الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بعد انتخـاب ميشال عون: السيناريو المقبل للبنان بعد تولى حليف «حزب الله» الحكم

بعد انتخـاب ميشال عون: السيناريو المقبل للبنان بعد تولى حليف «حزب الله» الحكم
بعد انتخـاب ميشال عون: السيناريو المقبل للبنان بعد تولى حليف «حزب الله» الحكم




كتبت - مروة الوجيه

أعلن البرلمان اللبنانى فى 31 اكتوبر الماضى انتخاب الجنرال ميشال عون رئيسًا للبلاد بعد فترة فراغ دامت لعامين ونصف العام. ليكون الرئيس الثالث عشر فى لبنان منذ نيله استقلاله عام 1943، وبعدد أصوات 83 صوتًا من أصل 127 هم عدد نواب البرلمان.
وبرغم أن وصول رئيس جديد لقصر بعبدا جاء بناء على تأييد أغلب القوى السياسية اللبنانية فى مقدمتها زعيم حزب تيار المستقبل وتيار 14 آذار سعد الحريرى، إلا أن هذا الاختيار يشوبه الكثير من التساؤلات حول مستقبل لبنان فى الفترة المقبلة، خاصة أن الجنرال السابق هو حليف لحزب الله، الأمر الذى يعتبر بمثابة انتصار لحركة المقاومة والرضوخ لمتطلباتها فى فترة ثبت فيها تفشى تواجد النظام الايرانى المتمثل فى القوى الشيعية فى المنطقة العربية.
ومن هنا يبقى التساؤل الأهم، هل بانتخاب رئيس لبنانى حليف لحزب الله ستتحول لبنان إلى ولاية إيرانية تقوم على أهداف المقاومة وترضخ لمتطلباتها، أم ينجح الرئيس فى تنفيذ وعده الذى عهد به فى خطابه بتنفيذ اتفاقية الطائف وتجنب بلاده  الانخراط فى الصراعات الخارجية؟

اتفاقيات مسبقة
يعود الفضل الأول فى انتخاب عون إلى حزب الله، الذى رفض تسمية أى مرشح آخر غيره إلى الرئاسة، وعطّل الانتخابات السابقة من خلال تعطيل النصاب، حتى اقتنع الحريرى بأن انتخاب عون ممر إجبارى لإنهاء الشغور الرئاسي، وبالتالى لعودته إلى رئاسة الحكومة، بعد إخراجه منها عام 2009.
وأعلن سعد الحريرى رئيس الوزراء الأسبق عن دعمه لخصمه ميشال عون قبل أسبوع من انعقاد جلسة البرلمان، واصفًا موقفه الجديد بضرورة التوصل إلى «تسوية سياسية» خوفا على لبنان.
وفور ذلك جاء إعلان حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبنانى الداعم لترشيح العماد عون لمنصب رئاسة الجمهورية.
وقد أثار موقف الحريرى ردود فعل رافضة من بعض التيارات والشخصيات اللبنانية السياسية وطرح أسئلة حول خلفية القرار والأسباب الكامنة وراء هذا التحول المفاجئ فى رأيه وتأثيراته على المسار السياسى المتأزم فى لبنان.
وتؤكد المؤشرات وجود اتفاق إيرانى – سعودى مسبق لتقاسم السلطة فى لبنان متمثلة فى تولى عون (الحليف الإيرانى) لرئاسة الجمهورية، وسعد الحريرى (الحليف السعودى) لرئاسة الوزراء، بالإضافة إلى تسمية الوزارات السيادية (المالية والداخلية والخارجية والجيش) التى من المرجح أن يكون قد تم الاتفاق عليها مسبقًا قبل إعلان تأييد الحريرى لعون، اما باقى الوزارات فستتم تسميتها بالتوافق لتشمل أكبر عدد ممكن من القوى السياسية الموجودة على الساحة اللبنانية لتصبح بمثابة جائزة ترضية للجميع.
ونقلت جريدة الحياة اللندنية عن مصدر فى كتلة المستقبل النيابية، أن الزيارة التى قام بها الموفد السعودى وزير الدولة للشئون الخليجية ثامر السبهات فى 27 من أكتوبر الماضى كان الغرض منها تقديم الدعم لخيار الحريرى وتأييد عون لإنهاء فترة الفراغ الرئاسى.
وأضافت المصادر: إن القيادات التى اجتمعت مع الموفد السعودى لمست منه أن المملكة تدرك أن غيابها عن البلد فى المرحلة الماضية ترتب عليه إخلال فى التوازن فيما يخص الاهتمام بلبنان قياسًا إلى حضور إيران التى تتصرف على أن لبنان جزءًا من ساحة الصراع الذى تخوضه مع الدول العربية.
وأوضحت المصادر نفسها أن الجانب السعودى شدد على أن المملكة لن تترك البلد، معربًا عن نية الرياض لرفع مستوى الاهتمام بالوضع اللبنانى وطريقة هذا الاهتمام متروكة وفقًا لتقديرها. وأضافت المصادر: إن الحريرى كان على تنسيق مع الجانب السعودى فى شأن الخطوة التى أقدم عليها بدعم ترشيح عون.

