الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

2 مليار جنيه ميزانية 230 ضابطاً بمكتب المباحث الفيدرالية الأمريكية بجاردن سيتي





 روزاليوسف اليومية : 15 - 07 - 2011

تمتلك المباحث الفيدرالية الأمريكية المعروفة باسم "إف بي آي" أكثر من 55 مكتباً حول العالم يوجد في مصر أحدها في السفارة الأمريكية بجاردن سيتي بالقاهرة وهو مكتب كبير مسئول إقليميا عن النشاط في مصر وتشاد وليبيا والسودان وهو الأكبر بين 8 مكاتب رسمية للجهاز في قارة أفريقيا وطبقا للقانون الأمريكي الخاص بأجهزة الأمن والمخابرات يعتبرون ضيوفاً بداخل السفارة الأمريكية ولا يتبعون لها ولا يسيطر عليهم السفير الأمريكي وأوامرهم تصدر لهم مباشرة إما من قيادتهم في واشنطن أو مباشرة من الرئيس الأمريكي حيث يتبعون له مباشرة.
ويوجد في مدخل مكتبهم بالقاهرة لافتة رخامية لذكري تأسيس المكتب ومن الغريب أن تاريخ تأسيسه هو 14 أكتوبر 1981 أي أول يوم تولي فيه محمد حسني مبارك رئاسة مصر وتشير المعلومات إلي أن الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات قد رفضا وجود مكتب دائم لهم علي أرض مصر.
ويتبع إدارة وزارة العدل الأمريكية واسمه "مكتب العدل" لغتهم الرسمية هي العربية بلهجة مصرية ويعلنون كل عام عن طلب عملاء عرب يتحدثون العربية المصرية وفي العهد السابق كان تواجدهم بمصر شيئاً مألوفاً.
يبحثون في صناديق البريد الإلكتروني وفي مخلفات الزبالة الاقتصادية للبنوك والمؤسسات المالية الكبري، ويسعون وراء أموال نظام مبارك الهاربة وقد حققوا تقدما كبيرا، لديهم علم بما جري في قصة سرقة زهرة الخشخاش ويتصلون بجمعيات حقوق الإنسان لمساعدتها، لديهم أرشيف موثق علي جرائم نظام مبارك بل لديهم كما يعلنون معلومات قضايا لم تكتشفها السلطات المصرية نفسها حتي الآن، ويحاربون جرائم تهريب الأطفال من محافظات مصر للخارج ويساعدون في جمع المعلومات عن الهاربين من مصر ولديهم ملفات مالية مهمة، ويمكن أن يلقوا القبض علي تاجر آثار أو مهرب مخدرات أو مزور يشكل خطورة عليهم ومن ثم تسليمه للقاهرة، كما قام ضباط المباحث الفيدرالية بالقاهرة برصد الثورة المصرية منذ أن كانت علي الإنترنت وجمعوا ملفات كل المشاركين فيها وتعرفوا علي بعض منهم وكتبوا تقارير سرية عنها، وحجبوها عن نظام مبارك حتي يسقط، كما يراقبون حركة الفيس بوك المصرية ويصادقون الكثيرين من نشطاء التحرير بالاسم، وتدخلوا عدة مرات لإنقاذ المدونين من نظام مبارك الذي أراد القضاء عليهم، ويحاربون جرائم الانترنت الصادرة من القاهرة ولديهم برنامج تدريب علي اللغة العربية وكانوا من أشد المعارضين لنظام التوريث في مصر ويؤمنون كل ما هو أمريكي في مصر من السفارة لمنازل الجالية المؤقتة بحي دجلة وحتي الأطفال في المدرسة الأمريكية بالمعادي.
وهيئة ضباط المباحث الفيدرالية بالقاهرة تذكرنا بهيئة المخبر المصري القديم الذي يضع العصا تحت إبطه لكنهم يختلفون عنه بنظاراتهم السوداء والبدل الرسمية الداكنة، وهم أيضا في شرم الشيخ والغردقة ومرسي علم وحتي في مارينا بالشورت والكاب مع نفس النظارة التي لا تفارقهم تقريبا.
من وجهة نظرهم تواجدهم في القاهرة لمصلحة الطرفين وهم يعملون لتأمين مصالح الولايات المتحدة عبر البحار لمنع الجريمة خاصة الإرهاب بشكل عام قبل أن يحدث وإن تم فمتابعته عبر دول العالم، ولديهم الحجة قوية فقد ساعدوا مصر في العديد من المواقف والقضايا أحدثها قضية شبكة الاحتيال الدولية علي البنوك المصرية عبر الإنترنت التي ضبطت في مصر في سبتمبر 2010 وفيها ألقي القبض علي 23 مصريا سرقوا بمساعدة أمريكيين حسابات 5 آلاف عميل علي مدي عامين كاملين وكانت المباحث الفيدرالية قد كشفت عن بياناتها في 9 أكتوبر 2009 وأطلقت عليها اسم عملية (فيش فيري).
