الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

لوحة للفنان «محمود سعيد» تظهر بمتحف الفن الحديث بقطر بعد أكثر من 50 عاما على اختفائها

لوحة للفنان «محمود سعيد» تظهر بمتحف الفن الحديث بقطر بعد أكثر من 50 عاما على اختفائها
لوحة للفنان «محمود سعيد» تظهر بمتحف الفن الحديث بقطر بعد أكثر من 50 عاما على اختفائها




كتبت - سوزى شكرى

ليست هذه هى المرة الأولى وقد لا تكون الأخيرة التى يتكشف لنا فيها وجود أغلى وأهم لوحات لرواد الفن المصرى،البعض قد تمتلكه متاحف دول عربية قررت شراء تاريخنا بزعم أن اقتناءهم للفن المصرى من اجل الحفاظ عليه وليس من أجل تسويقها والمتاجرة بها فى المزادات على حد تصريحاتهم، على ما يبدو أنهم يدركون أننا لا نستحق تراثنا وذلك لانهم توصلوا إليها بسهولة وببساطة لذلك قالوا: «الاقتناء من اجل الحفاظ عليها».

 

ودول عربية أخرى نعلم انها تعادى مصر ومصابون بهوس اقتناء الفن المصرى من اجل التباهى والتفاخر إنهم بالمال دفعوا ثمن تراثنا وان كانت بعض ما تملكه بطريقة غير شرعية، ولا لوم عليهم لاننا نعلم ان تراثنا مباح من زمن لا نحسد عليه، ولا نغفل سببا رئيسيا ساهم فى صراع الاقتناء العربى هو ظهور قاعات المزادات العالمية المتخصصة فى بيع لوحات رواد الفن المصرى الحديث، حيث أصبح العمل الفنى سلعة للاستثمار والمتاجرة المشروعة فتح هذا الاستثمار الباب على مصراعيه للتهريب والتزوير الذى لم يكن موجودا فى زمن روادنا، ولكن الزمن تغير وكل شيء أصبح مباحا وللبيع حتى التاريخ.
ولأننا نغار على تراثنا فمن حقنا أن نتساءل هل اللوحات المعروضة فى المتاحف العربية تملكها وزارة الثقافة أم لا؟ وعلى المسئولين الرد بوضوح وشفافية حتى نحسن الظن بقيادات وزارة الثقافة ونوقف التشكيك المستمر بجدارة فى متاحفنا ونرفع الحرج عن الدول العربية التى تملك أعمال روادنا.
على صفحاتنا فى روزاليوسف ذكرنا مرارا وتكرارا أننا مثلما نملك إرثا فنيا لا يقدر بالمال نملك أيضا إرثا من الإهمال والتقصير نتج عن غياب التوثيق تلك القضية الأزلية من زمن بعيد، وعدم وجود كتالوج لمتاحفنا يضع المسئولين فى قفص الاتهام وأخشى أن تضيع الحقائق بسبب عدم المبالاة أو الرد على أسئلتنا المشروعة التى دائما ما نطرحها، ولماذا نخفى ما نملكه ونتعامل مع مقتنيات متاحفنا واللوحات المعارة بسرية وتكتم.
اليوم نقف أمام قضية جديدة تكشف الإهمال والتقصير الذى نوهنا عنه وهو ما أدى إلى دخول أعمال روادنا إلى ساحة القضاء، فقد تقدم «ياسـر عمـر أميـن أبـو النصـر» المُحـامِـى والباحث فى مجالى حقوق الملكية الفكرية وسوق الفن ببلاغ إلى النَّائب العام بشأنِ اختلاسِ وتهريبِ لَوحة فنية تُمثلُ قيمةً قوميةً إلى خارجِ البلاد، تلك هى لَوحة «قُبرص بعد العاصفة» للفنَّانِ محمود سعيد (1897-1964) والتى رسمها فى عامِ 1943 والمتواجدة ضمن «موسوعة متحف الفن الحديث والعالم العربى» بمدينة الدوحة القطرية، وموثقة أنها من ممتلكات متحف الدوحة، وأن المحامى والباحث «ياسر عمر أمين» لديه ما يثبت أن اللوحة من مقتنيات متحف الفن المصرى الحديث بالأوبرا.
