حركات ثورية مثل جماعة «القمصان الزرقاء» وهى حركات ضد الحرية ومع الفاشية.
حول اللوحات الوثائق والمخطوطات نجد لوحة للفنان «سمير رافع» رسمها وعمره 18 سنة لها علاقة بالقصف الذى صار فى الإسكندرية مستوحاة من الحرب، ولوحة «انجى أفلاطون» 1941 عن الحرب، ولوحة للفنان المصرى اليونانى «مايو» يعبر فيها عن القلق والخوف، ولوحة أخرى للفنانة «انجى أفلاطون»رسمتها عام 1942 المستوحاة من شعر جورج حنين، ولوحة للفنانة «ايمى نمر» رسمتها عام 1942 التى قتل ابنها فى الحرب العالمية، اللوحة معبرة عن مأساة الإنسانية بها تكوين هياكل عظمية متهالكة ومتألمة، ولوحة «راتب صديق» اسمها عام 1940 بعنوان «نهاية العالم»، ولوحة «مارسيل رول سلينا» ولوحة تفكيك الجسد، وهنا كان الفن مواكبا للحروب، وبجانب هذه الأعمال مجموعة من الوثائق مثل أعداد «دون كيشوت»، ومجلة «التطور» التى وثق فيها معارض الجماعة  التى نظمّها جورج حنين خلال سنوات الحرب العالمية الثانية.
ثم قاعة بها الأعمال بعنوان «تفكيك الجسد» رمز للمعاناة، ومعاناة الإنسان من أهم الموضوعات السريالية بالإضافة إلى موضوعات أخرى ومعايشتهم للواقع المؤلم والحرب، السريالية ليس حركة مغلقة على ذاتها، الجسد هو العنصر أو الرمز المعبر عن معاناة الإنسان، يتضح على الجسد معالم الفقر والجوع أو التهالك، فهم من رؤيتهم لمشاهد الحروب والدمار تأثروا بها.
لوحة «حسن التلمسانى» تعبر عن إنسان متقطع الجسد، تخرج منه روحه على شكل وجه بلون أخضر، وفكرة أن يكون وجه الإنسان باللون الأخضر قدمها عبد الهادى الجزار من قبل فى لوحته «المجذوب الأخضر» بسبع سنوات وهذا يؤكد مدى تأثرهم ببعض وهذا أمر طبيعى، تأثير وتأثر.
لوحة رمسيس يونان والتى رسمها عام 1935 قبل الحرب وتعبر عن تفكيك الجسد نابع من اللاوعى بحسب فلسفة «فرويد»، ولوحة للفنان «مايو» بعنوان «عصيان البوليس» والتى رسمها عام 1937 لمشهد يعبر عن الكراسى تتطاير فى المقاهى بعد القبض على العمال والشباب فى المظاهرات اللوحة.
وقاعة عنوانها «امرأة المدينة» تحمل موضوعات تحرير المرأة، نجد أن الفرق كبير فى استخدام المرأة فى العمل الفنى ففى السريالية الفرنسية المرأة مجرد امرأة جميلة ملهمة، ولكن فى السريالية المصرية تأثر الفنانون بالمرأة فيما يخص موضوع البغاء، أنها تتألم فيما تفعله من أجل أسباب كثيرة أحدها الفقر أو الكبت أو قيود أخرى، كتب جورج حنين شعرا عنوانه «امرأة المدينة» وهى المرأة المصرية التى اضطرت للأسف أن تعمل فى البغاء ليس برغبتها ولكن لظروفها الخاصة القاسية، واستوحى الفنان كامل التلمسانى من شعر «حنين» لوحات مثل لوحات المرأة تتعذب مصلوبة وبيديها مسامير وهذه رمزية قوية، تقف قدام المرأة تتطلع لجسدها المنهك من الألم والعذاب، أيضا لوحة للفنان «فؤاد كامل» لامرأة جسدها على «ماكينة آليه»، الفنان «راتب  صديق» أيضا عبر بلوحته «إله الرحمة» عن المرأة العذراء.
ثم قاعة جماعة الفن المعاصر «الفن المصرى»، بدأت جماعة الفن المعاصر مع الفنان حسين يوسف أمين وانضم إليه عبد الهادى الجزار، حامد ندا، سمير رافع، وآخرون، وبعد ثورة 23 يوليو ازدادت النزعة القومية والوطنية والبحث عن فن مصرى الهوية يستخدم من رموز الفن المصرى وشعبيات الأساطير، رفض جماعة الفن المعاصر أن يعرض معهم فنانون أجانب لأنهم غير مصريين، وهذا الفكر عكس مبادئ جماعة الفن والحرية.
فى القاعة نجد رسالة كبيرة  كتبها «جورج حنين» لـ«رمسيس يونان» كان وقتها بفرنسا قال له إن «حامد ندا» و«عبد الهادى الجزار» و«إبراهيم مسعودة» ادعوا أنها استكمال لجماعة الفن والحرية وهذا غير صحيح وينظمون معارض، وأن «دى منيس» وانجلو ادوريز» كانوا سيعرضون معهم، وهم رفضوا وقالوا لهم «انتم أجانب وغير مصريين!» وهذا يعنى أن «جماعة الفن المعاصر» تؤسس لفاشية جديدة، هى فاشية ترتدى الزى العسكرى يقصدون الظباط الأحرار.
وهنا نتوقف عند كتاب تاريخ الفن المصرى الحديث فى الستينيات والسبعينيات وكتبوها من منظور القومية والوطنية والانتماء، وكتبوا أن «جماعة الفن والحرية» جماعة غريبة عن الواقع المحلى فى مصر وهذا انحياز، وسيطرت فكرة القومية على كتاب التاريخ، وكلهم أساتذتى ولكن ولو عاد النقاد للمصادر سيجدون مصرية جماعة الفن والحرية، وكتب النقاد فى التاريخ أن جماعة الفن المعاصر هم أبطال الحداثة.
قاعة التصوير الفوتوغرافى بعنوان «العبث بالقدسيات»، وتضم صورا من أهمها للمصور «ايتان» بتاريخ 1940، «فان ليو» مجموعة فوتوغرافية، عبده خليل، ممدوح فتح الله، و رمزى زلومة، وغيرهم، وكلهم اتخذوا فكرة الحرية المطلقة فى التعامل مع المسلمات.
آخر جزء بالمعرض خاص «بالرسم الصحفى» وعلاقة الفن بالأدب وعرضنا فيها مجموعة كبيرة جدا من المطبوعات والرسومات لكامل التلمسانى وهى رسوم مصاحبة لشعر ترجمة رمسيس يونان عام 1941، ورسومات «اريك دومنيس» ولوحة «انجى أفلاطون» من أشعار «ألبرت قصيرى».