في عام 2010 كانت ميزانية المباحث الفيدرالية الأمريكية الرسمية 7.9 مليار دولار أمريكي حصل منها مكتب القاهرة علي أكثر من مائتي و30 مليون دولار لكنهم في ميزانية 2011 يؤكدون أن الميزانية قد زادت لتصبح 340 مليون دولار، وغير معروف في أي نشاط أو مشروع تصرف تلك المبالغ بسبب سرية العمليات لديهم، فقط مليون دولار واحدة معروف أنها مخصصة سنويا لتأهيل ما سمي بجهاز أمن الدولة وضباطه للتعامل الإنساني مع الشعب المصري.
لكن من حجم التكنولوجيا المتاحة لديهم ومن شكل الأدوات التي يستخدمونها والتي كان منها تلك السيارة التي سرقت في أثناء الثورة المصرية وقتلت الشهداء بشارعي منصور وقصر العيني ومن حقائب تذاكر السفر المستعملة بين دول العالم التي تسجل ضمن الميزانية السنوية التي يعكفون علي الانتهاء منها حاليا وكذلك بسبب أنهم مكتب إقليمي كبير مسئول عن عدة دول إفريقية أخري يمكننا أن نتفهم لماذا كل هذه الميزانية السنوية.
"إف بي آي" تاريخيا بدأ كمكتب تحقيقات قانونية صغير في عام 1932 وفي عام 1935 أعلن الكونجرس عن تحويله لجهاز مستقل وتحول اسم المكتب من "مكتب فرض القانون" إلي مكتب التحقيقات الفيدرالية ومن يومها أصبحت تحقيقاتهم يمكن أن تتدخل في كل شيء من انتشار الباعوض إلي هبوط سفن الفضاء ومن سرقة المؤلفات لسرقة الأهرامات والآثار المصرية فهم من ساعد شرطة سكوتلاند يارد الإنجليزية علي ضبط قضية الأثار المصرية الشهيرة في عام 2003 والتي حكم فيها علي تاجر الآثار المصري "طارق السويسي" وآخرين وكانوا قد حذروا في آخر سنوات الرئيس المخلوع نجله "علاء مبارك" بأنهم ربما سيكونون مضطرين للقبض عليه وتقديمه للمحاكمة بسبب نشاطه في تجارة الآثار غير المشروعة مع آخرين نافذين في القاهرة فكانت النتيجة أن ضيق العادلي ومبارك عليهم الخناق وربما من هذا المنطلق قرروا حجب معلومات الثورة المصرية عنهما بالقصد حتي يسقط النظام.
وأكد ضباط المباحث الفيدرالية الأمريكية بالقاهرة أنهم يتابعون كل الأمريكيين في مصر ويعملون علي مدي 24 ساعة لحمايتهم وللحماية منهم لو عملوا ضد بلادهم وتتنوع مهام عملهم من تأمين الحقائب الدبلوماسية الأمريكية لتأمين السفير الأمريكي بالقاهرة إلي تأمين الجالية الدبلوماسية وكشف القضايا الغريبة أيا كانت، ومن مكافحة الإرهاب حتي مرافقة أطفال المدرسة الأمريكية بالمعادي حيث لا يوجد لديهم ما يعرف بالإجازات أو المحاذير أو البريستيج في العمل طالما أنها مصالح الولايات المتحدة الأمريكية العليا، كما أن لديهم تعليمات رسمية صريحة في حالة الطوارئ القصوي أن ينضموا إلي فرقة الشين بيت الإسرائيلية في السفارة الإسرائيلية ولديهم خطط كاملة لعمليات إجلاء الرعايا الأمريكان من مصر خلال 24 ساعة فقط والجنسية الوحيدة المسموح لها بالتمتع بخدمة الإخلاء الطارئ الأمريكية من مصر هم الإسرائيليون دون غيرهم.