ترحيب دولى
رحب المجتمع الدولى بانتهاء فترة الفراغ السياسى فى لبنان واختيار العماد عون رئيسًا جديدًا، كان من أول المهنئين بهذا الإعلان، الرئيس الإيرانى حسن روحانى، حيث أجرى مكالمة هاتفية مع ميشال عون أكد فيها أن انتخابه جاء فى وقت حساس جدًا لما تشهده المنطقة من مخاطر التيارات التكفيرية والجماعات الإرهابية وأطماع الكيانى الصهيونى، مضيفًا: إن طهران، «على يقين بأن ذلك سيسهم فى تعزيز محور المقاومة اللبنانية فى وجه هذه المخاطر». كما أعلن روحانى عن استعداد بلاده لتعزيز العلاقات مع لبنان فى جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.
وأعلنت واشنطن، أن خطوة انتخاب عون تشكل فرصة للبنان للخروج من سنوات الجمود السياسى، مؤكدة التزام الولايات المتحدة بدعم واستقلال لبنان وسيادته واستقراره. كما أعربت موسكو عن ارتياحها لتخطى أزمة الرئاسة التى استمرت لأعوام، وأصدرت الخارجية الروسية بيانًا أوضحت خلاله أن روسيا تدعو إلى مزيد من الاستقرار فى البلاد لتعزيز خطوات التنمية المستدامة التى يسعى إليها جميع المواطنين فى البلاد.
وأعلنت مسئولة السياسة الخارجية والأمن فى الاتحاد الأوروبى، فيديريكا موغيرينى التزام الاتحاد الأوروبى الكامل بدعم لبنان فى جميع المجالات، خصوصا فى أزمة اللاجئين، مشيرة إلى أن الوحدة الوطنية المرتكزة على الدستور، واتفاق الطائف، وإعلان بعبدا، والامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولى، من بينها القرار 1701 الخاص بنزع السلاح من الميلشيات، تبقى أساسية لمستقبل لبنان.
وعلى الصعيد الاقليمى، فقد أعلنت جميع الدول العربية تأييد خطوة انتخاب الرئيس اللبنانى، خاصة بعد ما تشهده بعض البلاد العربية من توتر فى الأوضاع خاصة فى العراق واليمن وليبيا وسوريا.

