الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«أسواق الغلابة» تنتعش فى موسم إرتفاع الأسعار

«أسواق الغلابة» تنتعش فى موسم إرتفاع الأسعار
«أسواق الغلابة» تنتعش فى موسم إرتفاع الأسعار




تحقيق وتصوير: دعاء محمد

أسواق الغلابة والمستعمل، أو كما يطلق عليه سوق البسطاء ومحدودى الدخل، هو سوق واسعة الانتشار بين طبقة عريضة فى المجتمع، التى تمثل الطلاب المغتربين أو العامل البسيط أو العرائس الأيتام والفقراء والشباب المقبلين على الزواج من الطبقات البسيطة، أو الذى فى مقتبل العمر، ولم يوفروا جميع المستلزمات الجديدة فى تجهيز عش الزوجية، والذين يجدون فى المستعمل ملجأ لتعويض ارتفاع الأسعار لعدم قدرتهم على شراء الجديد، فقد يصل سعر المستعمل إلى نصف الثمن أو أقل سواء كان موبيليا أو أجهزة منزلية أو مفروشات.

لكن الآن أصبح انتشارها أوسع وأكثر تطورا بعد انتشار على صفحات التواصل الاجتماعى خاصة «الفيس بوك» لبيع المستعمل، ويشمل جميع المستلزمات من الإبرة إلى الصاروخ - كما يطلق البعض - ونتيجة غلاء الأسعار التى تعانى منها جميع المنتجات لاختلاف سعر الدولار من حين لآخر، وإضافة قيمة الضريبة المضافة مؤخرا، فكل هذا أدى إلى ارتفاع سعر الموبيليا، وسعر الأجهزة المنزلية.
فتجهيز المنزل بالأجهزة الكهربائية والموبيليا الجديدة قد تصل تكلفته فى المتوسط إلى 150 ألف جنيه، بخلاف باقى تكليف الزواج والشقة، مقابل ذلك من الممكن تجهيز الشقة بالكامل بمبلغ لا يتعدى الـ10 آلاف جنيه، لذلك تنوعت الأسواق المستعملة، وأشهرها الموبيليا والتى تبيع الأثاث كما تم شراؤه دون تجديد، ما بين سوق الجمعة وعزبة أبوحشيش وسوق التونسى وميدان الجيش.
ورصدت «روزاليوسف» تلك الأسواق، وبدأت بسوق للأثاث الذى يتم فيها البيع والشراء وتجديد المستعمل، و«سوق البغالة» بمنطقة السيدة زينب.
وقال فاورق عمرو - أحد تجار الموبيليا المستعملة - إن البسطاء والطبقات الفقيرة يلجأون إلى شراء الموبيليا المستعملة نتيجة ارتفاع أسعار الجديد، فأقل غرفة نوم جاهزة تتكلف 8 آلاف جنيه، فى حين من الممكن أن يتم تجهيز شقة بالكامل بنفس المبلغ من السوق.
لكن أغلى غرفة نوم بالسوق المستعمل تتكلف 2000 جنيه وتكون فى حالة جيدة استعمال خفيف، فبعد الدهان والتجديد والنجارة يتغير شكل الموبيليا 180 درجة، ويصل سعر المطبخ الخشبى عبارة عن قطعتين إلى 300 جنيه، ويتضمن الأنتريه 4 قطع عبارة عن 2 كرسى و2 كنبة، أو 2 كرسى وكنبة وفقا للعرض والطلب يبدأ من 200 جنيه حتى 1000 جنيه.
وأشار إلى أنهم يشترون جميع أنواع الموبيليا المستعملة سواء كانت استعمال خفيف أو متهالك، عن طريق المزادات العلنية أو من خلال الاتصال الشخصي، أو من خلال الطبقات المرفهة الذين يقومون بتجديدات من حين لآخر فى منازلهم، فمن الممكن استغلال المواد المتهالكة فى تصليح قطعة أثاث أخرى، علما بأن الموبيليا المستعملة لها عمر افتراضى تهلك فيه.
الموبيليا المستعملة لقطة، هكذا وصف ماهر البدرى - تاجر موبيليا مستعملة - نحن نسكن فى السوق، وهناك تجار من محافظات الفيوم وبنى سويف يقومون بشراء أنواع مختلفة من الموبيليا المستعملة للتجارة، وبيعها فى محلاتهم على أساس أنها جديدة.