وقد أرفق بالبلاغ العديد من الدلائل من بينها ما ذكره الفنان والناقد الراحل أحمد فؤاد سليم فى كتابة «الفن وأحواله» مقالته بعنوان (ليست وحدها «الراهبة» التى ضاعت)، تحدث «سليم» عن ضياع عشر لوحات تمثل علامات محورية فى حركة الفن المصرى الحديث وذلك أثناء عرضها فى «معرض مونتفيديو Montevideo عاصمة الأرجواى عام 1960 من ضمن هذه اللوحات لوحة محمود سعيد «قبرص بعد العاصفة» وعلى حد قول «سليم»: «كل ما فعله وكيل وزارة الثقافة والإرشاد - يومئذ الكاتب الراحل عبد المنعم الصاوى- هو الذى اعتمد كشفا يضم إحدى وأربعين لوحة، ولم يستجب أحد لكل المراسلات ولا الخارجية ولا السفير ولا القنصل- ولم يكن وكيل وزارة الثقافة والإرشاد القومى حريصا على استعادة اللوحات التى اعتمد خروجها من مصر، وتلك هى مصائب الإدارة فى بلادنا».
وبسؤالنا لمقدم البلاغ للنائب العام «ياسر عمر أمين» أوضح التالى: « تقدمت الخميس الموافِق 24/11/2016 ببلاغ إلى السيد النائب العام (قُيِّدَ تحتَ رقم 14794 لسنة 2016 عرائِض النائب العام)، بشأنِ لَوحةِ «قُبرص بعد العاصفة، التيِ أبدعَها الفنَّانُ الراحل محمود سعيد (1897-1964)، وذلك فى ظِل ما توافرَ لدى مِن معلوماتٍ، ولفائِفَ مِن الأدِلَّةِ والقرائِنِ، دفعتْنيِ لِأنْ أتوجَّهَ بدوريِ إلى السَّيدِ النَّائِبِ العام.
فوجئْت باختفاءِ لوحة فنية، من مُقتنياتِ «مُتحَفِ الفن المِصرى الحديثِ»، التّابعِ لقطاعِ الفنون التشكيلية (وزارةُ الثقافةِ)، موسُومة بعنوانِ: «قُبرص بعد العاصفة» بالفرنسيةِ “Chypre après l’orage”، (ألوان زيتية، مقاسُ 73 x 86 سم) أبدعَها الراحِل الفنَّانُ محمود سعيد (1897-1964) فى عامِ 1943، والموضح بيانُها ببطاقةِ الوصفِ المُرفقةِ، أحدُ رُوادِ الفن المِصرى الحديثِ، وترجِعُ أهمية تلك اللَّوحةِ، كونُها تُعد قيمة إبداعية قومية، بل فى الحق إرثًا فنيا، وكَنْزا وطنيا، وبمُتابعةِ أطوارِ سَيْرِ تلك اللَّوحةِ الهامةِ pedigree، وجدت أنها قد خَرَجَتْ إلى خارجِ البلادِ بطريقة غيرِ مشروعة.
اللَّوحةَ الفنيَّةَ مِصريَّةَ المِيلادِ، ووطنيَّةَ المَنْشأ، وقد أثبتَ جدولَ إعارات مُقتنياتِ مُتحَفِ الفنِّ المِصريِّ الحديثِ؛ الخاصُّ بأعمالِ الفنَّانِ محمود سعيد أنَّ تلكَ اللَّوحةَ مملُوكَةٌ للدَّولةِ، وتحتَ الإشرافِ المُباشِرِ والسيطرةِ الكامِلةِ لقِطاعِ الفُنونِ التشكيلية (الإدارةُ العامة للمتاحِفِ الفنيةِ) التَّابِعُ لوزارةِ الثَّقافةِ (ومُوثَّقةٌ بالسِّجلِ تحتَ رقمِ «1297»، رقمُ المخزنِ «2»، اسمُ الفنَّانِ: «محمود سعيد»، خامةُ العملِ: «زيت»، زمنُ الاقتناءِ: «1960»، «إعارة خارجية»، جهةُ الإعارةِ: «معرضُ مونتفيديو Montevideo - أمريكا الجنوبية، ومنها إلى بعثةِ مِصرَ بنيويورك، تاريخُ 17/6/1960»، ليكونَ هذا آخِرَ مثواهَا، لنُفاجأَ فى وقتٍ تالٍ، بأنَّ تِلك اللَّوحةَ الفنيَّةَ قد أضحتْ يقينيا ضِمنَ المُقتنياتِ الرَسميةِ «للمتحَفِ العربى للفن الحديثِ» بمدينةِ الدَّوحةِ بدولةِ قَطَرٍ، لتَخْرُجَ خُفْيَةً من قبضةِ الدَّولةِ المِصريَّةِ وملكيَّتِها لها، لتَسْكُنَ بذلك مُقتنياتِ المُتحَفِ القطريِّ على عهدٍ غيرِ مشروعٍ.
