الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

صلاح بيصار: الناقد هو كشاف الحركة التشكيلية وبدونه الحركة منقوصة

صلاح بيصار: الناقد هو كشاف الحركة التشكيلية وبدونه الحركة منقوصة
صلاح بيصار: الناقد هو كشاف الحركة التشكيلية وبدونه الحركة منقوصة




حوار- مروة مظلوم

تصوير - أحمد النجار

الفن ثورة.. تناضل فيها الفرشاة على لوحة صماء.. تصرخ ألوانها مطالبة بحقها فى الحياة ..النور.. الحرية تستحضر الماضى وتشق طريقها للمستقبل.. لمساته على الحجر الصوان بصلابته وشموخه وثنياته تروى للشوارع والطرقات قصصاً تخلد أصحابها.. تترك على جبين التاريخ بصمة يتأملها كل عابر.. هنا عاش أعلام أثروا البشرية ثقافة وعلماً وفناً ونضالاً وحضارة.. لثورة الفن فى مصر صفحات لا تحصى تستأنف روزاليوسف قراءة بعضها فى حوارها مع الناقد الفنان التشكيلى صلاح بيصار.


■ بين ثورتين مر المجتمع المصرى بتحول فى المنظومة الأخلاقية والحركة الفنية كيف ترى هذا؟
ــ نتاج ثورة 1952 كان لمصلحة المواطن المصرى بشكل عام، تحقيق العدالة الاجتماعية نزع الملكيات الضخمة للأراضى الزراعية، مجتمع صناعى ناهض بقاياه طُمست الآن، ثورة 2011 كانت حلماً جميلاً حلم به الشباب المصرى، لكن الثورة أجهضت واستثمرت وحتى الآن المجتمع معطوب، وتحولت الثورة إلى شماعة، يعلقون عليها كل ظاهرة سلبية تظهر فى المجتمع، أى تراجع فى نمو اقتصادى، سياسى، اجتماعى، مؤسسى، وكان من الممكن للثورة أن تسترجع نفسها، لكن اعترضنها عقبة الإخوان، وبعد التخلص منها، فقد المجتمع إحساسه بالثقة، ولذلك كل شىء مهتز، المسئولون قراراتهم مهزوزة.. كيف يسترجع المجتمع المصرى نفسه؟ هى قضية فى شدة الخطورة.. هناك أزمة فى القيم والأعراف المجتمعية، منظومة المؤسسات كلها تأثرت بشكل سلبى، صار التمييز سمة، فى الستينيات كنت لا أشعر بتمييز بينى وبين أقرانى، لم يكن هناك تفاوت اجتماعى يسمح بوجود حقد طبقى، سادت المساواة والعدالة الاجتماعية ومنظومة الأخلاق، لأنه لم يكن هناك تطاحن وتصارع أو أمراض اجتماعية، تجد المجتمع يعيش فى سلام لا يوجد تطرف «الدين وسطي»، أذكر أن أحد المنازل بقريتى أصحابه كانوا جمالين يتاجرون فى القمح والأرز، احترق المنزل عن آخره وبنى فى 10 أيام بالتضامن الاجتماعى الذى لم يعد موجوداً الآن بسبب صعوبة الحياة، الناس بدأت تتوحش، يمكن للأخلاق أن تعود فى حالة عودة منظومة المجتمع، انضباط الإعلام، المسئولين والقرارات الحاسمة فى موقعها حتى لا تسمح بالتجاوزات، لكن الآن أياد المسئولين مرتعشة جداً، ورغم ذلك يستمرون ويبررون تخاذلهم، فى مجالى كناقد تشكيلى دورى إبراز السلبيات فى هذا المجال لإصلاحها، لكن لا توجد أذن إصلاحية تنصت، أو تأخذ الأمور على محمل الجد، لا توجد استجابة للنقد منذ سنوات، الناقد هو كشاف الحركة التشكيلية وبدونه هى حركة منقوصة إذا ازدهر الفن ازدهر النقد ومعه الفن والعكس بالعكس.
