الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

ملتقى القاهرة الدولى للترجمة يبدأ فعالياته بـ«الأعلى للثقافة»

ملتقى القاهرة الدولى للترجمة يبدأ فعالياته بـ«الأعلى للثقافة»
ملتقى القاهرة الدولى للترجمة يبدأ فعالياته بـ«الأعلى للثقافة»




إعداد - تامر أفندى

 

بدأت فعاليات المحاضرة الافتتاحية لملتقى القاهرة الدولى للترجمة بعنوان «الترجمة مشروعا للتنمية الثقافية، والتى شارك فيها د. محمد عنانى شيخ المترجمين، وأدارتها د. أمل الصبان الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة.
 واستعرضت الصبان نبذة عن تاريخ د. محمد عناني، شيخ المترجمين، وأكدت أنه شخصية علمية ونقدية ثرية، وهو مترجم كبير، عمله الأصلى أستاذ متفرغ بقسم اللغة الانجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة، وله عشرات الكتب المؤلفة والمترجمة باللغتين العربية والانجليزية، وهو حائز على جائزة الدولة التشجيعية فى الترجمة عام 1993 ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1985، وجائزة الدولة للتفوق عام 1999، وجائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 2002، وجائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية فى الترجمة عام 2011، وترجم حتى الآن 12 مسرحية «لشكسبير»، إلى جانب الفردوس المفقود «لملتون».
وطالب عنانى فى مستهل حديثه بتصحيح خطأ شائع وهو ما يسمى بالترجمة العلمية والمقصود بها ترجمة العلوم الطبيعية مثل الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا، وعن تعريفه للترجمة العامة قال: «هى المناهج الدراسية التى بها ترجمة للمادة الإعلامية، ونوه عن العلوم النظرية فى كليات الحقوق والآداب والتجارة، حيث إن ترجمتها علمية دقيقة بمعنى الكلمة»، وأشار إلى الدراسة التوجيهية التى تنقسم إلى ثلاث شعب وهى الشعبة العلمية، الأدبية، الرياضيات وسميت بذلك الاسم لأنها توجه الطالب إلى دراسة جامعية متخصصة.
وأشار للعلوم الشعرية أو الإنتاجية عند أرسطو والتى تتعلق بالوصول إلى نتائج نهائية، والفكرة التى رأها فى التقسيم الكلاسيكي، هى وحدة المعرفة التى عاد إليها الفيلسوف الانجليزى «صمويل الكسندر»، هذه الوحدة يعاد اكتشافها اليوم، فعلم الجمال أصبح علمًا من العلوم الفلسفية، وأكد على أنه يخطئ من يزعم أن العلوم الرياضية لا تقول شيئا عن الجمال والخير، ونوه عن وحدة المعرفة التى تمثل الجانب النظرى للعلم أو ما يوصف به بأنه علم فى أوروبا من القرن الثالث الميلادى إلى التاسع، وهى الفترة التى يطلق عليها المؤرخون العصور المظلمة، وأكد أن اللغة هى كائن مراوغ والمعنى الثابت للفظ هو «وهم»، كما أكد على أن اللغة العربية تحب التكرار لتأكيد التعبير عن المعنى الواحد بأكثر من أسلوب.
الجلسة الثانية ناقشت.. لمن توجه الترجمة
بدأت فعاليات الجلسة الثانية من الملتقى الدولى للترجمة والتى تناولت محوراً مهماً وهو لمن توجه الترجمة؟، أدار الجلسة د. بدر الدين عرودكى.
وعن تجربته فى ترجمة الأعمال اليابانية قال أحمد فتحى فى بحثه «الترجمة والتوطين الثقافى _ الترجمة لمن؟»: «حتى عام ١٩٩٩ كانت هناك محاولات محدودة، لكنها مخلصة ودؤوبة من مترجمين مصريين وعرب لترجمة العديد من النصوص الأدبية اليابانية، ولكن من خلال لغات وسيطة كالإنجليزية، وكان اختيار للنصوص يتم من خلال شهرة مؤلفى تلك الأعمال فى الغرب وكثرة أعمالهم المترجمة، لذا حين بدأت خوض ترجمة النصوص اليابانية إلى العربية وضعت فى اعتبارى احتياجات واهتمامات القارئ العربى والمثقف العادى».
