الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

فى خمسينية قرطاج السينمائية السنما العربية تنتصر

فى خمسينية قرطاج السينمائية  السنما العربية تنتصر
فى خمسينية قرطاج السينمائية السنما العربية تنتصر




تونس –  نسرين الزيات

إذا أردت أن تشاهد فيلماً فى أى قاعة من قاعات السينما التى تعرض أفلامًا مشاركة فى أيام قرطاج السينمائية، فما عليك إلا الذهاب قبل ساعة من بدء عرض الفيلم – على الأقل-  لكى تحصل على مكان بين الزحام الشديد الذى هو عادة أيام قرطاج السينمائية.
لا يفرق جمهور السينما فى تونس بين فيلم تونسى أو فيلم مصرى، أو أى فيلم من أى بلد فى العالم، الأهم والفارق الوحيد هو شغفه بحب السينما، واللهفة فى متابعة حكاية فيلم يرويها المخرج كل بطريقته بأدواته السينمائية التى يختارها.

فمن يتابع قرطاج السينمائى، يعلم أن الشعب التونسي، لديه شغف بالفن عموماً، وبالسينما على وجه الخصوص. ما أن تمر على جانبى مقاهى الحبيب بورقيبة، سترى كما هائلا من الشباب، الرجال والنساء، من مختلف الأعمار، متزاحمين أمام دور السينما.
على مدار الأيام العشرة لقرطاج السينمائية، لا يمكن أن تمر صدفة من أمام قاعة سينما وتجدها خالية! كثيرون من أعمار مختلفة، رجال ونساء شباب وفتيات، طلاب جامعة، وغيرهم من مختلف الثقافات والطبقات الاجتماعية المختلفة، يصطفون منذ الساعات الأولى من الصباح أمام قاعات السينما، نجدهم فى صف واحد على سلم قاعة سينما الكوليزيه، والتى تعد أكبر قاعات السينما فى تونس. اعتاد هذا الجمهور الاستثنائى والداعم الحقيقى للسينما فى تونس أن يخلق لنفسه طقسًا خاصًا عقب بداية أى فيلم، فلا يمكن وأنت جالس ومتربص على مقعدك تشاهد فيلماً ما، تسمع ضجيجًا من الجمهور، بل يخلق التنصت والصمت لمشاهدة الفيلم حالة أخرى مدهشة. فى هذه الدورة تحديداً، كان قاعات السينما تضج بالتصفيق والغناء من جانب جمهور السينما أمام برومو المهرجان الذى تم إعداده بعناية وبدقة فنية شديدة حملت صوت الغنى المصرى «محمد منير» وهو يغنى واحدة من أشهر أغنياته «على صوتك» التى قدمها فى فيلم المخرج الراحل «يوسف شاهين».
وعلى الرغم من أن قرطاج السينمائى هو التظاهرة السينمائية التى تكاد وحيدة معنية بجمهور السينما، هو الضيف والفاعل الأقوى للسينما فى تونس، إلا أن عقب الثورة التونسية فى ١٤ يناير ٢٠١١، بات هناك خذلان ووهن يعانى منه الشارع التونسي، فمن خلال متابعتى لأيام قرطاج السينمائية منذ عام ٢٠٠٦ – أى قبل الثورة- وحتى الآن، لم يعد الشعب التونسى معنى بشكل كبير بالسينما، مثلما من قبل، على الرغم من الجمهور وعدد العروض الذى حققتها الدورة الحالية والتى وصل لـ٢٠٠ ألف متفرج فى عدة أماكن متفرقة فى تونس.
وما أكد لى ذلك هو سائق تاكسى، تحدث معى بطريقة حادة عندما أخبرته أنى ضيفة على JCC ، قال لى: فى تونس لا تهمنا السينما ولا التليفزيون الآن، فقط نريد أن نعيش ونعمل، فبدلاً من أن يتم صرف ملايين الدينارات على الأفلام والمسلسلات، نحن كشعب تونسى أحق بكل هذه الأموال!!
ربما هذا مؤشر بسيط لوجهة نظر  لرجل شارع بسيط، ليس لديه طموح سوى أن يعمل على التاكسى، ويعيش حياة بسيطة مستقرة، مثلما هو حال الكثيرين فى مصر.
هذا العام، احتفل فيه السينمائيون بمرور خمسين عاماً على تأسيس أيام قرطاج السينمائية، والتى كانت على يد السينمائى التونسى الراحل الطاهر شريعة عام 1966، وذلك ضمن إقامة فعاليات الدورة السابعة والعشرين من أيام قرطاج السينمائية (من 28 أكتوبر إلى 5 نوفمبر). والذى يعد من أكثر وأهم المهرجانات السينمائية تأثيراً وأهمية فى إفريقيا والوطن العربي. ولسنوات طويلة ظل قرطاج هو الحدث السينمائى الوحيد الذى لا يلتفت إلى نجوم السينما والسجادة الحمراء، بل هو المعنى بجمهور السينما.