تحديات الرئيس اللبنانى
يرى مراقبون أن عهد الرئيس الجديد ميشال عون (83 عامًا) لن يكون إلا ساحة جديدة من المواجهات التى سيخوضها لتحقيق ما تضمنه خطاب القسم الذى ألقاه بعد انتخابه والذى يحتاج تحقيق كل بند فيه إلى معارك سياسية قد تصيب العهد الرئاسى الجديد بنكسات، وهو أمر أقر به الرئيس عون فى الخطاب بقوله: إنه «رئيس أتى فى زمن عسير، ويتوقع منه الكثير فى تخطى الصعاب وليس مجرد التآلف والتأقلم معها».
واعتبر عون فى كلمته أن الاستقرار المنشود لن يتحقق إلا بالاستقرار السياسى، الذى يريده عنوانا لعهده دون عقبات، فالقوى التى توافقت عليه رئيساً للجمهورية لها مواقفها ومطالبها السياسية الخلافية، ومنها حزب الله الذى سيسعى لعدم تطبيق الاتفاقيات الدولية واتفاق الطائف، بالإضافة إلى الاعتراف بالمقاومة كقوى عسكرية فى لبنان، ومشاركتها فى الحرب السورية.
من جهة أخرى، يرى الصحفى اللبنانى على حمادة أن الملفات الخلافية وأهمها سلاح حزب الله «سوف يتم تغييبها» عن عهد عون، معرباً عن اعتقاده بأن هناك «توافقا وتفاهما» بين كل الأطراف السياسية على تحاشى وتجاوز قضية سلاح حزب الله ومشاركته فى الحرب السورية والالتفات أكثر لإدارة الشأن اللبنانى، الذى يواجهه العديد من الأزمات.
وتتعرض بلاد «الأرز» للعديد من المشاكل والأزمات الداخلية، ومنها توافق الأطراف السياسية على قانون جديد للانتخابات لتعود السلطات الثلاث إلى ممارسة مهامها بشكل شرعى ودستورى، وذلك بعد فرض مجلس النواب (آخر انتخاب له فى 2009) تمديدين قسريين لولايته فى 2013 – 2014 من دون احترام الإرادة الشعبية أو المواعيد الدستورية لإجراء الاستحقاقات.
ومن أهم مخاوف الشارع السياسى اللبنانى ان يتم التأخر فى موعد تشكيل الحكومة لأكثر من 6 أشهر، فيتداخل هذا الموعد مع موعد إجراء الانتخابات النيابية، فضلًا عن أن التأخر فى تشكيل الحكومة سيترتب عليه مزيد من الرفض الشعبى خاصة فى الطائفة السنية تجاه رئاسة عون، والمزيد من الاحتقان لسعد الحريرى لمصلحة الزعيم الصاعد فى أوساط هذه الطائفة أشرف الريفى الرافض بشكل مطلق خيارات الحريرى خصوصًا ترشيحه لعون للرئاسة.
ومن أهم المشاكل التى ستواجه الحكومة اللبنانية هى ملف اللاجئين السوريين، وقد يمنح وصول عون اشتعال موجة من العنصرية السياسية ضد اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وتحميلهم كل المشاكل البنيوية التى راكمها تراجع النظام الخدماتى منذ انتهاء الحرب الأهلية وحتى قبل لجوء السوريين إلى البلاد، وسيعانى الجنرال من إيجاد موقف رسمى موحد من قضية اللجوء لعرضه على المحافل الدولية، وقد عبر مسئولون أمميون فى مراحل متفاوتة عن قلقهم بسبب تفاوت الخطط الوزارية المخصصة للتعامل مع قضايا اللاجئين بحسب الخلفية السياسية للوزراء المعينيين.
من جهة أخرى نرى أن مشكلة غلاء المعيشة والقمامة بالإضافة إلى ملف النفط الذى ينتظر إصدار رئيس الجمهورية للمراسيم التشريعية تمهيدًا لبدء عملية استخراج النفط والغاز من المياه الاقليمية، الأمر التى سبقتها فيه قبرص واليونان وإسرائيل ومصر، والذى يؤكد ضرورة التوصل لصيغة تفاهم بين القوى السياسية ورأس الدولة بغض النظر عن الاتجهات العقائدية أو السياسية.

التــــوقعـــات

وعلى الرغم من تفاقم الوضع الداخلى فى لبنان، الا أن أهم الصعوبات تكمن فى السياسية الخارجية التى ستتبع فى الفترة القادمة، خاصة فيما يتعلق بالقضية السورية والتوغل الإيرانى داخل الساحات السياسية بعد أن أصبح له ظهير سياسى متمثل فى رئيس الدولة، بالإضافة إلى العلاقة مع دول الخليج وبالأخص السعودية التى تمر العلاقات بين البلدين بمرحلة حرجة خاصة بعد تجميد معونة التسليح السعودية لقوات الجيش اللبنانى والتى تقدر بـ3 مليارات دولار، وذلك اثر عدم إدانة بيروت للاعتداء على سفارة المملكة العربية السعودية وقنصليتها فى طهران مطلع العام الحالى، الأمر الذى دعى الرياض باستصدار بيان بمراجعة شاملة لعلاقاتها مع الجمهورية اللبنانية بما يتناسب مع هذه المواقف ويحمى مصالح السعودية.
ونستعرض فيما يلى أهم الملفات الخارجية الشائكة والتى قد تؤدى الى توتر فى الجبهة اللبنانية فى المرحلة المقبلة.