■ عرفنا الجرافيتى فناً للثورة.. عدواً للدولة فهل هو فن معترف به؟
ــ بداية فن «الجرافيتى» كان نتاج احتجاج الجماعة «السود» المهمشين على جدران مترو الأنفاق بأمريكا فترة الستينيات، نقشوا رسوماتهم على الجدران بآلات حادة.. هو فن احتجاجى من الدرجة الأولى وله أصول عند المصريين القدماء، والدليل جداريات الفراعنة، كانت لوحات جدارية لكنها لم تكن «احتجاجية»، الفنان الفرعونى جسد حياته من خلال الجداريات، إنما «الجرافيتي» بمقوماته كفن احتجاجى ظهر فى ثورة 25 يناير ولازالت الحكومة «مفزوعة منه»، فمهما دهنوا الجدران يعاود الشباب الرسم والصراخ والاعتراض على الجدران، قبضة السلطة على فن الجرافيتى غير مبررة، فهو متنفس سلمى للتعبير عن الرأى، وإذا كانت السلطة أعادت طلاء الجدران لتمحوه، فهناك الكثير من الكتب تناولت فن الجرافيتى بالدراسة، مثل كتاب للفنان أحمد سليم وهو أستاذ فى فنون المنيا، كذلك أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب كتاباً عن فن الجرافيتي.. فأصبح للجرافيتى رغماً عن أنف السلطة صفحات من تاريخ الفن.. وهو أحد دعامات ثورة 25 يناير ومظاهرها.
■ الفن ثورة على روتين الحياة ومنظومتها.. بماذا تفسر أن بدايات الفن التشكيلى فى مصر لم تنبئ أبداً بما آل إليه حال الفن عموماً؟
ــ اختلاف ثقافة المجتمع وأخلاقياته عما نحن عليه الآن، فقد كان مجتمع ناهض لا يعترف بتصنيف عرقى، معظم مشاريعه القومية قامت بالجهود الذاتية به مدينة «كوزمو بوليتارية عالمية» هى مدينة الإسكندرية يسكنها جريج، أرمن، طاليان.. وفيها طرز معمارية رائعة وآثار تم انتشالها وإنقاذها من الغرق، مجتمع ليبرالى، أعمال كثيرة واكبت ثورة 1919 وما قبلها.. على سبيل المثال لا الحصر عام 1908 أسس الأمير يوسف كمال من الأسرة المالكة، مدرسة الفنون الجميلة بماله الخاص فى أحد بيوته بحى السيدة زينب ، والجيل الأول الذى تخرج منها كانوا رواداً وفتحوا أبوابا لأجيال بعدهم يمرون عبرها نحو الغد، مثل محمود مختار، أحمد صبرى، يوسف كامل، راغب عياد، محمد ناجى، التحق راغب عياد بالعمل كمدرس بمدرسة الأقباط، ويوسف كامل عمل مدرس إعدادى بمدرسة العباسية، واقترح على راغب عياد السفر لبعثة، فتحمل يوسف كامل جدوله ليضمن له دوام راتبه لينفق منه على البعثة، كان للجنيه المصرى وقتها قوته الشرائية عالية جداً ليتحمل فرد منها نفقات بعثته، وعرفت هذه البعثة فى تاريخ الفن باسم البعثة التبادلية فتحمس «ويصا واصف» لإثارة هذه القضية فى البرلمان، لتخصيص ميزانية للبعثات الفنية وصدر قرار البرلمان بالإجماع يلزم الدولة بتحمل نفقات سفر البعثات الفنية.. الخلاف بين الملك فؤاد وسعد زغلول لم يمنعه أن يفتتح مشروعه بعد وفاته وأزيح الستار عن تمثال نهضة مصر عام 1928.
■ تقصد أن المنظومة الأخلاقية والتسامح كانتا مقومات القاهرة عام 1922 لتحمل لقب أجمل مدن العالم فى الطراز المعماري؟
ــ عمارة العشرينات من كبارى، وتنسيق شوارع وسط القاهرة، هى نماذج من العمارة الأوروبية، أسدين قصر النيل والكبارى التى سعى إلى تجسيدها فى شوارع العاصمة الخديوى إسماعيل، فبدأت طفرة العمارة فى عهده، ونضجت حتى وصلنا إلى طرز قاهرة العشرينات ، المشهد الحضارى واللمسة الجمالية كانت لها الأولوية لدى الحكام والساسة، هناك صورة تجمع بين سعد باشا زغلول والمثال محمود مختار وهو يتفقد أرض العمل، ويريه عينة من الجرانيت الوردى المصنوع منه التمثال، عندما نتأمل فى تمثال «نهضة مصر» الفلاحة التى تقف فى شموخ وحجابها متراجعا عن رأسها، نجد أننا تخلفنا عن هذا الزمن بزمن هناك من يناقش ويحرم الصور والتماثيل الآن، بينما فى عهد الإمام محمد عبده أصدر كتاباً يتحدث فيه عن فوائد التصاوير والتماثيل، وأجمل أعمال محمد ناجى ويوسف كامل ومحمود سعيد، هو مبشر كبير بالتصوير الحديث ومبشر بالسريالية والتعبيرية، لا مجال للمقارنة بين عهدين أحدهم يتذوق الفن ويوقره وآخر يحرمه ويهمله، حتى مواقع التماثيل اختلفت نتيجة التشويش تمثال نهضة مصر كان فى رمسيس، ونقلوه إلى جامعة القاهرة عام 1955، ووضعوا تمثال رمسيس مكانه، حتى تبين لهم الخطأ الفادح فى نقل تمثال من أمام معبده إلى ميدان عام فأعادوه مؤخراً.. هذا هو حالنا معرفة متأخرة بالأمور.