وآيَةُ ذلك ودليلُه، أنَّ اللَّوحةَ الفنيَّةَ محلُّ البلاغِ - والتيِ أضحتْ حيازةَ المتحَفِ القطرى - صارتْ معروضةً ضِمنَ المجموعةِ الدائمةِ للمتحَفِ العربى للفنِّ الحديثِ بقَطَرٍ، وبيانُ ذلك من خِلالِ ما أُتِيحَ من بياناتٍ، نُشِرَتْ على الموقعِ الإلكترونى الرسمى لمشروعِ «موسوعةِ متحَف للفن الحديثِ والعالمِ العربيّ Mathaf Encyclopedia of Modern Art and the Arab World (MEMAAW) www.encyclopedia.mathaf.org.qa، والَّذيِ أُسسَ من قِبلِ المتحَفِ العربى للفن الحديثِ بالدوحةِ، بالتَّعاوُنِ مع «هيئةِ مُتاحِفِ قَطَرٍ»، و«مُؤسَّسةِ قَطَرِ للتَّربيَّةِ والعُلومِ وتنميَّةِ المُجتمعِ» والموضوعة بهدفِ توثيقِ مجموعةِ المُقتنياتِ الدَّائمةِ للفنَّانينَ العَرَبِ بالمُتحَفِ توثيقًا شامِلًا، بالإضافةِ إلى مجموعاتٍ أُخرىَ من الأعمالِ الفنيَّةِ، من خارجِ مجموعةِ المُتحَفِ، وتقديمِ السِّيَرِ الذَّاتيَّةِ الشَّامِلةِ لحياةِ هؤلاءِ الفنَّانينَ، ومنهُمُ الفنَّانُ المِصريُّ محمود سعيد، باعتبارِ أنَّ بعضًا من لَوحاتِه الفنيَّةِ، والتيِ يبلُغُ عددُها أربعَ عشرةَ لَوحةً، تُمثِّلُ إحدىَ مُقتنياتِ المُتحَفِ، كما هو مُوضَّحٌ على الرَّابط التالي:
http://www.encyclopedia.mathaf.org.qa/ar/bios/Pages/Mahmoud-Said.aspx
وحَقُّ الأمرِ، إنَّ انتزاعَ تِلك اللَّوحةِ الفنيةِ محل البلاغِ خِلْسَةً من بينَ مُقتنياتِ «مُتحَفِ الفنِّ المِصريِّ الحديثِ»، وأن وضعها على خِلافِ ما هو معهود ومتعارَف عليه فى إجراءاتِ سَفَرِ مثلِ هذه اللَّوحاتِ إلى خارجِ البلادِ ما هو إلَّا هدمٌ فى جِدَارِ الوطنِ، وشَرْخٌ فى نسيج الفن، التيِ هى أحدُ قُوُمِ تُراثِنا الفني، والأمرُ على تلك الشَّاكلةِ قد لا يخلُو من أنْ يكونَ «اختلاسًا» و»استيلاءً» بغيرِ حَقّ للمالِ العامِ، وتسهيلُه للغيرِ، وذلك بموجبِ المادَّتيْنِ (112) و(113) من قانونِ العُقوباتِ، و«إضرارًا بِه»، لِمَا عُهِدَ إليه برعايتِه بموجبِ المادَّتيْنِ (116 مُكرَّر) و(116 مُكرَّر أ)، وكذا «الإضرارُ بإهمالٍ» نتيجةَ الإهدارِ لمالٍ ثقافيٍّ وتُراثيٍّ، يُعَدُّ من المُقتنياتِ القوميَّةِ المُتحَفيَّةِ، التيِ لا يجوزُ التَّصرُّفُ فيها، بما يُخالِفُ وجهَ القانونِ والاتفاقيَّاتِ الدُّوليَّةِ المعنيَّةِ بحمايةِ الأموالِ والمُمتلكاتِ الثَّقافيَّةِ، لاسِيَّما «اتفاقيَّةُ اليُونِسْكُو الخاصَّةُ بالتَّدابيرِ الواجبِ اتِّخاذُها لحظْرِ ومنعِ استيرادِ وتصديرِ ونقلِ مِلكيَّةِ المُمتلكاتِ الثَّقافيَّةِ بطُرُقٍ غيرِ مشرُوعةٍ» لعامِ 1970 (المادَّةُ الأُولىَ، بندُ ز، 1)، والتيِ صدقت عليها مصر عام 1973.
