الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

السادات وصفه بـ«رائد الاقتصاد المصرى» لاعب دومينو بارع و«موسوعة ثقافية» وأشياء أخرى حكايات مختلفة من تاريخ «طلعت حرب باشا»

السادات وصفه بـ«رائد الاقتصاد المصرى» لاعب دومينو بارع و«موسوعة ثقافية» وأشياء أخرى حكايات مختلفة من تاريخ «طلعت حرب باشا»
السادات وصفه بـ«رائد الاقتصاد المصرى» لاعب دومينو بارع و«موسوعة ثقافية» وأشياء أخرى حكايات مختلفة من تاريخ «طلعت حرب باشا»




جولة وتصوير - علاء الدين ظاهر

«فقدت مصر أمس ابنا من أبر أبنائها ورجلا فذا كان فى الطليعة بين الرجال العاملين، عم لفقده الأسى وكان لنعيه رنة حزن وأسف،تردد صداها فى أرجاء البلاد جميعا».. هكذا كان نعى محمد طلعت حرب باشا الذى نشر فى الأهرام بتاريخ 14 أغسطس 1941م، والذى تحل بعد غد ذكرى ميلاده، وقد حقق أمنية طالما راودت وداعبت عقول وقلوب المصريين جميعا فى زمنه.. حيث أنشأ بنكا وطنيا بأموال مصرية خالصة.. «بنك مصر» الذى تم افتتاحه للمرة الأولى عام 1920 كأول بنك مصرى مملوك بنسبة 100% للمصريين.. ولم يكتف طلعت حرب بذلك، بل حول فكرة الاقتصاد الوطنى المصرى إلى واقع حقيقى بإنشاء عدة شركات فى مختلف المجالات الاقتصادية مثل الغزل والنسيج والتأمين والنقل والطيران وصناعة السينما وغيرها.