وفى نفس السياق تحدث المترجم السورى «ثائر ديب» عن ما يختاره المترجم من أعمال وأوضح بأن الأمر ليس بالاعتباطى ولا بالفردي، ولكن هناك عوامل كثيرة تتدخل فى هذا الاختيار، تبدأ بتفضيلات المترجم وخلفيته الثقافية والأيديولوجية، بالإضافة للثقافة السائدة وتحيزتها، كما تحدث عن نوعية الخيارات الترجمية الضرورية لثقافتنا العربية والأسباب التى تقتضى ذلك، واختتم ثائر بحثه بالحديث عن ضرورة وجود مشروع للترجمة، لا يكتفى بتوفير الكتب المترجمة فحسب بل يربطها بالثقافة والمجتمع المعنيين.
 وعن العصر الذهبى للترجمة تحدث المترجم خالد رؤوف قائلا: «العصر الذهبى للترجمة شهد ترجمات علوم وآداب حضارات مختلفة كحساب الهند، وفلك الكلدان،وفلسفة اليونانيين، ولم تترجم الملحمة والمسرحية والقصة فى الحضارة اليونانية لأسباب معروفة، فظلت تلك الأجناس مجهولة للعامة، وأكد على دور الترجمة الأدبية فى تطوير الأجناس الأدبية كون الترجمة محرض ثقافى فى المقام الأول، كذلك دورها فى تطوير اللغة.
وأشار د. عبد السلام شدادى فى حديثه بأن الترجمة فى البلدان العربية منذ القرن التاسع عشر حقتت نجاحات كبيرة فى ميادين الأدب والقانون والإدارة لكنها كما وصفها دون المستوى فى ميادين العلوم والثقافة العامة.
وقالت د. مكارم الغمري، ترجمة الأدب للأطفال مصدر هام لاكتساب المعرفة، كونه ينمى الذائقة الأدبية لديهم كما تعد الترجمات الأدبية رافدا حيويا وإحدى القنوات التى تسهم فى التعرف على التراث العالمى الزاخر بكنوز المعرفة الإنسانية الرحبة، وأكدت مكارم فى ورقتها البحثية على أهمية الانتقاء الجيد المدروس للنص المترجم الذى يراعى المراحل العمرية المختلفة للأطفال كذلك القدرات والإمكانات العقلية للطفل.
«الجلسة الثالثة.. الترجمة مابين الحرية والدقة والأمانة والمعايير»
حملت الجلسة الثالثة لليوم الأول من «ملتقى القاهرة الدولى للترجمة» عنوان «الترجمة مشروعا للتنمية الثقافية.
وعن معايير الوفاء فى الترجمة ومفاهيم الأمانة والدقة، تحدث د. حسين محمود قائلا: «فى كل مرة يواجه المترجم فيها نصًا تبرز له معضلة الأمانة التى تطارده منذ شاع المثل اللاتينى «المترجم خائن» وهو مثل صحيح إذا سلمنا بما سلم به الدارسون من استحالة الترجمة، لكن علوم الترجمة الحديثة سخرت من هذا المثل، وناقشت الأمر من زاوية استحالة الترجمة وإمكانية الترجمة، وبالطبع يعمل دارسو الترجمة الآن، وربما فى المستقبل، على معايير إمكانية الترجمة لا استحالتها، وفى هذا الإطار يصح أن نستبدل بمفهوم الأمانة مفهومًا أوسع قليلاً، وهو مفهوم الوفاء، وأشار إلى أنه يمكن ترجمة نص بوفاء كامل للغويات النص الأصلي، وتكون النتيجة أن تبدو الترجمة تقريبية وغير مرضية، وأكد أن أمانة الترجمة إذا تم فهمها على أنها التزام المترجم بما جاء به النص حرفيًا، تتحول إلى خيانة مؤكدة.
