الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قلوب رحيمة.. وأياد سخية

قلوب رحيمة.. وأياد سخية
قلوب رحيمة.. وأياد سخية




 عيسى جاد الكريم يكتب:

الشعب المصرى من أجمل شعوب الأرض، منذ وعت الإنسانية على الحضارة والمدنية وفضله على شعوب الأرض، يساعد المحتاج ويجير المستضعفين وينصر المظلوم؛ شعب شهم رحيم، فلن يخذله الله، وقصة سيدنا يوسف وأهله الذين أتوا إلى مصر واستقبلهم المصريون والتى رصدها القرآن الكريم ومرسومة على جدران مقابر بنى حسن بالمنيا خير دليل، ورغم التآكل الذى حدث فى أخلاق الناس بعد تخريب متعمد من قبل اعمال درامية وفئات بعينها يجعلنا أمام ضرورة وضع مشروع أخلاقى لاستنهاض القيم الجميلة التى يتميز به شعبنا المصرى الأصيل الذى أرى كل يوم ان الخير فيه باق.
ومن خلال موقف انسانى شاهدته  عصر احد الأيام من الاسبوع الماضى، اعتقد اننى لن انساه طوال حياتى، فبينما انا فى طريقى لنقابة الصحفيين من جريدة «روزاليوسف» استقللت اتوبيس رقم ٨٣٣ المتجه الى رمسيس وبعد أن انحشرت وسط جموع الركاب فى انسيابية كلاعب عقله ماهر وسط ثلة من الفتيات، بدا لى ان معظمهن طالبات فى كلية الطب أو كليات تنتمى لمهنة الطب من البالطو الابيض الذى تأبطنه أو نشرنه فوق حقائبهن، وقد احتللنا معظم المقاعد فى حين تراصت الباقيات واقفات فى مواجهة المقاعد، وقرب ميدان التحرير جاءت دفعة جديدة من الركاب فصاح الكمسارى بلهجة قائد عسكرى يجب ان يطاع: «ادخلوا جوه يا حضرات الاتوبيس واسع» وفى لحظات كانت على بعد مقعدين منها سيدة فى الستينات من العمر تبكى وقد انكفأت على المقعد الامامي، وفى لحظة التفتت لها فتاة وجهها مستدير كالقمر، ابيض كالثلج، مشرب بحمرة الشباب وشعرها حالك كسواد الليل، وقد اعتمرت فوقه نظارة شمسية جمعته بها جمعًا ، اوجعها نشيج السيدة على ما يبدو فلتفتت لها تسألها ما بك؟ ماذا يبكيك؟!
استرسلت السيدة الخجول وهى تحملها عزة النفس على عدم البوح، ولكن الألم ووجع القهر كان اقوى من سيدة مثلها تخطت الستين من عمرها، وحكت عن زوجها المريض فى قصر العيني، الذى سيقوم بعمل عملية فهو عائلها الوحيد ويحتاج لنقل دم والعملية تحتاج للمال، هى لا تريد شيئًا سوى انها تريد ان يساعدها الله فى علاجه، وتخاف أن يحتاجوا شيئًا وهى سيدة فقيرة؛ وبينما تربت الفتاة على كتف العجوز مواسية لها بعبارات المساندة والأمل، فرت دمعة من عيون الفتاة التى حاولت ان تبدو متماسكة امام شكواها محاولة ان تثنيها عن البكاء، ولكن الدمعة اتبعتها دمعات انسابت من الفتاة التى التفتت بكامل جسدها للمقعد الخلفى الذى تجلس فيه السيدة، ولفت يدها البضة حول كتف السيدة التى القت وجهها على ذراع الفتاة وكأنها تحتضنه ملتمسة بلسمة الشافى من وجع ألم بها وحنان تفتقده من دنيا تكيل لها المآسى وتثقل رأسها وأكتافها بحملها وكمن وجد المنقذ من العطش فى هجير الصحراء ألقت جزءًا من حملها على قلب حنون رحيم.
وبينما تغالب الفتاة دموعها وهى تحتضن العجوز امتدت فى لحظات ايادى أخريات تربت على اكتاف العجوز؛ فى حين امتدت ايدى اخرى للحقائب وللمحافظ يخرجون اموالًا يحاولون ان يعطونها للسيدة دون ان يعرفوا حتى ماذا بها، فالمصريون توجعهم الدموع ويشق قلوبهم ان يروا من يتألم من الاحتياج، وسط رفض وعزة نفس من العجوز للمال، رجال ونساء بلا استثناء يحاولون التخفيف عن السيدة بالكلام وبتقديمهم للمساعدة. مشهد موجع، مفرح، لشعب مصر العظيم، الذى يظهر معدنه الطيب.
جاءت محطتى التى يجب ان انزل فيها من الاتوبيس وزادت مواجعى واعتصرنى ألم وعيونى شاخصة نحو هذه اللوحة الانسانية ورأسى يعتريه الحيرة وقد انطلقت فيه قنابل الاسئلة هل اشق طريقى وسط الفتيات وهو امر صعب حتى اصل لمقعد السيدة لأقدم لها المساعدة ام اخرج هاتفى لأصور هذا المشهد الانسانى الموجع المفرح عن شعب عظيم وقلوب رحيمة ونفوس نقية! دعواتى لكل من شاهدته يساعد هذه السيدة ان يحفظه الله وأن يكرمه من فضله.
مشهد آخر لا يقل إنسانية عن سابقه بعد ان أتى لى شخص سورى تجاوز الستين من عمره حكى لى ان أوراقه وجواز سفره ضائع وانه لا يستطيع استخراجه لأن اسمه غير موجود بالسجلات بالسفارة رغم انه يعيش فى مصر منذ سنوات وانه يحتاج لعملية بالعيون لإزالة مياه بيضاء ورغم انه يصبر على ضياع الأوراق لكن لا يصبر على الألم وذهب لمستشفى رمد الجيزة التابع لوزارة الصحة فأخبروه انه اذا احضر جواز سفره يمكنه ان يعاملوه معاملة المصريين ويجرون العملية مجانا فجميع السوريين فى مصر تتم معاملتهم معاملة المصريين، الرجل الذى ساعده شخص عرف بحالته لم يستطع استكمال ثمن العملية بعد ان التهمت الاشعة والتحاليل جزءًا كبيرًا من المبلغ ، وبينما نحاول تدبير المبلغ له عرف طبيب يعمل بجراحات العيون بالقصة عن طريق زميلة صحفية، فأخبرنا انه متكفل بجميع المصاريف منذ اجراء العملية والتى سيجريها له فى مستشفى شهير بالمهندسين وحتى الشفاء بإذن الله، ودعواتنا لهذا الطبيب الشهم ان يبارك الله له فى صحته وماله .
ولقد وصف الله نفسه بصفة الرحمة فى آيات كثيرة فى القرآن الكريم  وحض الناس عليها فالرحماء يرحمهم الله.