■ وما قصص التماثيل التى ظهرت حديثاً فى الميادين وما علاقتها بالفن عموماً؟ وإلى من ينسب تشويه العاصمة؟
ــ قصص هذه التماثيل تعود إلى المحليات، بعد أن أقحم المقاولون أنفسهم فى عملية تجميل الميادين ودخولوا مناقصات وقدموا عطاءات، ثم تقع الكارثة بأن يفوز أحدهم بها، فيشترى مجموعة ضفادع من الصين ويضعهم فى وسط الميدان يخرج من فمها الماء كـ«نافورة»، أو «كرة» أو«قوس»، توليفة أشكال عجيبة ليس لها صلة بالنحت لتبدو كـ«تمثال»، يستورد نخل من الصين ومصر بلد النخل «عمولات ومقاولات»، لأنه مقاول فالأمر بالنسبة له لا يتعدى الصفقة يتفنن فى تخريب الميدان، إلا أن القصة تطورت إلى فواجع، على سبيل المثال أيام حكم مرسى ظهرت «أم كلثوم» منتقبة فى المنصورة، وتمثال نفرتيتى تحولت بفعله إلى امرأة بلهاء «عفريت نفرتيتي».. نماذج لو حضرت أرواح أجدادهم الفراعنة لرجمتهم عليها بحجارة الأهرامات.. هذه المنظومة العشوائية مغيبة أين جهاز التنسيق الحضارى منها؟.. أنا أوجه رسالتى للمهندس «محمد أبو سعدة» رئيس جهاز التنسيق الحضارى، أطالبه بإجراء مسح شامل لميادين مصر ليشاهد ما حل بها من خراب على يد مقاولين المحليات، أدعوه لزيارة ميدان «هشام بركات.. رابعة العدوية سابقا» ليشاهد كرة وقوس تتوسطان الميدان ولا محل لهما من الإعراب، صناعة التمثال فن له قاعدة تقول القاعدة ثلثى التمثال أو التمثال ثلثى القاعدة، مكان التمثال فن له فلسفة ومنطق، كتمثال سعد زغلول أمام دار الأوبرا وهو يخطب فى الناس ظهره للأوبرا ووجهه للنيل، النيل سيظل يجرى وسعد زغلول سيظل رمزاً للثورة من أين للمقاولين بمنطق الفن وقواعده.
■ وأين إبداع فنانى مصر فى مواجهة هذا التشويه؟
ــ نحن أضفنا أربع تماثيل مؤخراً وبشكل مدروس، مثل تمثال عمر مكرم أمام مجمع التحرير، فقط ينقصه رفع القاعدة أكثر وهناك تماثيل أخرى هى أقل جودة من القاعدة المتعارف عليها فى التماثيل المصرية، لكنها ليست بالسوء المنتشر الآن، فنحن نحسبها بالقيمة والشكل وضبط القواعد، لكن الأسوأ من ذلك هى التماثيل العشوائية التى تم تصميمها وتنفيذها على يد مقاولين بشكل غير مدروس يفتقر للفن والجمال والمبادئ الأساسية لصناعة التمثال، لذا مطلوب من جهاز التنسيق الحضارى أن يعيد النظر فى التماثيل الميدانية، وهيكلة الميادين المصرية العشوائية بعيداً عن التماثيل التى قام بها فنانين تشكيلين سواء مصريين أو أجانب، وهى علامات فارقة فى تاريخ الفن فى مصر مثل تمثال «أحمد شوقي» لجمال سليم، و«نهضة مصر» لمحمود مختار، وتمثال «عمر مكرم» للفنان فاروق إبراهيم، وتمثال «مصطفى كامل» للمثال الفرنسى ليوبولد سافان، وتمثال «إبراهيم باشا» فى العتبة للنحات الفرنسى كوردييه، السؤال هنا لمسئولى جهاز التنسيق الحضارى، هناك مئات النحاتين المصريين لماذا لا يتم التعاون معهم وتسكين تماثيل لجيل حقيقى من الفنانين فى الميادين المصرية.