ايــران

قال فادى عاكوم، المحلل السياسى اللبنانى،  إن دول الشام أصبحت تتبع فى هذه الفترة سياسة «ولاية الفقيه» التابعة لإيران وللتيار السورى، وهى سياسة لم تشهدها المنطقة من قبل، حيث إنه يمكن للقوات الإيرانية التدخل بالشكل المباشر فى أى تصادمات داخلية كما حدث فى سوريا، وأضاف: «أعتقد إنه بعد معركة الموصل والمشاركة العالمية لايران من خلال الحرس الثورى أو دعمها للحشد الشيعى واقترابها من الحدود السورية الأمر الذى يؤكد تقوية النفوذ الإيرانى فى المنطقة وبالتالى زيادة قوى ونفوذ حسب الله داخل لبنان وخارجها»، وأرجح عاكوم: إنه من المتوقع أن يتم فرض سياسة حزب الله وإيران فى الداخل اللبنانى، خاصة بعد أن أصبح له ظهير سياسى داخل قصر بعبدا وأيضًا فى البرلمان، حيث إن هناك مجموعة نبيه برى رئيس البرلمان، وعدد الأعضاء التابعين ـ الشيعى ـ والذى يصل عددهم إلى ما يقرب 60 نائبًا، بالإضافة إلى ما يسمى بـ«الثلث المعطل» فحزب الله دائمًا ما يحصل على ثلث عدد الوزراء حتى فشل التصويت على أى مشروع لا يرضى اتجاهاته.

ســـوريا

أكد عاكو أن القضية السورية ستبقى المحور الشائك داخل لبنان، خاصة بعد انتخاب الجنرال عون، وعلى الرغم من أنه عهد بتحييد لبنان عن الصراعات الخارجية الا أنه لن يستطيع التعهد بنزع سلاح المقاومة أو الوقوف أمام انخراطها فى الحرب السورية، كما أن الحكومة المرتقبة برئاسة سعد الحريرى لن يكون دورها مؤثرًا بشكل كبير للحد من توغل النظام الإيرانى والسورى فى الداخل اللبنانى، الأمر الذى سيؤدى لمزيد من الاحتقان والتوترات فى الشارع السياسى اللبناني، وفيما يتعلق بقضية تسليح قوات المقاومة، قال عاكوم: من المتوقع أن يزداد الدعم الإيرانى لتسليح قوات حزب الله وزيادة عدد مقاتليه فى الفترة المقبلة، وستظل قوات الحزب عضوًا أساسيًا فى الحرب السورية، حتى يتم استقرار الأوضاع، وفيما يتعلق بإمكانية نشوب حرب أهلية مرة أخرى فى لبنان بسبب عدم نزع تسليح حزب الله قال الباحث السياسى: «لا يوجد داخل لبنان أى قوى تستطيع أن تقف أمام تسليح حزب الله ولا حتى قوات الجيش فالوقوف أمام حزب الله فى الوقت الراهن بمثابة انتحار جماعى» مضيفًا: إن الأوضاع لن تصل لحد الحرب الأهلية ولكنها ستقف فقط على حد النزاعات السياسية بين الطوائف المختلفة.

السعــودية

قال السفير أشرف حربى مساعد وزير الخارجية السابق، إن اختيار ميشال عون جاء بناء على توافق القوى السياسية اللبنانية، وذلك بعد ادراك القوى المعارضة لانتخابه لما قد يحمله الموقف المتأزم سواء فى داخل لبنان أو على المستوى الإقليمى، وقد أعلنت المملكة العربية السعودية مساندتها لاستقرار لبنان فى الوقت الراهن، خاصة بعد معركة تحرير الموصل من الجماعات الإرهابية والتى ستسعى إلى الهروب من العراق إلى بعض الدول منها ليبيا ومصر وسوريا، واستقرار لبنان يعتبر حائطًا منيعًا لتوغل هذه الجماعات فى المنطقة، من جهة أخرى أكد السفير أن الرياض كانت تدعم الأحزاب السنية من قبل، ولكن فى الوقت الراهن بسبب الانخراط فى حرب اليمن وسوريا فستعمل فقد على دعم الوضع الراهن فى بيروت، مع مراعاة تنفيذ الاتفاقيات الدولية واتفاق الطائف، ومن المتوقع أن المملكة ستبقى على العلاقات القوية مع لبنان، اما فيما يتعلق بمعونة تسليح الجيش اللبنانى فهو أمر متروك للرياض، لأنه فى المقابل لا بد من تقديم ضمانات من الجانب اللبنانى بعدم المساس بالمواثيق والمعاهدات الدولية.