وتناول الشايب فى حديثه الحرية والترجمة قائلا: «يتمتع الكاتب بدرجة كبيرة من الحرية الإبداعية؛ فالأفكار أفكاره، وهو الذى يختار من الألفاظ ما يراه مناسبًا وكافيًا للتعبير عنها، كما أنه حر تمامًا أثناء عملية الإنتاج، يغير ويبدل ويعدل، أما المترجم محروم من هذا الترف، محكوم بعقد ضمنى مع المؤلف، عقد يتنازل فيه المؤلف عن لغته، ويتنازل هو فيه عن أفكاره؛، وأضاف لما كانت كل لغة من اللغتين - المترجم عنها والمترجم إليها، تجذب الأخرى وتأخذ منها وتعترض عليها»، كما يقول «الجاحظ»، أثناء عملية التحويل، ولما كانت كل ترجمة - أى ترجمة - ليست سوى القراءة الأعمق للنص فى لغته الأصلية، نستطيع أن ندرك عمق أزمة المترجم الذى يحاول أن «يخدم سيدين» فى الوقت نفسه هما المؤلف والقارئ.
أما المترجمة سحر توفيق، فأشارت إلى أن الترجمة تعتبر من الحقول المعرفية الحديثة، والتى لم تحظَ بعد باستقرار فى النظريات التى تتناولها؛ وأكدت أن نظريات الترجمة بدأت مجرد «نظريات وصفية»، تصف للمترجمين كيف يقومون بالترجمة، وفى أواخر الخمسينيات ظهرت لأول مرة الدعوة لوجود حقل معرفى أكاديمى خاص بالترجمة منفصلاً عن الدراسات الأدبية أو اللغوية، واستمرت المحاولات لدراسة الترجمة كحقل معرفى متخصص، وإن ظلت تلك الدراسات تتداخل مع حقول معرفية أخرى، خاصة الأدب المقارن، حتى ظهرت الدراسات الحديثة التى تتناول جوانب عديدة منها معنى الأمانة والدقة.
وتناول صلاح نيازى الدقة والأمانة فى الترجمة وتطرق لمفهومهما ككلمتين لا يختلف فى معناهما اثنان، للوهلة الأولى، ولكنْ فى الوهلة الثانية، حينما نحاول تأطيرهما، تبدأ الصعوبة، ويصبحان لغزيْن مستغلقيْن كما سنرى؛ إذْ كيف نقيس الدقة؟ وبأيّ معيار نزن الأمانة؟ مع ذلك لا بدّ لنا من وسيلة ولو تقريبية لمفاضلة ترجمة على ترجمة، وحتى نبتعد عن التنظير مؤقتًا لنأخذْ ثلاثة أمثلة من الترجمات لثلاثة من أساطين المترجمين، واستشهد بالمترجم البريطانى «مايكل هامنبيرغر» المتخصص بترجمة الشاعر «الألمانى هيلدرلن»، والشاعر الأمريكى «إزرا باوند»، صاحب أوسع النظريات فى الترجمة، قائلا: يقول هيو كينرHugh Kenner فى مقدمته لكتاب «ترجمات إزرا باوند»: كان «إزرا باوند» يمتلك الشجاعة والدهاء فى صنع صيغة جديدة مشابهة من حيث التأثير بالنصّ الأصلي، فوسّع من حدود الشعر الإنجليزي، أمّا عن ترجماته عن «كونفوشيوس» فيقول هيو كينر: «ترجمات إزرا باوند هنا ما هى إلا تبادلات بين أصوات الأحياء وشخصياتها مع أصوات وشخصيات الأموات»، واختتم حديثه بذكره لأول مترجم فى التاريخ اسمه «شين نيقى نينيني» الذى ترجم ملحمة «جلجامش» من البابلية إلى الآشورية.