مستطردا: الموبيليا مجالها واسع، وتتوقف قيمتها على نوع الخشب فيها، فهناك موبيليا مستعملة وغالية الثمن «خشبها زان» وهناك جديدة ورخيصة الثمن، وفى هذه المهنة تحتاج إلى عمالة كثيرة مساعدة، مثل المنجد والاستورجى والنقاش والنجار.
وأشار إلى أن سوق «البغالة»، تعتبر السوق الوحيدة الذى يسلم الموبيليا متجددة بعكس بقية الأسواق، تقوم ببيعها كما اشتراها التاجر، بينما يتكفل المستهلك بإعادة تجديدها فى الورش، ونقوم أيضا بشراء السجاد المستعمل وبيعه، ويصل سعر السجادة المستعملة من 50 إلى 100 جنيه.
زينهم السيد - أحد تجار الموبيليا المستعملة - يرى أن سوق المستعمل يحتاجها نوعان من الأشخاص، هما الشباب القادم على الزواج وليست فى مقدرتهم شراء غرفة نوم جاهزة بـ10 آلاف جنيه، أو أشخاص يستمتعون بالمعيشة فوق الأثاث القديم بعد تجديده، فنحن نقوم بتصليح وتجديد الموبيليا القديمة التى تحمل تراثا تاريخيا، وبالرغم من هذا فإن حالة البيع والشراء بالسوق ضعيفة جدا، فالمواطن أصبح غير قادر على شراء المستعمل.
وأشار إلى أن هذه المهنة تواجه العديد من المشاكل مثلها مثل أى مهنة أخرى، فمن الممكن أن يبيع شخص بعض المستلزمات القديمة ويحصل على ثمنها، ثم بعد أيام يأتى المشترى ويطالب باسترجاعها مرة ثانية، وهذا يعد مستحيلا، فقد أكون بدأت فى تجديدها أو قمت بيبعها لشخص آخر.
الحاج أحمد السيد - صاحب محل أجهزة كهربائية مستعملة - يرى أن زبون الأجهزة المستعملة يتنوع ما بين عرايس أيتام أو رب أسرة محتاج غسالة أو ثلاجة أو مروحة خاصة فى فترة الصيف، ولا يتوافر معه ثمن الجديد فى ذلك الوقت فيلجأ إلى المستعمل ليدبر به أمره، ويصل سعر الغسالة الأتوماتيك بالضمان إلى 1000 جنيه، وبدون الضمان إلى 500 جنيه، فالجهاز المستعمل حتى مرة واحد يخفض من سعر بنسبة 50%.
وعن الثلاجات والبوتاجازات فيتراوح سعرهما بين 300 و500 جنيه، والمروحة 150 جنيها، وأشار إلى أنه عند شراء الأجهزة الكهربائية لابد أن تتعامل مع تاجر تثق فيه، لأن هناك عمليات نصب تحدث فى هذه المهنة، حيث يقوم التاجر بتغير الموتور والمكونات الأصلية للجهاز، ووضع موتور ضعيف بحيث يهلك بعد الشراء مباشرة.
وعن أسعار المفروشات والفوط والملايات التى تكون ضمن اهتمام جهاز جميع العرائس من حيث الشكل والألوان وحرصهم على تعددها، فمنها ما يباع بالكيلو الآن ولكن أقل فى الخامة والجودة.
وأوضحت سناء رضا - بائعة فى أحد محال المفروشات - أن هذه السلع تختلف فيها الأسعار حسب الخامات وقدرة المشترى المادية، فجميع الزبائن يبحثون دائما على الأفضل والأقل سعرا، فهناك من يستطيع شراء متر قماش ستائر بـ65 جنيها ومن يشترى المتر بـ18 جنيها.
لذلك فى المحل نبيع لجميع الطبقات، فهناك زبون يشترى قطعة واحدة غالية الثمن وجيدة الخامة، وهناك من يشترى بالكيلو للتوفير، فكيلو الفوط يصل إلى 44 جنيهاً، برغم من أن هناك سعر فوطة بنفس السعر، ولكن الاختلاف فى الخامة، وطقم السرير 6 قطع يصل إلى 58 جنيها، و5 قطع بـ38 جنيها فى حين يوجد طقم يصل إلى 200 جنيه.