لمْ أكُنْ أبغيَ سِوىَ «المصلحةِ العامَّةِ»، إزاءَ تقدُّميِ ببلاغيَّ ذا، التيِ تعلُو ولا يُعْلَىَ عليها، وتسمُو ولا يُسْمَىَ عليها، كونُها تتعلَّقُ بتاريخِ وطنٍ، وتاريخِ فنَّانٍ، ذلِكُمُ الجِسْرُ الَّذيِ باتَ مُنقطِعًا بينَ تيْنِ الكيانيْنِ (الوطنُ - الفنَّانُ). لذلك فإنِّيِ أمُلُ أنْ يلتقيَ السَّاعِدُ بالسَّاعِدِ، ساعِدُ «الفنَّانِ» بساعِدِ «القانونيِّ»، ساعِدٌ يُبدِعُ، وساعِدٌ يصُونُ، وليكُنْ هدفُنا واحدًا، هو السُّمُوُ بمقامِ الفنِّ الأمينِ، الَّذيِ هو مرآةٌ للمُجتمعِ؛ ولِأنَّ الفنَّ تِرْيَاقٌ صافٍ، فلا يجوزُ أنْ تَرْنَقَهُ الشَّوائِبُ بعدَ نُصُوعِه، ولابُدَّ أنْ يكونَ هُناكَ من السَّواعِدِ الفتيَّةِ التيِ تقِفُ على أهُبَّةٍ مِن الاستعدادِ، كيِ تُحافِظَ عليه شامِخًا شاهِقًا، ذلكَ الدَّورُ الَّذيِ آليْتُ على نفسِيَّ - مُتواضِعًا - أنْ اضَّطلِعَ بِه.
ومن هُنا، كانَ دَوريِ كباحِثٍ ومُحامٍ فى مجاليِّ المِلكيَّةِ الفِكرِيَّةِ وقانونِ سُوقِ الفنِّ، لِأنْ أتقدَّمَ ببلاغيَّ ذا، لحَثِّ جهاتِ التَّحقيقِ على فَكِّ اللُّغْزِ، وإظهارِ ما ضَمُرَ من حقائِقَ، لتكتمِلَ تِلْكُمُ الحَلَقَةُ المفقودةُ مِن سِلسالِ تاريخِ إبداعاتِ الفنَّانِ (أو ما يُعْرَفُ بـ«المصدرِ التَّاريخيّ، وإنِّيِ لَفِيِ بلاغيَّ ذا، أرْبَأُ بذَوُيِ العُصْبَةِ مِن الفنَّانينَ وذَوُيِ الشَّأنِ، أنْ يكُونُوا شاغِليِ حيِّزٍ ببلاغيَّ هذا، فالأمرُ فى صدرِه وعَجُزِه قَيْدُ التَّحقيقِ، لإجلاءِ حقيقةٍ، هى «للوطنِ» قبلَ أنْ تكونَ «للفنِّ»، ولتظلَّ «لُغةُ القانونِ» هى وسيلةُ التَّواصُلِ بيْنَنا، لِمَا يَحُدُّهَا مِن الحُدودِ، وما يسُوجُها مِن الأسْوِجَةِ، وما يُعْليِ تجاوُزُها مِن آثارٍ. ولَكَمْ كانَ هذا البلاغُ كيانًا مُتَّصِلَ الفِكَرِ، مُتواصِلَ المعانيِ، تَصِلُ الوطنيَّةُ خُيوطَه بينَ كُلِّ لفظةٍ مِن ألْفاظِه، ليظلَّ القانونُ مِشْكَاةً تعْلُو كُلَّ لفظةٍ، وكُلَّ معنىَ، لذا كانَ حرصيَّ الأشدُّ، أنْ أُرْفِقَ صُورةً منهُ لِمَنْ شاءَ أنْ يتدبَّرَ عباراتِه، لعلَّ ما بِه يكونُ دواءً لكُلِّ داءٍ، وشافيًّا لكُلِّ ذيِ صادئٍ، وإنَّمَا قد تقدَّمتُ ببلاغيَّ ذا حتَّى يتَّضِحَ الحَقُّ.