عددهم حاليا يتعدي ال230 فرداً منهم 40 عميل يهودي الديانة يحتفلون بالأعياد اليهودية مع جالية السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، ومن المجموع 15 ضابطاً يعملون في المكتب بشكل ثابت وهم الأعلي رتبة وتوكل إليهم التحقيقات الفعلية ويطلق عليهم لقب "الضابط العميل" أما الباقي فمجرد حراس تابعين للمباحث الفيدرالية ولقبهم "عميل حارس" وضباط هذا المكتب هم الوحيدون العارفون بأسماء ورتب ضباط المخابرات الأمريكية الموجودين بالسفارة.
وعلاقتهم المباشرة بوسائل الإعلام معدومة في العلانية غير أنهم علي علاقة جيدة ببعض الصحفيين بالقاهرة خاصة الأجانب منهم ومع ذلك لديهم فوبيا من الصحافة المصرية ويتهمونها بالجهل لأن عملهم بالقاهرة غير مشكوك فيه علي حد زعمهم وهو شيء عادي لا يضر بأحد ويطلقون علي أنفسهم (الشركاء).
وللمباحث الفيدرالية في مصر عمل بوليسي يومي وكأنهم في أمريكا فمثلا يبحثون حاليا عن مواطن مصري يدعي "ياسر عبدالسيد" مواليد سيناء المصرية في 27 يناير 1957 وكان يعمل سائقا للتاكسي في ولاية تكساس الأمريكية وقضيته تبدأ في 1 يناير 2008 عندما اصطحب ابنتيه المراهقتين في نزهة بالتاكسي بدعوي أنه يريد تناول الطعام معهما وفي الطريق انحرف لمنطقة (إرفينج) حيث قام بإطلاق النيران عليهما فأرداهما في الحال ومن يومها والمباحث الفيدرالية تبحث عنه في مصر كلها.
أما ثاني أشهر من تبحث عنهم من المصريين المباحث الفيدرالية في مصر فهي سيدة مصرية تدعي "مرفت صفوت عبد المنعم النادي" وهي من مواليد 23 فبراير 1970 وتهمتها خطف طفليها نور ورامزي من طليقها المصري المقيم في بوسطن ماساشوستس وذلك في 11 أغسطس 2009 ومازالت المباحث الفيدرالية تبحث عنها في مصر حتي اليوم.
نشاطهما في مصر له عدة أوجه الأشهر كان في 7 أكتوبر 2009 عندما قبضوا في حي المهندسين بالقاهرة علي مواطن أمريكي الجنسية يدعي "كيري سلوكوم" اتضح أنه قتل أربعة أشخاص في فيلادلفيا عام 2008 وهرب بهوية مزيفة للقاهرة حيث افتتح شركة وعاش بها، لكن ضابط المباحث الفيدرالية بالقاهرة "كيفين ماك شين" رصد تحركاته وفي فرع شركة (ويسترن يونيون) قبض عليه ونقل للولايات المتحدة الأمريكية حيث تمت محاكمته في المحاكم الأمريكية.
قضية أخري من شهر يونيو عام 2009 اطلقوا عليها اسم (الرحلة من القاهرة) متهم فيها رجل وامرأة أمريكيين من أصل مصري باسم جوزيف وماريا يعملان في نشاط سرقة اللوحات الفنية النادرة من المتاحف بين القاهرة والولايات المتحدة الأمريكية وتشتبه المباحث الفيدرالية في ضلوعهما في سرقة عدد من اللوحات من مصر أيضا غير أن تلك القضية لا تزال مفتوحة حتي الآن بسبب عدم إلقاء القبض علي جوزيف وماريا بعد وهما اللذان تشتبه حاليا السلطات الأمريكية في ضلوعهما في سرقة لوحة الخشخاش لكن لا يوجد دليل حتي الآن.
حققت في مصر حول قضايا عديدة كانت منها القضية الشهيرة التي أطلق عليها (رجل فيلادلفيا) وتمت أحداثها في الفترة بين عام 2004 ومايو 2007 واتهم فيها المواطن الأمريكي من أصل مصري "عمر رشاد" الملقب ب(البيه) الذي اعترف بالجريمة في 15 سبتمبر 2010 وهو من مواليد 1977 ومقيم في فيلادلفيا ومعه "فردان أسمر عبد الحميد" مواطن عربي من أصل خليجي مقيم في فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية مواليد عام 1981 رصدهما مكتب "إف بي آي" بالقاهرة بسبب ترددهما علي القاهرة علي فترات متقاربة وببحثهم عنهما كشفوا عن شبكة دعارة أمريكية - مصرية خطيرة كانت تجند فتيات الجالية الأمريكية المسلمة من المساجد الإسلامية في أمريكا بدعوي الزواج منهن بعدها كانت تحضر الفتاه للقاهرة بعد تدبير عقد عمل رسمي لها وفي القاهرة كانا يتصرفان بالفتاة كما يحلو لهما وفي القضية هرب المتهم الأول من أمريكا للقاهرة بعد أن حملت منه فتاة مسلمة تبلغ من العمر 15 عاما تعرف علي أسرتها في أحد المساجد بفيلادلفيا، الغريب أنه عندما هرب أخذ معه الأخت الصغري لنفس الفتاة وهي قاصر تبلغ من العمر 14 عاما بعد أن أقنعها بأنه سيتزوجها غير أنه لم يفعل.