وتباع أيضا البطانية بالكيلو حيث يصل الكيلو إلى 49 جنيها فى مقابل البطانية الأفضل جودة وخامة، وتتراوح بين 350 و500 جنيه للجديد، وسعر اللحاف الفايبر 142 جنيها.
ولا يتوقف المستعمل عند بيع كل هذا، بل وصل إلى الأدوات الصحية الذى يلجأ إلى شرائها مستأجر أحد المحلات أو مستأجر شقة مفروشة أو إيجار جديد، وهذا للتوفير من تكاليف تجهيز الشقة، فالمستعمل من السهل تنظيفه ويصبح كالجديد.
هكذا أوضح محمد الطحاوى - صاحب أحد محال الأدوات الصحية - والذى يتاجر فى الأدوات الصحية الجديدة والمستعملة، وقال: هناك زبون ميسور الحال يقوم بتغيير مستلزمات الحمام من حين إلى آخر فيبيع القديم ويشترى جديدا.
وهناك من يجهز شقة ولم يعش فيها فترة طويلة فيقوم ببيع جميع مستلزماتها، ويصل سعر الحوض «الصيني» إلى 50 جنيها، وقعدة الحمام إلى 100 جنيه، وسعر متر السيراميك 20 جنيها.
وعن رأى الشباب فى شراء الأثاث المستعمل الذى قد يجدون فيه حلا للتخفيف من أعباء الزواج، فيرى هشام صابر - 27 عاما ويعمل بائعا فى أحد المحال - بأنه من الممكن أن يعتمد على الموبيليا المستعملة فى جهاز منزله، لكون الأسعار مرتفعة والدخل على «أد الإيد»، على حد وصفه، فلا يوجد فرق بين الموبيليا الجديدة والمستعملة فى الشكل، حيث يتم تجديدها وتلميعها وتغييرها كما لو كانت جديدة، لكن شراء غرفة نوم فقط بـ10 آلاف جنيه وأنتريه بـ7 آلاف جنيه بالإضافة إلى بقية مستلزمات الزواج، فبهذا الشكل «هدخل الآخرة قبل ما أدخل دنيا» حسب وصفه.
وعبر خالد عبد السميع - 30 عاماً عامل فراشة - بأنه وصل إلى سن الثلاثين ولم يكون أسرة حتى الآن بسبب ارتفاع الأسعار، فكل يوم الأسعار ترتفع والمرتب كما هو لا يتغير، وأنه خطب فتاة منذ 3 سنوات حتى الآن لم يتزوج، ووالداه كبار فى السن ولن يستطيعا مساعدته ماديا.
وليس فى مقدرتى شراء جميع المستلزمات جديدة بآلاف الجنيهات، فلا أجد أنسب لحالتى المادية من شراء الأثاث من سوق المستعمل، فنحن مضطرون إلى هذا حتى أتزوج، وخطيبتى من أسرة بسيطة الحال، وغير معترضة على شراء المستعمل، ومن ناحية الأجهزة الكهربائية فهناك ولاد الحلال الذين سيساعدونى فى شرائها.
ومن جانب أخر قالت منال حمدى - 23 عام عاملة نظافة بأحد المستشفيات - بأن والدها متوف ووالدتها عاملة خدمات معاونة فى إحدى المدارس الحكومية، لذلك فهى تتحمل مصاريف زواجها وحدها، وخطيبها بائع متجول على فرشة ملابس، فتعتمد هى وخطيبها فى تجهيز شقتهما على مساعدة أحد المساجد الموجودة فى منطقتها الشعبية.
وأضافت بأنهما استأجرا شقة فى مدينة 6 أكتوبر بصعوبة، وأنها ستحاول تجهيز نفسها على حسب قدرتها المالية من شراء ملابس ومفروشات، وأشارت إلى أنه ليس من الضرورى الحالة المادية للعريس، والأهم هو أن يكون شخص لديه أخلاق، وهذا أفضل من الجلوس بدون زواج، متسائلة: من سيتزوج شابة غير متعلمة وغير حاصلة على شهادة؟
ومن ناحية أدوات المطبخ التى يفترشها البائعة الجائلون أمام محطات المترو، وفى الأسواق الشعبية، ومنها محطة مترو سعد زغلول بوسط العاصمة، فيباع الأدوات الصينى والأستانلس والألومنيوم بالقطعة، والتى يجد فيها محدودو الدخل والبسطاء متنفسا بعكس المحلات التجارية التى لا تسمح سوى ببيع الطقم كاملا وبمئات الجنيهات.