وكعادة كل الدورات السابقة فى أيام قرطاج السينمائية، نلهث وراء برنامج العروض السينمائية فى قاعات السينما المتجاورة لشارع الحبيب بورقيبة، وبين أماكن أخرى بعيدة عن وسط المدينة، نشاهد أفلاماً فى برامج وعروضًا موازية من مختلف أنحاء العالم، وأفلامًا جيدة تنافست بشدة فى المسابقات الرسمية هذا العام، وأفلامًا تخلق جدلاً ومناقشات بين اللغة السينمائية، ووجهات نظر صناع الفيلم، وحتى لو اختلف البعض على فيلم واحد.
وقد شهدت الدورة المنصرمة من أيام قرطاج السينمائية توجداً سينمائيًا ملحوظًا للسينما العربية، وخاصة السينما التونسية، والتى حققت نجاحاً كبيراً فى المهرجانات السينمائية الكبرى ورفعت رأس السينما العربية فى العالم، بفيلمين حصلا على كبرى الجوائز فى مهرجان برلين وفينسيا وهما «نحبك هادي» إخراج محمد بن عطية، وفيلم «آخر واحد فينا» إخراج علاء الدين سليم، والفيلمان تم تتويجهما فى ختام قرطاج السينمائية بعدة جوائز.
وكان لمصر تواجد ملحوظ فى هذه الدورة من أيام قرطاج قرطاج السينمائية، فقد حصل فيلم «إشتباك» إخراج محمد دياب، على جائزة التانيت الفضى فى المسابقة الطويلة، وجائزتين أخريين وهما أفضل مونتاج وأفضل تصوير.
وبشهادة عدد كبير من نقاد السينما ممن حضروا عروض أفلام المسابقات، فقد حظى الفيلم المغربى «ديفين» إخراج هدى بن يمينة بإعجاب الكثيرين، حيث تنبأ كل من شاهده بحصوله على التانيت الذهبى، خاصة أنه يعتبر أهم وأفضل فيلم عربى لهذا العام، والذى سبق أن حصل على جائزة الكاميرا الذهبية من مهرجان كان السينمائى فى مايو الماضي. إلا أن لجنة التحكيم قررت منح هذا الفيلم جائزة أحسن ممثلة، وهو ما يعد تقليلا من قيمة الفيلم السينمائية.
مسابقة العمل الأول، كانت الأقوى فى الدورة الماضية، من حيث عدد الأفلام وقوتها، وهو ما جعل أفلامًا أخرى جيدة لا تنال الحظ فى الحصول على جوائز مثل الفيلم الوثائقى الطويل «أبداً لم نكن أطفالاً» من إخراج محمود سليمان، والذى حصل به على العديد من الجوائز الدولية منها أكبر جائزتين فى الدورة الماضية من مهرجان دبى السينمائى. والفيلم يحمل طابعًا خاصًا وتجربة سينمائية فريدة خاضها مخرجه فى تصوير الفيلم منذ عام 2003، وهو يراقب بكاميراته على مدار أكثر من 12 عامًا ما حدث لأسرة من أم تعيش بمفردها مع أطفالها فى ظل تخلى الزوج عنها، وصولاً إلى تورطهم بالمشاركة فى ثورة 25 يناير.
فى النهاية يظل الحكم الأول والأخير على الأفلام المشاركة ونتيجتها تعود إلى لجنة التحكيم وآرائها وتوجهاتها الفنية والسياسية.
وبعيداً عن السينما والأفلام التى تضاء بها تونس مرة كل عام فى أيام قرطاج السينمائية، فإن تونس لم تكن بمنأى عما يحدث فى المنطقة خلال الأعوام الخمسة الماضية، فرغم صغر مساحتها وقلة عدد سكانها، إلا أن هذا البلد الذى يبدو صغيرا لكنه الأكثر تأثيرا فى محيطه أعرف تونس جيدًا، زياراتى المتعددة لها خلال أيام قرطاج السينمائية منذ عام 2006، رائحتها العطرة، وشعبها الدمث بابتسامته الدائمة، والثقافة المصرية المتلاحمة بثقافاتهم فى الغناء والموسيقى والسينما، وأيضًا السياسة. ما أن تسير فى شارع الحبيب بورقيبة حتى تهتز أذناك ويرتعش قلبك على أغانى عبدالحليم حافظ وأم كلثوم وشادية وفايزة أحمد، موسيقاهم وأغانيهم المنبعثة من محلات شرائط الكاسيت، والمحلات التجارية، هذا المزيج الاستثنائى مندمج مع رائحة القهوة الأسبرسو أو الشاى الأخضر التونسى أو كما يسمونه «تاى».
هذه الدورة كانت مختلفة، واستثنائية، فقد أضيئت شوارع مدينة تونس وقاعات السينما بجمهورها الكبير، وكذلك المدن الأخرى خارج تونس العاصمة، والتى شهدت عروضًا سينمائية كثيرة على هامش الأيام.