■ جمال قطب ومحمد نادى فنانين كبار توفاهما الله هل خلت الساحة الفنية من جيل جديد؟
ــ هناك جيل جديد مبشر بذلك، لكن هناك تعتيم عليه لأن الإعلام يسير فى طريق لا يبحث فيه عن الجديد بل القريب، عندما يتم استضافة الفنانين يظهرون فى برامج النيل الثقافية وهى غير مشاهدة بدرجة كبيرة لانشغال الناس بمتابعة الفضائيات، لذلك أطالب من الرئيس إنقاذ التليفزيون المصرى وإقرار ضرائب تصاعدية على القنوات الخاصة، عائدها ينفق منه على تطوير التليفزيون المصري.
■ الرسم الديجيتال والتصوير الفوتوغرافى سحب من الفنان الحقيقى قلمه وريشته واستبدل العمل به فى الصحافة ما رأيك؟
ــ الصحافة فى أزمة رغم وجود فنانيها لكن لا يوجد المستشار الفنى، على سبيل المثال عبد الغنى أبو العينين، المستشار الفنى لـ«روزاليوسف» كان يزور كلية الفنون الجميلة ويرصد الفنانين الجيدين من مجلات الحائط ويلحقهم بالعمل فى المؤسسة، أما الآن المسئول الفنى أسهل ما عنده إرفاق الصور الأرشيفية، هناك أكثر من 15 قاعة خاصة وما يوازيها أكثر من 15 قاعة حكومية تتبع قطاع الفنون التشكيلية، الفنانون المصريون متواجدون وتقام فعاليات، ولكن كيان الحركة التشكيلية يعانى التمزق نتاج حالة العطب التى يعانى منها المجتمع ولا توجد استجابة للنقد، أرجو أن تتجاوز مصر هذه المرحلة بخطوات واثقة ثابتة غير متعثرة.
■ لماذا لا يشعر أحد بقيمة الفنان التشكيلى ولوحاته فى مصر إلا بعد وفاته على النقيض من أوروبا هناك يلمس الفنان نتاج عمله وهو حى يرزق؟
ـــ الفن التشكيلى هو أرفع الفنون وأسبقها، مصر كتبت تاريخها بالأزميل والفرشاة، وتاريخنا يبدأ بالفراعنة الذين سبقوا العالم، ولدينا ثلثى آثار العالم كلها فن بين مجسمات وأوابد صرحية وتماثيل ومعابد وجداريات وأدوات الزينة «القلادات»، ورغم ذلك ازدهار المجتمع يظهر بالضوء المسلط على الفن التشكيلى، فإذا اختفى الضوء.. من أين للفنان أن يلمس نتاج عمله، وائل الإبراشى لماذا لا يستضيف الفنانين التشكيلين كما استضاف وزير الثقافة فاروق حسنى، هم «لوجو لوبيهات ».. شللية يتحدثون معه على عودته للوزارة، كما لو أن مصر لم تنجب إلا فاروق حسنى، الإعلام المصرى مكرس لخدمة نماذج قديمة و«تابوهات» مستهلكة فى وجود شباب ومبدعين لهم دور بارز على الساحة الدولية، ويمثلوا مصر فى معارض ويحصلون على جوائز، نقابة الفن التشكيلى بها 20 ألف فنان منهم 10 آلاف غير فاعلى العضوية، بعد تصفيتهم يبرز على السطح ما يفوق 2000 فنان تشكيلى مبدع ذوات قامة، يجب أن تسلط عليهم الأضواء، لهم أعمال رائعة فى الشارع المصرى  لكن الفن التشكيلى مازال على الساحة ومزدهر لأن لديه قاعدة عددية من كلية فنون الجميلة، فنون تطبيقية، تربية فنية، بها مواهب رغم هبوط مستوى التعليم بعض الشيء، إلا أن هناك فنانين ومواهب قادرين على وضع الفن التشكيلى فى مصر فى الصدارة، لكن القضية والظرف الذى تمر به مصر والتعتيم على الفن التشكيلى فى القنوات الفضائية، فضلاً عن تمزق الحركة التشكيلية نتيجة الظروف والتوحش وسيطرة الأنا الأعلى دون تغليب المصلحة العامة، يحضرنى موقف ثروت عكاشة عند نقل معبد أبو سمبل، اصطحب الفنانين فى رحلة على مركب اسمها «دكة»، كان من بينهم تحية حليم، وجاذبية سرى، ولويس عوض، وحسين بيكار، وحامد سعيد، رموز كبار ذهبوا لاستلهام لوحاتهم من النوبة وتسجيل المتغيرات على المكان والبيئة، تحية حليم رسمت أجمل أعمالها عن النوبة الأفراح والعرس والمركب النوبى والمرأة النوبية، وجاذبية قدمت مرحلة جديدة من أعمالها عن النوبة، «دى كانت وزارة الثقافة»، أما الآن الوزارة تقدم مسوخ ثقافية مجموعة من المهرجانات مردودها رديئا جداً.. زيارتى لشارع المعز تحزننى جداً.