الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى أيام قرطاج المسرحية: سوريا تفتح نافذة الأمل للجمهور ودورس فى تقنيات المسرح البصرى بـ«المجنون»!

فى أيام قرطاج المسرحية: سوريا تفتح نافذة الأمل للجمهور ودورس فى تقنيات المسرح البصرى بـ«المجنون»!
فى أيام قرطاج المسرحية: سوريا تفتح نافذة الأمل للجمهور ودورس فى تقنيات المسرح البصرى بـ«المجنون»!




على مدار عشرة أيام متواصلة، يتجول الجمهور التونسى يوميا فى شوارع الحبيب بورقيبة الجانبية، بين عشرة مسارح متنوعة يتفرق على أبوابها، كل حسب ميوله ورغبته فى المشاهدة، فهنا مسرح عربى وهناك مسرح أوروبى وآخر أفريقى، وبالتالى لم يكن هناك موقع لقدم بالعروض المشاركة ضمن فعاليات المهرجان، وذلك على اختلاف مواعيد عرضيها الأول والثانى، حيث تنوعت جولات الجمهور واختلفت توجهاته فى اختيار ومتابعة العروض، ومن ضمن هذه الأعمال والتى كان لها حضور بالغ العرض السورى «النافذة» على مسرح الحمرا إخراج مجد فضة وبطولة جفرا يونس ومازن جبة، قدم العرض ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربى بصفاقس، ثم ضمن فعاليات أيام قرطاج المسرحية، لخص العرض فكرة الإحباط بانتظار نقطة نور أو شعاع أمل، من خلال الصراع اليومى التقليدى بين رجل وزوجته الذى يتعمد إهمالها ويقتلها انتظاره بانشغاله الشديد عنها بلا شىء من وجهة نظرها، لكنه فى المقابل يرى ما لا تراه هى، ويؤمن بوجود شعاع ضوء من خلال النافذة التى يجلس أمامها طوال الوقت منتظرا الضوء البسيط الذى يخرج من النافذة المقابلة لمنزلهم، قدم المخرج وأبطال العمل هذه الفكرة بمهارة وتكثيف وبساطة شديدة، فلم تكتف البطلة بالتمثيل أو الأداء الظاهرى للشخصية بل اهتمت بكل تفاصيلها الإنسانية بداية من حركة جسدها وليونتها فى أداء هذه الحركة ومرورا بمحاولتها الغير مجدية فى إثارة زوجها كى يعيد اهتمامه بها مثلما يهتم بهذا الشعاع الخارج من تلك النافذة، ثم اهتمامها بإبراز الروح المعذبة لهذه الشخصية معنويا وإنسانيا، بجانب ذلك كان أداء الممثل مازن الجبة شديد القوة والعمق بلعب شخصية هذا الزوج الذى يتمتع ببرود شديد تجاه عنف زوجته وشجارها المستمر معه ولا مبالاته بكل ما يحدث فاهتمامه فقط منصب على هذا الضوء ولحظة خروجه من هذه النافذة، لم يستخدم المخرج أى بهرجة تذكر سواء فى الديكور أو حتى فى أداء وملابس الممثلين وكانت روعة هذا العمل فى شدة صدقه وبساطته فى توصيل رسالة العرض الذى انتهى بإيمان الزوجة بما آمن وانجذب إليه زوجها بعد أن شاهدت هذا الضوء البسيط المنبعث من تلك النافذة المقابلة، حمل العرض الكثير من المعانى الإنسانية فى قالب مسرحى ممتع وبسيط، وكان من أكثر الأعمال التى أجمع على جودتها جمهور المهرجان.
من الأعمال شديدة التميز أيضا والتى منحت دورسا فى كيفية استخدام تقنيات المسرح البصرى، عرض «المجنون» للمخرج توفيق الجبالى، فكلما كنت قادرا على إثارة دهشة الجمهور، كلما كنت مبدعا حقيقا، وهكذا كان الجبالى فى عرضه الأخير «المجنون» الذى عرض على خشبة مسرح التياترو، تناول العرض نص المجنون لجبران خليل جبران برؤية معاصرة للمسرح، فلم يستخدم جملا خطابية أو يستغل الممثل فى توصيل رسالة الكاتب بل استغل روح وجسد وصوت الممثل ومن ثم محاولة مزج هذا الجسد بخدع بصرية جعلت الجمهور وكأنه يجلس أمام أحد الأفلام السينمائية التى تتمتع بتقنية الـ«3D» فمن خلال طفرة تكنولوجية غير مسبوقة بالمسرح قدم الجبالى عرضه المسرحى غير التقليدى والمغاير لكل معايير ومنطق المسرح على الإطلاق، ففى هذا العرض ترى نفسك وكأنك أمام مرآة تجسدت على خشبة المسرح ثم تتحول بعد أن أصبحت تتمتع بهذه الشفافية والبصيرة إلى روح هائمة فى سماء الكون، وبدقة هذا المعنى قدم الجبالى الإنسان بعد خروجه من حالة صراعه النفسى الدائم والطويل وخروجه من ذاته وتحوله إلى روح شفافة هائمة فى الملكوت بعد أن يتهم بالجنون لبلوغه الغاية والحقيقة، غاية الأمل والوحدة فمن ضمن الجمل الهامة بهذا النص والتى تلخص صراع هذا المجنون الحقيقى «هكذا صرت مجنونا، ولكننى قد وجدت بجنونى هذا الحرية والنجاة معا..حرية الانفراد والنجاة من أن يدرك الناس كياني، لأن الذين يدركون كياننا إنما يستعبدون بعض ما فينا»، جسد المخرج هذا الصراع بتكوين مرئى على خشبة المسرح غير عابئ باستخدام الديكورات واكتفى فقط بصنع خدع بصرية بالفيديو بروجيكتور وبعض الستائر المتحركة والإضاءة الخافتة، ثم أصداء صوت الإنسان وما يجول بخاطره واعتمد بشكل كلى على الأداء الحركى للممثلين فأنت أمام عمل مسرحى  صوفى بصرى من الطراز الأول، وإذا أراد صناع المسرح دراسة ما وصل إليه من تطور تقنى فعليهم الذهاب إلى تياترو الجبالى!