وتحدث عادل النحاس عن الترجمة من خلال وقوعها بين الالتزام الأدبى والالتزام الأخلاقي، كما تعرض إلى المشكلات والصعوبات التى تواجه المترجم أثناء ترجمته لعمل من الأعمال، وأشار إلى أن هناك العديد من التساؤلات التى تدور حول مدى التزام المترجم بطبيعة العمل الذى يترجمه، وكذلك بجنس العمل «روائي، مسرحي، شعر ، نثر»، وتطرق لتجربته الشحصية أثناء مشاركته فى ترجمة ومراجعة بعض الأعمال عن اللغة اليونانية القديمة، مثل ترجمة: ملحمة «الإلياذة» لـ«هوميروس» التى صدرت عن المركز القومى للترجمة عام 2004، وكتاب «طبائع الشخصيات» للكاتب والفيلسوف اليونانى «ثيوفراستوس» التى صدرت عام 2015، وترجمة «موسوعة كمبريدج فى النقد الأدبي - العصور الوسطى»، وغيرها من الأعمال
«الجلسة الرابعة.. مناقشة الترجمة والتنوع الثقافى بالأعلى للثقافة»
أكد د. قحطان الفرج الله، أن الترجمة أحد أهم العناصر فى تشكيل ثقافات الشعوب؛ لأنها إحدى الوسائل الغنية للتعارف والتقارب والتفاهم والاختلاف، كما سلط بحثه الضوء على مساحات مهمة كأثر الترجمة فى ثقافتنا العربية، وتناول ماهية الأنساق الثقافية والنقدية والمعرفية التى ولدتها الترجمة فى عصور مختلفة، وكيفية مساعدة الترجمة للقارئ العربى من التعرف على الآخر وهضم ثقافته وتحويلها إلى عنصر ثقافى يقود إلى التعايش وتقبل المختلف، مستخلصًا أنه يمكن للترجمة أن تكون وسيلة لنقل ثقافات الأمم المختلفة، عندما يكون المترجم عارفًا وواعيًا بثقافة تلك الأمة واللغة.
جاء ذلك خلال مشاركته فى الجلسة الرابعة من ملتقى القاهرة الدولى للترجمة تحت عنوان «الترجمة مشروعًا للتنمية الثقافية»، بورقة بحثية عنوانها «الترجمة والتنوع الثقافي»، وأدارتها د. غراء مهنا.
وأشار د. محسن فرجانى فى ورقته البحثية إلى موضوع «ترجمة الأدب العربى فى الصين»، مشيرًا إلى أنه مبراجعة جهود ترجمة الأدب العربى فى الصين سنلاحظ الدور الواضح للجمعيات أو المدارس الفكرية التى أسهمت بشكل فعال فى إضفاء الطابع المؤسسى عليها وإمدادها بالمناخ العملى والمنظور الفكرى المناسب، سواء عند الدارسين الذين شكلوا بداية حركة الاستعراب، من جيل المبعوثين إلى المنطقة العربية إبان أواخر عشرينيات القرن العشرين، أو عند الأكاديمين من المتخصصين فى الأقسام العملية بالجامعات الصينية خاصًة منذ أوائل الثمانينيات؛ مما أسهم فى ضبط الأداء الترجمى وإخضاعه لرؤى وتخطيط عملى يتجاوز حدود الاجتهادات الفردية من قبل المترجمين.
وأكدت د.فاطمة مسعود فى ورقتها البحثية «أبيات الصمت فى القصيدة الألمانية: أين هى من الترجمة؟»، أن الخشية من ترجمة الشعر، وصعوبة الإبحار فى هذه المحاولة تُعزى إلى طبيعته؛ فهو يمثل التجربة اللغوية فى أقصى درجاتها تكثيفًا، وهو تجربة إبداعية متفردة غير قابلة للمحاكاة، من حيث إنها تصف فى قالب إيقاعى أصفى الحالات الوجدانية بأبعادها شديدة التداخل، وترجمة الموروث الشعرى للغات الأخرى إلى العربية تمثل تجربة تأويلية بالدرجة الأولى فى إعادة إنتاج النص، بحيث يحسب نتاج هذه التجربة فى النهاية لصالح ثقافتين بينهما حوار.
أمّا د. يارا المصرى فاستشهدت فى ورقتها البحثية «الترجمة والإنسان والمستقبل»، بقول الشاعر الأمريكى «بول إينجل»: «ما دام العالم ينكمش بعضه على بعض كالبرتقالة القديمة، وما دامت جميع الشعوب فى كل الثقافات يقترب بعضها من بعض.. وإن يكن اقترابًا يتم على كراهية وريبة.. فيجب إذن أن تكون الجملة الحاسمة بالنسبة إلى السنوات الباقية من حياتنا على الأرض هي: الترجمة أو الموت، إن أسباب الحياة بالنسبة إلى مخلوق على ظهر الأرض ربما تعتمد يومًا ما على الترجمة الفورية والدقيقة لكلمة واحدة»، وأشارت إلى أنه ربما كان هذا القول أدق ما يصف أهمية الترجمة فى عصرنا الراهن، خاصة مع التصاعد المستمر لضرورتها يومًا بعد يوم.