الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الهروب من السراب 11/11

الهروب من السراب 11/11
الهروب من السراب 11/11




يكتب: د.  عبدالحميد عبدالله الرميثى

الشائعات احد العناصر الأساسية التى تميز شعوب العالم الثالث أو الدول النامية ونحن فى العالم العربى ضمن هذا التصنيف نحب الشائعة بشكل عام ولكنى وجدت ان الشعب المصرى يعشق الشائعة ومغرم على وجه الخصوص بتلك التى تحمل اخبارا سيئة عن اى شىء أو عن اى شخص أو جهة... ربما تكون هذه إحدى الوسائل التى تستخدمها الشعوب للتنفيس عن مشاعرها أو تذمرها...
قبل أسبوعين أسر لى أحد الأصدقاء هنا فى مصر بأن نصحنى أن اكون خارج مصر خلال الفترة ما بين 3 و11 نوفمبر ولما سألته قال لى باقتضاب شديد: «احنا متوقعين حاجات مش كويسة خلال هذه الفترة فمن الافضل ان تكون فى الامارات خلال هذا الاسبوع».. سمعته وبدأت أرتب أمورى على هذا الأساس ولكنى أردت فقط أن أعرف ماذا سيحدث؟ فلجأت للبروفيسور جوجل للبحث عن 11 / 11 وماذا يعنى....
بعدها اكتشفت الأمر وغيرت كل خططى وقررت البقاء فى مصر خلال هذا الاسبوع وما بعده لأن لدى ارتباطات عمل وبالتالى لن اترك عملى فقط خوفا من سراب.... وعندما التقيت بنفس الصديق سألنى عن خطط سفرى وفوجى بقرارى بعدم السفر وقلت له ببساطة... «أنا لن اهرب خوفا من الخوف.. هل أنا أفضل من عم رجب بواب العمارة التى أسكنها؟ هل أنا أفضل من الجندى المصرى الذى يقدم حياته لتعيش مصر مرفوعة الرأس؟ هل أنا أفضل من أمين الشرطة الذى يواجه اصعب تحديات العصر فى محاولاته تنظيم المرور فى شوراع القاهرة؟ هل أنا أفضل من الشرطى الذى يهب نفسه من أجل أن ننعم نحن بالأمن والأمان؟»
من طبيعة البشر بل ومن قواعد المنطق والتفكير السليم أن يهرب الانسان من الخطر عندما يصبح الخطر حقيقة مؤكدة ولكننا كثيرا ما نهرب ايضا لأننا نستشعر الخطر كأن نهرب من الحريق أو عندما نسمع طلقات نارية ولكن اليس من العار ان نهرب من السراب؟
والسراب الذى اتحدث عنه هو ما تداولته بعض وسائل الاعلام خاصة وسائل التواصل الاجتماعى تحت مسميات عديده أبرزها 11 نوفمبر أو 11 / 11... وهو تاريخ تم الترويج له على أنه سيكون ثورة أخرى وكأن كلمة ثورة باتت تطلق جزافا على كل من يخرج من منزله ويصرخ معترضا... نحن نعلم أن كلمة ثورة تعنى التغيير الجذرى وليس محاولة التغيير ذاتها ولذلك نسمع عن الثورة الصناعية وثورة المعلومات والثورة الفرنسية وثورة 23 يوليو وغيرها وبالتالى فإن كلمة ثورة تستخدم فقط عندما تتمحور حول عنصرين أساسيين هما أولا التغيير الجذرى وثانيا بناء شىء بديل.... أى أن الثورة ليست هدما للهدم ولكنها بناء وبالتالى فإن الثورة هى التغيير نحو الأفضل...ولذلك فان ما اطلق عليه الربيع العربى أو الخريف العربى لم يكن ثورة أبدا لانه لم يقدم أى بديل والامثلة أمامنا كثيرة فى سوريا وليبيا وغيرها...
لذلك فإن ما حدث فى 25 يناير 2011 كان حركة تغيير ولم يكن ثورة بالمعنى الدقيق للكلمة أو ربما يمكن القول انه كان حراكا لثورة قادمة لانه لم يقدم بديلا لما تم هدمه ولذلك كان سهلا اجهاضه والاستيلاء عليه من المجموعة الاكثر تنظيما وانضباطا... حتى جاءت ثورة 30 يونيو وهى فعلا ثورة لأنها قامت بتغيير جذرى تام وفى نفس الوقت قدمت البديل وخارطة طريق والأهم أنها قدمت قائدا استطاع أن يلملم الشتات ويعيد للمصرى كرامته ليشعر المصرى مرة أخرى وكأن ثورة 23 يوليو تعود، وهذه حقيقة عبر عنها الكثير حين قالوا إن الرئيس السيسى هو امتداد للزعيم الخالد جمال عبدالناصر.
