الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

برقيات تهنئة.. وفقط

برقيات تهنئة.. وفقط
برقيات تهنئة.. وفقط




محمد الوحيدى يكتب:

فى أمريكا، بعد السكرة، تأتى الفكرة.
بعد أن تنتهى الاحتفالات والفورة فى منسوب الأدرنالين لدى المؤيدين والمعارضين، الفرحانين والمحبطين، من نتائج الانتخابات الرئاسية، سيدخل الرئيس المنتخب ترامب فى «المغسلة»، كما هى العادة. حيث يتم غسله من كل عوالق الشعارات الانتخابية، وشوائب الوعود التى قطعها على نفسه وحلف الأيمان والطلاقات التى أقسم على تنفيذها فور تسلمه الحكم، ورويدًا رويدًا، يقوم فريق، بل فرق من أجهزة الدولة بإنزاله عن الشجرة، وترويضه مع مراعاة عدم مفاجأته بحقائق صاعقة قد تصيبه بحالة هستيرية أو خبل أكثر من الحالة التى هو عليها أصلًا، خاصة سيد الأرض الجديد دونالد ترامب، الآتى من خارج دوائر الحكم والدسائس السياسية والأمنية والمؤسسات والعلاقات الدولية والأجهزة.
عادة تستغرق العملية ثلاثة أشهر، حتى يتسلم الرئيس الجديد مقاليد الحكم، ولكن وبحسب التقاليد المرعية فى الولايات المتحدة الأمريكية، تبدأ جرعات (صناعة الرئيس) بعد 12 ساعة من إعلان النتيجة، يعنى فى اليوم التالى فورًا، وتكون على شكل تقارير من نوع «سرى للغاية» ونوع «غاية فى الأهمية» من تلكم التى لا تقدم إلا للرئيس المنتهية ولايته ونسخة منها للرئيس المنتخب، فيقرأ، ويجلس معه كبار ضباط المخابرات، والمستشارين، والعسكريين، والسياسيين، يشرحون ويحللون ويقدمون التقارير عن كل شىء وفى كل شىء، داخليًا  وخارجيًا ، سياسيًا  واقتصاديًا  وأمنيًا  وقانونيًا  وفنيًا  وكل ما يمكن أن يخطر أولا يخطر على بال.
وهنا يبدأ الرئيس المنتخب، بفهم حقائق الحياة، ويبدأ فى استيعاب ألوان الطيف بهدوء وروية، وتبعًا  لذلك يبدأ خطابه بالتغيير من حيث الشكل والطعم، وربما فى بعض الأحيان، بل فى كثير من الأحيان، تتغير وعوده، وتتلاشى وإذا ذكره أحدهم بها، تظاهر بأنه دخل شارع غلط، أو ربما لا يتكلم اللغة الإنجليزية.
طيب، هذا كلام جيد، بالنسبة للرئيس الأمريكى، المشكل هنا هى فيما لدينا، من جهابذة الأمة، ومراقبيها ومحللى الأخبار وخبراء السياسة الذين تراهم فى كل واد يهيمون، بعد أن ينتهى أحدهم من تحليل مباراة الزمالك أو ريـال مدريد فى إحدى القنوات ينطلق إلى قناة ثانية ليفتى فى تعويم الجنيه، ثم إلى ثالثة ليحلل أسباب التغير البيئى والاحتباس الحرارى، ومؤتمر فتح السابع، ونتائج عين السخنة، واليمن والعراق والموصل وداعش، وهو فى الطريق يكتب مقالًا عما يعرفه عن ترامب وكيف أنه سيعقد حلفًا مع الدولة الفلانية وسيقوى العلاقات مع مصر أو الباكستان ويقطعها مع كوالالمبور والبرتغال، مثلًا، وتجد، يا سبحان الله، المحلل يغير رأيه فى ذات نفس الموضوع بتغير المحطة فما يقال على الجزيرة، لا يقال على العربية، وما يقال على بى بى سى لا يقال على التليفزيون الرسمى، ويا سلام لو كانت الاستضافة على قناة الحرة، ستجد نغمة أخرى ومواقف  ذات بعد سابع.
وبجولة سريعة على قنوات العرب، ووسائل التواصل الاجتماعى، ستجد أن نتائج فوز ترامب شكلت ردات فعل مختلفة، أصحاب الطبول هللوا، واستبشروا وبشروا بعهد جديد، تتنهى معه القطيعة بين أمريكا ومصر وتتحسن الرؤية وربما تحل عقدة سورية ويتراجع التأثير فى ليبيا إلى حد الاختلاف والخلاف مع حلف الناتو الذى تقوده أمريكا نفسها، بل إن منهم من وضع تواريخ وجدول أعمال وخطوات تحدد تحركات ترامب فى هذا الاتجاه، بنوا هذا على ماذا؟ والله لا أعرف، هل هو الحدس أم هى المعلومة تأتيهم من قلب البنتاجون والمخابرات المركزية الأمريكية، والله مرة ثانية أنا لا أعرف، ولكن كل شىء جائز.
أما وسائل التواصل الاجتماعى، فحدث ولا حرج كانت مفاتن الأسرة الترامبية، خاصة السيدة الأولى، وصورها هى الأكثر تداولًا، والتى ركز عليها جيل الأمة العربية الصاعد الواعد الزاحف نحو القدس والتحرير، والانعتاق والاستقلال، ركز عليها بالتعليق والإعجاب أو الانتقاد، واستنبط ملامح الحكم الجديد، وشكل العلاقات الخارجية الأمريكية، بحسب ملامح ميلانيا ترامب وبنات ترامب، وتعرجات الحركة السياسية نحو الشرق الأوسط، والأوسط شرق.
فى الإجمال، وعلى مدى يومين، وبمتابعتى لكثير من القنوت العربية والصحف ووسائل التواصل، لم أر، قُدرة، عند مسئول عربى واحد، أن يخرج بموقف فيه «موقف» يمكن أن يصل إلى أذنى ترامب، ليُكتب فى الملفات ولو على سبيل الملاحظة التى سيتم عرضها عليه خلال الاشهر الثلاثة القادمة، لتشكل نقطة «معتبرة» يجب أن تؤخذ بالحساب، وتأكدت أن كل ما سيعرض عليه من «موقف العالم العربى» إذا ما سال أحد مستشاريه هو «لا شىء مهمًا، برقيات تهنئة فقط».