«روزاليوسف» اليومية قررت إحياء ذكرى طلعت حرب باشا بشكل تاريخى وتراثى، من خلال جولة قمنا بها فى مبنى بنك مصر بشارع عماد الدين وسط القاهرة،حيث يزخر بعشرات المقتنيات الشخصية له والوثائق التى ترتبط به بشكل أو بآخر، وكل هذه المفردات مثلت تراثا مهما قررنا الغوص فيه والتعرف عليه، وكان فى صحبتنا أشرف الشريف مساعد مدير عام المكتب الفنى للمتابعة ومدير إدارة توثيق التراث وأعمال المكتبة والمتحف بالبنك مصر وشيماء صلاح مديرة بمتحف البنك،حيث كانت جولتنا بين فتارين العرض التى أقيمت بعناية بين أروقة البنك،كذلك المتحف الذى أقيم فيه ويضم عشرات المقتنيات والوثائق الأثرية والتاريخية والكنوز، خاصة المقتنيات الشخصية لطلعت حرب باشا مؤسس البنك.
ومحمد طلعت بن حسن محمد حرب «25 نوفمبر 1867 - 13 أغسطس 1941» الاقتصادى والمفكر المصرى، ومؤسس بنك مصر ومجموعة الشركات التابعة له، ويعتبر من أهم أعلام الاقتصاد فى تاريخ مصر ولقب بـ«أبو الاقتصاد المصرى»، وذلك لأنه عمل على تحرير الاقتصاد المصرى من التبعية الأجنبية وساهم فى تأسيس بنك مصر والعديد من الشركات التى تحمل اسم «مصر» فى مختلف التخصصات، وشارك فى ثورة 1919 وبدأت بعدها تتبلور فكرة بنك وطنى للمصريين للتحرر من الاحتكار المصرفى الأجنبى، ومع انتشار دعوته التف حوله الكثيرون ونجحوا فى تأسيس «بنك مصر» عام 1920، وفى عام 1940 تعرض البنك لأزمة مالية كبيرة تحت ضغط كل من الحكومة المصرية وسلطات الاحتلال الإنجليزى، ورفض البنك الأهلى منحه قروضا بضمان محفظة الأوراق المالية،وعندما لجأ طلعت حرب لوزير المالية اشترط وقتها أن يترك منصبه لعلاج الأزمة،مما أجبره على الاستقالة من البنك.
ونبدأ مع المقتنيات التى وجدناها فى البنك،ومن أهمها كتابان أحدهما باللغة العربية والآخر ترجمة له باللغة الفرنسية عبارة عن أعمال المؤتمر المصرى الأول «28أبريل - 4 مايو 1911» والذى تمت فيه مناقشة أحوال البلاد الاقتصادية والاجتماعية وكانت من أهم نتائجه دعم الدعوة إلى إنشاء مصرف وطنى برءوس أموال مصرية، وقد شكلت لجنة أطلق عليها «لجنة مشروع البنك» قامت بدعوة طلعت حرب بك فى 15 يناير 1912 للتقدم بأفكاره عن تأسيس ذلك البنك إلى سكرتارية اللجنة لمناقشتها، ومحضر اجتماع مجلس الإدارة رقم 3 بتاريخ 7 مايو 1920 الذى تضمن الدعوة لزيادة رأس مال البنك من 80 ألف جنيه إلى مليونى جنيه.
ووجدنا أيضا خريطة لقناة السويس عام 1907 يرجح أن محمد طلعت حرب باشا رجع إليها عند إصداره كتاب «قناة السويس» عام 1910م، والذى ساهم فى إقناع وموافقة البرلمان المصرى فى ذلك الوقت على عدم مد امتياز إدارة القناة لمدة 40 سنة «من 1968-2008»، وهو أحد المراجع المهمة التى استند إليها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عندما اتخذ قراره بتأميم قناة السويس،وتقارير عن البلاد المقدسة ضمها كتاب يحوى عدة أبحاث عن المملكة العربية السعودية أعدت بواسطة بعض البعثات التى أوفدها محمد طلعت حرب عام 1926م للبحث عن فرص إقامة المشروعات الاقتصادية والخدمية بها،وملحق خاص بمجلة اللطائف المصورة صدر بتاريخ 8 مايو 1935م بمناسبة احتفال بنك مصر بمرور 15 عاما على تأسيسه، ويحتوى الملحق على صور تذكارية وشرح للجوانب الجمالية لمبنى البنك ،ومحضر اجتماع مجلس الإدارة رقم 176 بتاريخ 19 سبتمبر 1939 ويتضمن نص خطاب استقالة طلعت حرب.
 ولأنه كان محبا للعمل ويفكر فى كل أوقاته لمصلحة مصر، فقد وجدنا ضمن المقتنيات الشخصية علبة لعبة الدومينو الخاصة بطلعت حرب باشا،حيث كان بارعا فيها ويستخدمها فى أوقات الفراغ مع بعض أصدقائه من الأعيان،إذ كان يستثمر هذا الوقت فى التعرف على أحوال البلاد، وعصا طلعت حرب باشا المصنوعة من الخشب،واليد محلاة بنقوش من الذهب مع الحروف الأولى من اسم طلعت حرب بالإنجليزية MTH، وقد كان استخدام مثل هذه العصا شائعا حتى منتصف القرن العشرين كمظهر من مظاهر الوجاهة الاجتماعية، ومجموعة فناجين وأطباق خاصة بمحمد طلعت حرب باشا وتحمل الأحرف الثلاثة الأولى من اسمه «م ط ح»، وقد أهديت لبنك مصر من السيدة مرفت صالح حفيدة السيدة فاطمة طلعت حرب،وكشف حساب طلعت حرب شخصيا ضمن المجلد لحساب عملاء البنك.
