الوساطة الإماراتية
خالد عبد الخالق
يكتب: خالد عبدالخالق
الزيارة التى قام بها ولى عهد أبوظبى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لمصر منذ أيام ولقائه الرئيس عبدالفتاح السيسى جاءت فى توقيت بالغ الدقة والحساسية ليس لمصر والإمارات فحسب وإنما للعرب جميعا، جاءت الزيارة بعد ساعات من فوز دونالد ترامب المفاجئ فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، وقد اعلن ترامب مسبقاً عن نواياه تجاه أمن دول الخليج العربى، التى وجدت نفسها فجأة أمام تطور دراماتيكى فى علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، تطور عكسى يقينًا لدى دول الخليج العربى بان أمريكا الثمانينيات والتسعينيات وأوائل الألفية الجديدة غير أمريكا العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين، وهنا لا أفرق بين رئيس ورئيس أو حزب وحزب فكلهم ينفذون أجندة واحدة وإن اختلف الاسلوب، الأمر الآخر أن الزيارة جاءت فى وقت كٌثر فيه الحديث عن جَفٌوة فى العلاقات بين القاهرة والرياض أكدتها تصرفات شركة أرمكوا السعودية وإعلانها توقف امدادات المشتقات البترولية - ليست منحة أو هبة وإنما تسهيلات فى السداد - لمصر المقدرة بنحو 700 ألف طن شهريا.
المصريون عهدهم دائما بالإمارات منذ عهد الشيخ زايد آل نهيان الأب وسار على نهجه الأبناء أنها عندما تتحرك فإن الدافع لذلك هو المصالح العربية الكبرى الأمن القومى العربى بمفهومه الكبير والأمن الوطنى بمفهومه المحدد أيضا، وما يحرك الإمارات فى تلك المرحلة هو الصالح العربى والحفاظ على الأمن القومى العربى، صحيح قد تكون الإمارات فى لحظة ما فى وضع اختيار أو مفاضلة بين انتمائها العربى الواسع وانتمائها الخليجى المحدود؛ إلا أنها دائما ما تتحرك فى المسافة الفاصلة بين تلك الدائرتين «العربية والخليجية» وهى تتحرك فيها بمرونة وسلاسة ولها خبرة كبيرة فى هذا الصدد. لذلك ما من شك فى النوايا الطيبة التى حملها الشيخ محمد بن زايد إلى الرئيس السيسى، ونحن كمصريين لا ينتابنا أدنى شك فى النوايا الطيبة لأشقائنا فى السعودية اتجاه مصر، فمصر لا تنسى وقفة المملكة والملك عبدالله ودعمه لمصر عام 2013.
دول الخليج العربى خاصة السعودية والإمارات بوصفهما: الحليفان الكبيران المشاركان فى تحالف عاصفة الحزم واللذان يتحملان التكلفة الكبرى فى تلك العملية العسكرية سواء ماديا أو بشريا وجدوا أنفسهم أمام تحول مفاجئ وخطير، وجدوا أنفسهم أن عليهم تقاسم النفوذ مع إيران فى منطقة الخليج العربى، حسبما صرح أوباما منذ بضعة شهور فى تصريحات اثارت غضب قادة دول الخليج، وبذلك فإن مرحلة الانكفاء على الذات لم تعد مجدية فى تلك المرحلة الراهنة وبدلا من أن تكون هناك قرارات منفردة واحلافًا تتشكل بصورة مفاجئة عشية ليلة وضحاها؛ اضحى اليوم أن يكون هناك تنسيق وتعاون مشترك اتجاه قضايا أمن المنطقة وأن تكون هناك رؤية عربية فى هذا الوقت الذى للأسف بعدت فيه كل المشاريع والرؤى العربية وصارت الحلول شرق أوسطية أو أوروبية أو روسية أو أمريكية.
فإذا كانت مصر بحاجة إلى دول الخليج اقتصاديا فإن دول الخليج بحاجة لمصر عسكريا وأمنيا وسياسيا، وإذا كانت هناك رؤية واحدة فى السابق اتجاه أزمات المنطقة سواء فى سوريا واليمن وليبيا، فإنه آن الأوان أن يتم اشراك رؤى أخرى غير الرؤية الواحدة الثابتة التى ظلت ثابتة ومهيمنة على المشهد طوال الخمس سنوات الماضية. ولم تصل لنتيجة حتى الآن سوى القتل والدمار والخراب الذى حل بسوريا وشعبها الشقيق الذى أصبح مهجراً ومشتتاً فى بقاع العالم ناهيك عن عدد القتلى والجرحى، رؤية مصر بشأن الأزمة فى سوريا لابد من أن يتم التباحث حولها وإذا كانت قبل خمس سنوات غير مقنعة للأشقاء فى الخليج فإنه آن الأوان لاخضاعها لحوار استراتيجى بين مصر والسعودية والإمارات لأن المخاطر التى باتت تواجه دول المنطقة اصبحت تهديد للوجود وليس للحدود.
قديما قال طرفة بن العبد «إذا كنتَ فى حاجة مرسلاً فأرْسِلْ حَكِيماً ولا تُوصِهِ»، والقاهرة استضافت حكيما قادرًا على ايصال الرسالة واتمنى أن تجد الرسالة التى حملها الشيخ محمد بن زايد من القاهرة أن تجد الأذان الصاغية لها فى العواصم الشقيقة الأخرى، كلنا ثقة ويقينًا أن الإمارات قادرة على تعزيز جهود لم الشمل العربى، وتعزيز وحدة الصف، والعمل على احتواء الخلافات القائمة إزاء سبل التعامل مع التحديات التى تواجه الوطن العربى.