الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تأويل داعش للآيات والأحاديث تضليل للعامة والشباب

تأويل داعش للآيات والأحاديث تضليل للعامة والشباب
تأويل داعش للآيات والأحاديث تضليل للعامة والشباب




أصدر مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية  عددًا جديدًا من نشرة «إرهابيون» والتى تقدم قراءة تحليلية فى فكر الجماعات الإرهابية، وجاء العدد الجديد من «إرهابيون» تحت عنوان: «لم يخذلوا عن دولتكم .. بل أنتم من شوَّهتم دولتنا».
حيث رصد العدد الجديد من «إرهابيون» إصدارًا جديدًا لتنظيم داعش الإرهابي، جاء تحت عنوان: «خذلوا عن دولتكم»، والذى أطلقته ما تُسم «ولاية الخير»؛ يبررون فيه قتل المدنيين ممن يسمونهم الكفار من غير المسلمين، ويلقون باللائمة على علماء المسلمين الذين يقولون بأن الإسلام نهى عن قتل المدنيين، واصفين هؤلاء العلماء بأنهم «حمير العلم»، وتناسوا أن من يحمل العلم ويطوِّعه لقتل الناس وترويعهم هو أقل من الحمير التى تحمل أسفارًا.
 وأوضحت «إرهابيون» أن الفيديو الجديد لداعش ذكر أسماء مجموعة كبيرة من علماء جميع التيارات بما فيهم علماء رسميين فى مصر ومجموعة من البلدان العربية، ووصفهم الفيديو بأنهم تخاذلوا عن الجهاد فى سبيل الله وأنهم لم يطلقوا طلقة واحدة مع المجاهدين فى سبيل الله.
من جانبها ردَّت «إرهابيون» بأن هذا التنظيم الإرهابى قد حصر الجهاد فى القتل فقط، وتناسوا الجهاد الأكبر وهو مجاهدة النفس، ولقد انتبه ابن القيم إلى هذه الحقيقة فقال: «إن العبد ما لم يجاهد نفسه أولاً لتفعل ما أمرت به وتترك ما نهيت عنه، ويحاربها فى الله لم يمكنه جهاد عدوِّه فى الخارج والانتصاف منه، بل لا يمكنه الخروج إلى عدوِّه حتى يجاهد نفسه على الخروج»؛ لذلك يعظُم دور العلماء هنا فى حثِّ الناس على الالتزام بما أمر به الله ونهيهم وردعهم عما يخالف ما جاء به الشرع الحنيف، وهذا الدور أكبر بكثير من «جهاد القتل» الذى يزعمون، فهؤلاء العلماء صمام الأمان فى الأمة لردع الشباب وحمايتهم من الانزلاق فى التكفير الذى يؤدى بهم إلى التفجير، وهم الذين ينيرون عقول الأمة بالدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة.
وتابعت «إرهابيون»: إن التنظيم الإرهابى «داعش» زعم- فى هذا الفيديو- أن الأصل فى دماء الكفار الحل والإباحة، مستندين إلى قول النبى صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّى مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ»، زاعمين من خلال فهمهم المغلوط أن النبى صلى الله عليه وسلم أكد  أن أصل العلاقة بين المسلمين وغيرهم من الكفار علاقة حرب وقتال، حتى يدخلوا الإسلام أو يعصموا دماءهم بالطرق التى جاءت بها الشريعة كدفع الجزية والعهد والأمان.
وبرر التنظيم عملياته التى يقوم بها ضد المدنيين من غير المسلمين بأنهم لم يؤمنوا بالله ولم يدفعوا الجزية ولم يعطهم أحدٌ الذمة أو العهد، باعتبار القاعدة التى تنص على أن الكفار إما أهل حرب وأما أهل عهد، وما داموا لم يأخذوا العهد من أحد ولم يؤمنوا فقد استحقوا القتل.
وأضاف مرصد الإفتاء فى نشرته إن التنظيم الإرهابى برَّر قتل المدنيين على لسان من يُدعى بـ«أبو إيثار الجزراوي»، الذى استدل على قتلهم للمدنيين بأن النبى صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق فى الطائف، فقتل به المحاربين وغير المحاربين، باعتبار أن هذه الآلة عندما تطلق قذيفتها لا تفرق بين مدنى ومحارب، أو بين مقاتل وغير مقاتل، زاعمًا حِلَّ هذا الأمر بما فعله النبى صلى الله عليه وسلم وهو استدلال خاطئ فى غير موضعه.
من جانبها قالت «إرهابيون»: إن حديث رمى النبى صلى الله عليه وسلم لأهل الطائف بالمنجنيق ضعيف، ولم يثبت أن ضرب النبى صلى الله عليه وسلم أهل الطائف بالمنجنيق، إنما حصارهم دام أربعين يومًا ثم انصرف الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم عائدًا إلى مكة، ويؤكد هذا ما جاء فى جزء من حديث الإمام مسلم رضى الله عنه عن أنس رضى الله عنه قال: «.. ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الطَّائِفِ فَحَاصَرْنَاهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى مَكَّةَ فَنَزَلْنَا..» وليس فيها رمى بالمنجنيق.