 كما وجدنا أيضا علبة النشوق الخاصة بطلعت حرب باشا والمصنوعة من الخشب المطعم بالصدف، وساعة مكتب طلعت حرب وهى ذات وجهين ومحفور عليها اسم طلعت حرب باشا، وساعة أثرية كبيرة بالبندول تعمل حتى الآن، ومقياس للضغط الجوى والحرارة وفوقه جزء من كسوة الكعبة المشرفة مهداة من العاهل السعودى الملك عبدالعزيز
آل سعود لطلعت حرب عام 1937م، وقلادة النيل العظمى التى منحت لاسم طلعت باشا حرب من الرئيس الراحل محمد أنور السادات عام 1980م، وذلك ضمن الاحتفال بالذكرى 60 لتأسيس بنك مصر، وقد تم إهداء القلادة لبنك مصر من المرحوم السفير جلال عزت حفيد طلعت حرب، وكان خطاب منحه القلادة محررا بتاريخ 25 سبتمبر1980 م، وجاء نصه «من أنور السادات رئيس جمهورية مصر العربية إلى أسرة المرحوم محمد طلعت حرب رائد الاقتصاد المصرى ورئيس نادى التجارة سابقا، إظهارا لما للمرحوم فقيدكم لدينا من عظيم المكانة وكبير الاعتبار، ولما قدمه للاقتصاد القومى من جليل الخدمات، قد منحنا لاسمه قلادة النيل العظمى وهى أكبر مظاهر الشرف لدينا».
ورصدنا أيضا فى جولتنا صورة شهادة الباشاوية من الملك فؤاد ملك مصر إلى محمد طلعت حرب، وجاء نصها «من فؤاد ملك مصر بعناية الله تعالى إلى حضرة صاحب السعادة محمد طلعت حرب باشا نائب رئيس مجلس إدارة بنك مصر، لما تقدموه من جليل الأعمال وما عهدناه فيكم من الإخلاص والمناقب الحميدة، قد منحناك رتبة الباشاوية بما يتبعها من لقب وحقوق.تحرير بسراى عابدين الملكية بالقاهرة فى اليوم الخامس من شهر ذى الحجة لسنة ألف وثلاثمائة وتسعة وأربعين من هجرة خاتم المرسلين»، وسجلا خاصا يضم توقيع الملك فاروق والرئيس الفرنسى ألبرت لوبران بمناسبة افتتاح جناح شركات بنك مصر بالمعرض الدولى بفرنسا عام 1937م، وسجلا خاصا يضم توقيع الملك فاروق خلال زيارتيه لبنك مصر فى يوليو 1944م ونوفمبر عام 1945م.
وظرفا وطابع بريد تذكاريا بمبلغ 20 مليما يحمل شعار وأختام بنك مصر صدر عام 1970 بمناسبة اليوبيل الذهبى لبنك مصر، ودفتر صندوق توفير بنك مصر رقم 29726 باسم فؤاد فخرى أحمد أحد عملاء فرق القاهرة 14 مارس 1942م، ونسخة أصلية من كشف حساب باسم عبد المنعم أحمد العدوى أحد عملاء بنك مصر المقيمين بالهند بتاريخ 31 أكتوبر 1946م، وصورة فى اليوم السابق لافتتاح مبنى بنك مصر الرئيسى، تجمع بين سعد زغلول ومدحت يكن وفؤاد سلطان وطلعت حرب فى صالة المبنى «يونيو 1927»، وصورة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مع قيادات بنك مصر حينها عبد الحميد الشريف رئيس مجلس الإدارة ومحمد رشدى ومحمود العتال.
 ويتكون متحف بنك مصر من 4 غرف، والرابعة غرفة كانت ختام جولتنا فى البنك حيث تضم الوثائق التاريخية والمؤلفات، وبها مجموعة فاترينات عرض لمقتنيات خاصة ببنك مصر وأخرى تخص طلعت باشا حرب من أهمها مؤلفاته، وتوقفنا عند تلك الكلمة.. مؤلفاته.. لأنها تكشف جوانب أخرى غير معلومة لكثيرين فى شخصية طلعت حرب باشا، فمن المعروف عنه أنه رائد الاقتصاد الوطنى الذى أسس أول بنك وطنى، لكن قليلين من يعرفون أنه كان مفكرا وأديبا وكاتبا فى مختلف أمور الحياة السياسية والتاريخية والاجتماعية، فقد كان موسوعة ثقافية متكاملة وكاتبا ذا أسلوب أدبى رفيع باللغتين العربية والفرنسية على السواء.
ترجم كتاب «كلمة حق على الإسلام والدولة العثمانية» عام 1894م وهو فى سن 27 سنة، وقام بتأليف كتاب «تاريخ دول العرب والإسلام» عام 1897م وهو فى سن 30 سنة،كما أصدر كتابين عن المرأة أولهما «تربية المرأة والحجاب» عام 1899م، والكتاب الثانى «فصل الخطاب فى المرأة والحجاب» عام 1901م، وفى عام 1910م أصدر كتابا مهما بعنوان «قناة السويس» يعارض فيه مد امتياز القناة لأربعين سنة أخرى تنتهى فى 2008، وأصدر فى 1911م كتابه الشهير «علاج مصر الاقتصادى ومشروع بنك المصريين أو بنك الأمة»، وهذا الكتاب يعد دراسة اقتصادية متكاملة مهدت لإنشاء بنك مصر، وفى نفس العام صدر كتاب له بالفرنسية بعنوان «مدرسة التجارة والتعليم التجارى بمصر».