الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

يشمع الفتلة!

يشمع الفتلة!
يشمع الفتلة!




يكتب:محمد الوحيدى

داء ترديد ما «تبشرنا» به الصحافة والإعلام الغربى والإسرائيلى يبدو أنه داء لا شفاء منه، حتى أصبح المصدر الغربى والإسرائيلى بشكل خاص، مصدرا ليس فقط لأخبار نصدقها ونتداولها ونحللها بل تمادى ذلك بحيث أصبحت هذه المصادر، هى العامل الرئيس والمباشر فى تشكيل وعينا الجمعى، وتوجهات الرأى العام لدينا، وإسرائيل لا تخفى ذلك، ولا تعتبر أن ما تقوم به أمر مرتبط «بالعمليات السرية»، حيث يبدو أنهم باتوا متأكدين أننا حتى ولو عرفنا، فلن نفعل شيئا حيال ذلك، وسنستمر فى الإيمان بما يقولون وسنستمر كأن على رءوسنا الطير، هائمون فى فضاءات ما ينسجون لنا من حيل وأكاذيب.
فقد أعلن الجيش الإسرائيلى منذ مدة طويلة أنه أنشأ وحدة تابعة لقسم «الإعلام الجديد» (نيوميديا)، تعمل على كتابة ونشر مضامين باللغة العربية تستهدف الفلسطينيين، والعرب. منسق أعمال جيش الاحتلال فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، الجنرال يوآف مردخاى، أكد أن هذه الوحدة تضم خبراء فى الإعلام المكتوب والمرئى وخبراء فى شبكات التواصل الاجتماعى والإعلام الجديد.
الإعلام يشكل حجر الزاوية فى الاستراتيجية الصهيونية التى أخذت بعدا آخر بعد قيام الكيان الصهيونى عام 1948، حينما اندمج الإعلام بشكل كامل ومطلق بالسياسة الخارجية الإسرائيلية، تجدهم كل فترة، يخرجون علينا بقصة لجاسوس أو عميل أو عاهرة، سقط أو سقطت لأسباب معينة فى حبال التخابر والخيانة، على أنها مثل (للتعقل الفهم) بأن فلان ابن فلان قرر أن يترك الإسلام وينضم للجيش الإسرائيلى، أو أن فلانة ابنة أخت القائد العلانى، تدافع عن حق إسرائيل وتهاجم الثورة الفلسطينية، ونحن بدورنا «نشمع الفتلة» ونطير بهذه الأخبار والسيناريوهات، إما لنبرر عجزنا، أو لنقوى خلافاتنا وإختلافاتنا، وتقوم إسرائيل بإعلامها، أو الغرب بإعلامه المتصهين، بممارسة الضغوط على أنظمة الحكم العربى، وذلك عبر بثّ إشاعات وحقائق، حول الأنظمة العربية من أجل ممارسة الضغط فى لحظة ترى أجهزة المخابرات الإسرائيلية أن ذلك يخدم المصلحة الإسرائيلية.
يكفيك أن تلقى نظرة على صفحة الناعق باسم الجيش الإسرائيلى، لترى كم المتابعين من العرب، بل والمعلقين والمتراسلين معه، والمتساوقين مع ما يبثه من فيديوهات وأقوال، وكم المشاركة لهذه الفيديوهات والأخبار على صفحات التواصل الاجتماعى، تماما مثل ما حدث وتمكنت إسرائيل ، والدفع فى اتجاه اعتبار قرار اليونسكو الخاص بإسلامية المسجد الأقصى والحرم الشريف انتصارا (دينيا)، ويبدو أن الإعلام الإسرائيلى استخدمنا لنهلل ونكبر للقرار، بالشق الدينى منه، ليتمكنوا هم من لعب دور الضحية، وإقناع العالم بضرورة الاعتراف بالتراث اليهودى على قدم وساق مع التراث المسيحى والإسلامى، ولتنصب كل جهود المتجادلين والباحثين على هذا الشق ويغفلون الشق الآخر وهو السياسى الاجتماعى والأهم، ضرورة إعادة الأوضاع إلى ما قبل عام 2000 فى القدس، ووقف الحفر والتنقيب وتغيير الملامح العربية الإسلامية للمدينة المقدسة والحرم الشريف.
إذن، إسرائيل ومعها الغرب المتصهين، وجدوا لهم ظهيرا، ومساعدا مباشرا بيننا، ومن أبناء جلدتنا، يقومون بالترويج و«يشمع الفتلة» للرسالة الإسرائيلية إما بجهل، أو قلة معرفة، أو لسبب أكثر خطورة، وهو غياب الإعلام العربى، والرواية العربية المقنعة، منذ طفولتنا تعودنا أن نعرف أخبار بلادنا، وما يجرى فى شوارع مدينتنا، من إذاعة لندن، أو مونت كارلو أو صوت أمريكا، وصوت إسرائيل، كان الطعم هوالدِّقة والسرعة فى نقل الخبر. واستمر هذا، وتفاقم إلى أن أقاموا لنا محطات وشاشات وصحفا، تعمل بشعارت الرأى والرأى الآخر، وتقدم الحدث طازجا، واقعيا، صادقا سريعا ودقيقا، واستطاعت أن تبنى أساسات صلبة من الثقة بينها وبين المتلقى العربى، أغنته عن كل الإذاعات والتليفزيونات والصحف، أصبحنا نتعرف على السياسة من خلالهم.
عن مجابهة هذا، ليست بالمعجزة، وتبدأ من القرار الفردى، باحترام الذات والعقل، بالتوقف عن استقاء المعلومة والدعاية والتحريض من الإعلام الغربى والعبري، ويلى ذلك أن تتوقف مواقعنا الإخبارية والإعلامية، ويتوقف صحافيونا عن الاستناد إلى روايات غربية وصهيونية، والأهم أن تواكب منابرنا الإعلامية والصحفية سواء القومية أو الخاصة، ثورة الإعلام فى العالم، وتقلد على الأقل، وترحمنا من النمطية ولعب دور المعلم فى مدرسة الأطفال، وإلا فلا عجب إن استمر المواطن العربى بسماع طرف الخبر وشمع الفتلة.