من الأعمال المميزة أيضا التى شهدتها هذه الدورة ولاقت استحسانا جماهيريا كبيرا كان عرض «عنف» للمخرج فاضل الجعيبى على خشبة مسرح الفن الرابع، فبالرغم من طول مدة العرض واستمراره ساعتين متواصلين بلا انقطاع إلا أن مهارة المخرج فى صناعة إيقاع متوازن ومحكم بجانب مهارة الممثلين ومتعة متابعته أداءهم جعلت الجمهور لا يشعر بطول الوقت ولا ينظر فى ساعته متمللا كما يحدث عادة بالعروض الطويلة، بل على العكس تجاوب الجمهور بشدة وتابع العمل بشغف وانبهار خاصة بأداء الممثلة جليلة بكار وفاطمة بن سعيدان، تناول العرض اعترافات متفرقة داخل أحد السجون لمجموعة من المجرمين والمتهمين بجرائم قتل تنوعت حسب أبطال العمل، من الأعمال المميزة أيضا «ثورة دون كيشوت» للمخرج وليد الدغسانى والذى تناول بنقد لاذع وساخر حال الثورات العربية التى لم تكتمل والتى كانت مجرد وهم بإقامة ثورة وليس ثورات حقيقية.
بينما تباينت واختلفت الآراء حول العرض اللبنانى «عنبرة» كتابة وإخراج علية الخالدى، وهو مسرح توثيقى يستعرض سيرة ذاتية لحياة الصحفية والناشطة السياسية عنبرة سلام الخالدى التى شاركت منذ سن السادسة عشرة فى تأسيس أولى الجمعيات النسائية بلبنان حيث استعرضت المخرجة علية الخالدى وهى حفيدتها بالأساس حياة هذه السيدة بالمزج بين التمثيل والتوثيق لحياة هذه المرأة وإن كانت قضية العمل قد تجاوزت الوقت إلا أن المخرجة استطاعت تقديم عمل مسرحى متميز على مستوى الصورة وأداء الممثلين خاصة بطلة العمل والخادمة، وإن شابه بعض التطويل فى مناطق كثيرة، وكذلك كان عرض «فى مقام الغليان» من دولة الكويت كتابة وإخراج سليمان البسام تناول العرض قضايا العنف والاضطهاد الإنسانى خلال الحروب خاصة التى تتعرض له المرأة من ممارسة العنف الجسدى خلال هذه الفترات عن طريق حكايات متفرقة لبطلتى العمل واستخدم المخرج سينوغرافيا متميزة وضعت الجمهور فى هذه الحالة من الألم والكراهية، خاصة بوضعية البيانو المائلة فى منتصف المسرح، وبمصاحبة موسيقى ومؤثرات صوتية مزعجة، لكن لم يخدم أداء الممثلين بالحكى العمل كثيرا حيث كان أداؤهما ضعيفًا أقرب إلى سرد نشرات الأخبار منه إلى حكى قصص درامية مؤلمة، مما أفقد العمل متعته.
بجانب هذه العروض شهد عرضى مصر «زى الناس» إخراج هانى عفيفى والتابع لمركز الإبداع الفنى وعرض «يا سم» إخراج شيرين حجازى وإنتاج مسرح الفكلى حضورا جماهيريا متميزا بجانب ثناء الجمهور على العملين وترحيبه الشديد بالغنى والتنوع الذى ظهر عليه المسرح المصرى خلال أيام قرطاج، وفى حين أضفى إغلاق المسرح البلدى بتونس حالة من الكآبة على المهرجان خاصة يوم الافتتاح الذى فقد بريقه بسبب انتقاله إلى مسرح آخر، إلا أن هذه الدورة استطاعت خلق حالة من المزج بين أكبر قدر من الأعمال المسرحية الشديدة التنوع سواء العربية أو الإفريقية أو الأوروبية.