وعلى سبيل المثال، يصل سعر طبق الصينى إلى 6 جنيهات والأستانلس 3 جنيهات، وطقم الملاعق 15 جنيها، والحلات الألمونيوم يصل فيها سعر الكيلو إلى 25 جنيها، والصينية الألمونيوم يصل سعرها 15 جنيها، ودستة الأكواب الزجاجية «للشاي» 20 جنيها، والأكواب الكأس بـ25 جنيها.
أما الملابس التى يكون شراء الجديد منها فيعد فى المرتبة الأولى لجميع العرائس، والتى تعد من أدوات التعبير عن الفرحة، ولكن هناك عرائس لا تمتلك شراء ملابس بآلاف الجنيهات كقريناتهن نظرا لوضعن المادى الحرج.
فوضع الباعة الجائلين حلا لهذا، ملابس استوكات من بورسعيد لتجهيز العرائس، هكذا وصف عم ماهر على - بائع متجول - بضاعته الذى يفترشها بالشارع وتشمل أنواعا مختلفة من الملابس التى تظهر متهالكة الشكل لحد «انتحل وبرها»، ويصل سعر القطعة 5 جنيهات فقط «يا بلاش».
وأمامه يفترش أحمد عبد النبي، ملابس كاجول حريمى مرصوصة فى صفوف، فكل قطعة لها سعرها، من بلوفرات وجواكت وجيِبات وبنطلونات، ويتراوح سعر كل منها بين 50 و95 جنيها.
وعلى صعيد آخر، جاءت علياء منصور - رئيس جمعية نور الحياة الخيرية - لتوضح دور الجمعيات الخيرية فى مساندة الشباب فى شراء مستلزمات الزواج، وأنها تفرق بين الشخص المستحق للمساعدة وغير المستحق، نتيجة إعداد بحث اجتماعى ليظهر الحالة الاجتماعية للشخص الذى يطلب مساعدة، أو من خلال الأشخاص الذين تعاملوا سابقا مع الجمعية.
فالجمعية تشترى للعرائس اليتامى وغير القادرين ماديا، جميع المستلزمات الضرورية والأساسية، فتنزل العروسة أحد المحلات المعتاد التعامل معها وتختار ما تريد، وتدفع الجمعية المقابل بسعر الجملة.
حسام الهلالى - رئيس جمعية شباب الخير - المتخصصة فى مساعدة العرائس الأيتام وأصحاب الدخل الضعيف، فقال إن هناك عرائس تطلب السرية عند شراء المستلزمات من خلال جمعية خيرية، حتى لا ينكسرن نفسيا أمام أزواجهن وحفظ كرامتهن أمام عائلة العريس.
فيقومون بعمل لكل عروسة كشف للطلبات، وينزل مندوب الجمعية مع والدتها لاختيار ما ينقصها، ويكون صاحب المحل على علم أنها تتبع جمعية خيرية تقوم بمساعدة البنات غير القادرين ماديا، فيقوم صاحب المحل بعمل تخفيضات خاصة فى الأسعار لهما، وتدفع الجمعية مبلغ لتجهيز العرائس يراوح بين 40 و60 ألف جنيه للفتاة الواحدة، وتقوم بتجهيز ما يقرب من 3 عرائس فى الشهر.
وتحدث خالد الشافعى - الخبير الاقتصادى - بأن سوق المستعمل لها زبائن معينة، وهم الذين يمثلون طبقة البسطاء ومحدودى الدخل، فهو يوفر احتياجاتهم ويخفف من العبء الذى يقع على عاتقهم.
فهذه الفئة أرهقت من الارتفاع العشوائى فى الأسعار نتيجة عجز الموازنة، وإضافة ضريبة القيمة المضافة جعلت المواطنين يشتكون من الغلاء فى جميع المجالات سواء فى الملابس أو الأثاث أو الأجهزة الكهربائية، وأصبح الغلابة ليس أمامهم بديل سوى سوق المستعمل، لإشباع حاجاتهم، فلابد من تحقيق التحكم والتوازن فى الأسعار، وأشار إلى أن سوق المستعمل لا تقوم بالتأثير على سوق المستلزمات الجديدة، لأن هذا له علاقة بالعرض والطلب وقدرة الشخص المادية.