وفى المقابل فاننا نلاحظ انه بعد حركة 25 يناير تحول الشارع المصرى إلى خبراء فالجميع أصبح خبيرا فى كل شىء... مختار بواب العمارة أصبح يتحدث عن الهندسة وسائق التاكسى أصبح خبيرا فى الاقتصاد وبدأ يحلل الوضع الاقتصادى فى مصر... أصبح الجميع وبقدرة قادر أصبحوا جميعا خبراء فى السياسة والاقتصاد وعلم الإنثربولوجيا والإحصاء والدين طبعا...
اصبح الجميع يطرح نظريات غريبة... حتى عم عبدالسميع بواب العمارة فى الفترة المسائية اصبح يفتى ويتحدث بحماس وثقة عن الدولار والانتخابات الامريكية وعن الاتحاد الأوروبى وإن سألته عن الاسلام فلن يتورع ان يقدم لك التفسيرات والفتاوى... كل المصريين أصبحوا خبراء فى كل شىء... والغريب أن هؤلاء عندما يتحدثون فإنهم يستخدمون مفردات قوية مثل (من المؤكد ان كذا وكذا... أنا عندى معلومات سرية يعنى لا تقال وهو إنه كذا وكذا.... وآخر يصر على القول خلال 48 ساعة ستلاحظ التغييرات التى قلتها لك...) أى أن المتحدث المفتى يؤكد على البعد العملى وأن ما يقوله حقائق لا خلاف عليها ولا يمكن مناقشتها لأنها بديهيات.
طبعا للجميع أن يتصور النتائج عندما تجتمع الفتاوى والشائعات فى مكان واحد... هنا فى الشارع المصرى الكل اصبح يفتى والبعض يطلق الشائعات لتنتشر حتى انه بات يصدق شائعاته....
ولان الثورات تعنى التغيير الجذرى وتقديم بديل جديد لعصر جديد فان هناك الكثير من التضحيات التى لابد من قبولها نتيجة ذلك ولابد من مواجهة المعطيات الجديدة لان التغيير يخلق مقاومة طبيعية لدى البشر والمؤسسات فهم يقاومون التغيير ولكن فى نفس الوقت فان الجميع على عجل ويريد النتائج بسرعة وهذه هى القضية الاولى وعلى الجميع أن يعلم بأن الثورة هى كالزراعة تحتاج وقتا لتعطى البذور ثمارها وقبل ان تأتى ثمار الحصاد والتاريخ يقدم لنا كل الامثلة فالجلاء تم فى 1954 أى بعد سنتين من قيام ثورة 23 يوليو وتأميم قناة السويس كان بعد أربع سنوات من الثورة فى 1956 وكذلك ثورة المعلومات التى اخذت وقتا حتى بدأ الناس يجنون ثمارها والثورة الفرنسية لم تطعم الجياع يوم سقوط الباستيل...
الثورة الحقيقية تضع أمامها رؤية واضحة أساسها الاستثمار فى المستقبل وإن كان ذلك على حساب بعض الام اليوم فنحن نقبل بألم إبرة التخدير عند طبيب الأسنان لأننا نعلم ان ذلك ضرورى ليوفر علينا اوجاعا لاحقة... وهكذا توسيع قناة السويس وبناء العاصمة الإدارية ونقل مجمع التحرير وإعادة بناء العشوائيات.. كلها مشروعات استثمارية سنجنى ثمارها فى المستقبل وإن كان على حساب بعض التضحيات اليوم...
كل من يسير فى شارع صلاح سالم يطالب الحكومة بازالة الحديقة أو المزروعات الفاصلة بين الاتجاهين والكل يقول: «لو تم ازالة هذه وتوسعة الشارع ستخف زحمة السيارات» ولكن نفس هؤلاء الاشخاص سيقولون إن تم البدء فى مثل هذا المشروع «هو الحكومة عايزين يضيعوا الفلوس فى توسيع الشوارع».
الآن يتم بناء الغد وعلينا أن نمنح انفسنا فرصة الانتظار.. الآن يتم وضع البذور وعلينا أن نستمر فى الرى والانتظار لموسم الحصاد.. الآن بدأت مسيرة جديدة لبناء مصر فلنمنح مصر فرصة...
أعود لنقطة البداية والخوف من السراب... 11 / 11 ليس سوى سراب... سيأتى 11 / 11 ولن يحدث شىء ولكننا سنسمع بأن الزلزال قادم فى يناير.. ثم مارس.. ثم يونيو وهكذا... خرافة الزلزال وسراب الإخوان مستمر وستبقى مصر دوما بخير....