في القاهرة قام بالاعتداء عليها فحملت منه وأنجبت طفلا بعدها راح يعاملها بقسوة فاتصلت بأهلها في أمريكا حيث أبلغا السلطات هناك، من هنا تابعت المباحث الفيدرالية القضية لأنها خارج حدود الولايات المتحدة ليتم القبض علي المتهمين اللذين اتضح ضلوعهما في تجنيد فتيات آخريات لممارسة الأعمال المنافية للآداب بمصر محققين من وراء ذلك ملايين الدولارات سنويا وقبض علي الأول في 18 مارس 2010 وقبض علي الثاني في 6 مايو 2010 وحكم علي الأول بالسجن لمدة 10 أعوام وبغرامة قدرها مليوناً و750 ألف دولار أمريكي وكفالة إخلاء سبيل مشروط قدرها 700 ألف دولار أمريكي كما حكم علي المتهم الثاني فيها بالسجن لمدة 30 عاماً مع إطلاق السراح تحت المراقبة الشرطية وغرامة قدرها 200 ألف دولار أمريكي.
أما أحدث القضايا التي عملوا فيها في مصر لجمع المعلومات فهي قضية كشفت في 29 إبريل 2011 بطلها مصري أمريكي يبلغ من العمر 45 عاماً مقيم في إحدي المدن جنوب ولاية إلينوي الأمريكية يدعي "سمير عمر هلال مجدي" حيث اتهم بإرسال رسائل تهديد عبر البريد الإلكتروني هدد فيها بنسف فندق رمسيس بالقاهرة بالقنابل الكيماوية انتقاما من المراسلين الأجانب الذين أقاموا في الفندق وعلي حد رأيه هم من ساهموا في إسقاط النظام المصري السابق بالتغطيات الإعلامية التي ساهموا بها أيام الثورة وقد حكم عليه بالسجن لمدة 3 أعوام وبالغرامة وقدرها 250 ألف دولار وسينفذ الحكم بداية من 4 أغسطس المقبل، أما مهمتهما بالقاهرة حول تلك القضية فكانت معرفة خلفية الجاني الدينية حيث هدد بتفجير الفندق مستخدما قنابل كيماوية وقد اتضح لهم أنه شخص غير سوي وربما يفسر ذلك العقوبة المخففة عليه.
"إف بي آي" لا يخفي أن لديها صلاحيات القبض علي كل من يهدد في نظرها الأرواح البريئة بغض النظر عن الجنسية والمكان والزمان أوحتي القانون المعمول به ويعلنون أن هناك اتفاقيات أمنية وقعوها مع نظام مبارك تتيح لهم حرية الحركة في القاهرة مع أنهم يتحفظون في الكشف عن محتوي تلك الاتفاقيات بدعوي أنها سري للغاية ولا يخفون أن لديهم عدة اتفاقيات أمنية مع دول عربية كبري مثل السعودية والأردن واليمن والجزائر وتونس والمغرب والسودان بل تشاد والصومال أيضا ويؤكدون أنهم في 19 إبريل 2011 قبضوا علي شخص يدعي "أحمد عبد القادر" صومالي الجنسية خطفوه من إحدي الدول العربية في الخليج وحاكموه في 5 يوليو الجاري 2011 في الولايات المتحدة الأمريكية بتهم التمويل والتدريب علي صناعة متفجرات تستخدم في العمليات الإرهابية.
في 12 فبراير 2011 وفي أعقاب ثورة 25 يناير صدرت تعليمات صارمة بتحديد صلاحيات مكتب "إف بي آي" بمصر علي أن يكون عملهم داخل مكاتبهم وألا يتجاوزوا حدود ذلك المكتب لحين فحص ملف التعاون الأمني بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، وعلي الرغم من أن العلاقات الدبلوماسية لا تزال جيدة للغاية لكنهم شعروا بالتغيير الذي حدث في مصر فصرح ضابط كبير منهم قائلا: "كانت مصر متاحة لعملنا أما الآن فقد حدد عملنا داخل جدران المكتب في جاردن سيتي".