أما عن فهم داعش الخطأ لحديث «أمرت أن أقاتل الناس..» فقد ردَّت «إرهابيون» بقولها: «ليس المراد من الحديث أن القتال وسيلة من وسائل دخول الناس فى الإسلام؛ بل المراد أن الإسلام الذى يُستدل عليه بالنطق بالشهادتين مانعٌ من القتال، لا أنه غاية أو هدف له، ومثل ذلك قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة: 29]، فليس المراد أن إعطاء الجزية هو الهدف من القتال ولكنه مانعٌ منه.
وأضاف مرصد الإفتاء فى العدد الجديد من «إرهابيون»: إنه إذا كان فهمهم أن الإسلام قد انتشر بالسيف والقتل؛ فإن هذا الفهم غير صحيح؛ لأن العقائد لا تُغرس أبدًا بالإكراه، وذلك أمر معروف فى تاريخ الرسالات، قال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}[هود: 28]، وقال تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: 29]، وقال تعالى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[يونس: 99]، وقال تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}[البقرة: 256]، والنصوص والحوادث فى ذلك كثيرة، فكيف يغفل هؤلاء عن كل هذه الأدلة الصحيحة والقطعية التى تحرم الإكراه على الدين وقتل الأنفس البريئة.
وأكدت النشرة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى أصحابه فى الغزوات عن قتل النساء بقوله: «انطلِقُوا باسم الله، وبالله، وعلى مِلَّةِ رسول الله، ولا تقتُلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلاً، ولا صغيرًا، ولا امرأةً، ولا تَغُلُّوا، وضُمُّوا غنائمَكم، وأصلِحُوا {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}».
ولفتت «إرهابيون» إلى نقطة مهمة وخطيرة فى فكر هذا التنظيم الإرهابى وهى استدلالهم- فى بعض الأحيان- بالآيات والأحاديث الصحيحة فى تبرير أفعالهم الإجرامية، وإراقتهم للدماء، وهذه النقطة بمثابة دس السم فى العسل؛ حيث يؤكدون للناس أن لديهم من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة ما يبرر ما يقدمون عليه من قتل وترويع، وهذا أمر غاية فى الخطورة إذ يقومون بتفسير هذه الآيات والأحاديث بصورة خاطئة لا تفهمها عوام الناس ولا الشباب قليلو العلم الشرعي، وبالتالى سرعان ما يسقطون فى شباك هذا التنظيم المتطرف، ويمارسون العنف، إما بصورة تنظيمية داخل التنظيم، وهو ما نراه فى داعش وغيرها، أو بصورة منفردة فيما يسمى ظاهرة «الذئاب المنفردة» التى تُؤمن بفكر التنظيم لكنها تقوم بعمليات نوعية منفردة من خلال مجموعة من الأشخاص تتراوح بين الفرد الواحد أو الخمسة أفراد، وغالبًا ما تتسم عملياتهم بقلة الخبرة لافتقادها التأهيل داخل صفوف المسلحين فى هذه التنظيمات الإرهابية.
وأوصت إرهابيون بأنه لا بد من رصد هذه الأدلة من قِبل العلماء المعتدلين وبيانها للناس، وبيان الغاية الصحيحة منها، وتوضيح الفرق بين غايتها النبيلة وبين هذه التفسيرات المغلوطة من قبل هذه الجماعات المتطرفة؛ وهذا بدوره يأخذنا إلى نقطة مهمة وهى «تجديد الخطاب الدينى ودوره فى علاج أفكار التكفير»، والذى بدوره يعمل وفق استراتيجية تعمل على تجديد طريقة التفكير فى المورث الديني، وكيفية التعامل مع هذا الموروث وفق سياق العصر الحديث؛ حتى لا نترك الناس عرضة لهذه التفسيرات المغلوطة.
وأضافت إرهابيون إن داعش حرَّض- فى هذا الإصدار الجديد- المسلمين فى بلاد الغرب على قتل المدنيين مستشهدًا بحادث الدهس فى ولاية نيس بفرنسا، والتى أطلق عليها «غزوة نيس المباركة»، وحث المسلمين فى حالة الانفراد بأى ممن وصفهم بالكفار بقوله: «فتوكل على الله واقتله بأى وسيلة أو طريقة كانت» وتابع: «ولا تشاور أحدًا ولا تستفت أحدًا، سواءً كان الكافر مدنيًّا أو عسكريًّا، فهم فى الحكم سواء، كلاهما كافر، محارب، مستباح الدم والمال»، مضيفًا: «الدماء لا تعصم بالملابس، فلا الزى المدنى يعصمها، ولا الزى العسكرى يبيحها، وإنما تعصم بالإسلام والأمان، وتباح بالكفر».
واختتمت إرهابيون عددها الجديد بأن هذه الأفكار المتطرفة والأفعال الإرهابية تعطى صورة سيئة عن الإسلام فى الغرب، كما أن الإعلام الغربى يرددها ليل نهار ويقدمها على أنها أفكار السواد الأعظم من المسلمين، والتى بدورها تقدم تبريرًا جديدًا لجرائم الكراهية والتمييز أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا ضد المسلمين فى الغرب.