الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

من «بيت الله» إلى «البيت الأبيض» وثائق «صعود» و«سقوط» الإخوان «الحلقة العشرون»

من «بيت الله» إلى «البيت الأبيض» وثائق «صعود» و«سقوط» الإخوان «الحلقة العشرون»
من «بيت الله» إلى «البيت الأبيض» وثائق «صعود» و«سقوط» الإخوان «الحلقة العشرون»




دراسة يكتبها هانى عبدالله

برعاية «المخابرات الأمريكية»: أسرار تحالف «تركيا - قطر - الإخوان» فى «بروكنجز الدوحة»!

بالتزامن مع تحركات «الولايات المتحدة»؛ لتمهيد الطريق داخل «المجتمعات الإسلامية»، فيما قبل زيارة «أوباما» للقاهرة، مباشرة (وفى سياق البرنامج المُستقبلى للارتباط بقوى الإسلام السياسى، أيضًا)؛ كان أن استحدث «البيت الأبيض» واحدة من أهم إداراته الداخلية الجديدة.. إذ حملت «الإدارة الجديدة» مُسمى: «إدارة الارتباط العالمى» (Global Engagement Directorate)؛ لدعم «سياسات الارتباط» على المستويات: الدبلوماسية، و«التنمية الدولية».. إلى جانب الارتباطات المتعلقة بـ«الأمن الأمريكى».
ومنذ تأسيس الإدارة، التى تم إسنادها إلى «براديب رامامورثي» (Pradeep Ramamurthy)، فى يوليو من العام 2009م؛ مثلت الإدارة المُستحدثة «مرجعية أساسية» للعديد من الدبلوماسيين الأمريكيين، قبل تكليفهم بأى مهام خارجية؛ نظرًا للثقة التى أبدتها، حينئذ، «إدارة أوباما» فى مسئول الإدارة الجديدة (براديب رامامورثي)، ونائبته «جينى أوريزار» (Jenny Urizar).
 فقد كان «رامامورثى» أحد الكوادر «النشطة» من ذوى الخلفيات: «الاستخبارية»، و«الأمنية»، و«السياسية».. إذ سبق وأن خدم فى كلٍ من: «مكتب التحقيقات الفيدرالي» (FBI)، ومكتب «مدير الاستخبارات القومية» (DNI)، و«البيت الأبيض».. بينما كانت نائبته (أى: جينى أوريزار) (1)، إحدى عضوات فريق مجلس الأمن القومى الانتقالى (أوباما- بايدن) بالعام 2008م، كما تولت – فيما بعد – مسئولية «إدارة التخطيط الاستراتيجي» الخاصة بفريق مجلس الأمن القومى بـ«البيت الأبيض».
■ ■ ■
كان من أول المهام الملقاة على عاتق «الإدارة الجديدة» وضع الخطوط الرئيسية لخطاب «أوباما» بجامعة القاهرة، فى 4 يونيو من العام 2009م (تكفلت «جينى أوريزار» بتلك المهمة، بشكلٍ رئيسٍ).. إذ مثّل «الخطاب» أول خطوات الإدارة المُستحدثة فى الدفع بـ«سياسات الأمن القومى الأمريكي»، نحو الاعتماد على «شركاء إسلاميين» بمنطقة الشرق الأوسط، نيابة عن الأنظمة القائمة بها (2).
لكن.. كان ثمة دورٌ «تكميلي» آخر لتلك المهمة، يتعلق بالترويج للخطاب (من حيث الأصل) على نطاق واسع بين ربوع العالم الإسلامى.. وهو دور لم تتدخر «الإدارة الجديدة» وسعًا فى تنفيذه، عبر الشركاء «المُستقبليين» للولايات المتحدة بالمنطقة.. إذ تم ذلك الأمر تأسيسًا على ثلاثة محاور رئيسية، هي:
(أ)- فتح حوار موسع حول الشراكة بين «الولايات المتحدة الأمريكية»، و«العالم الإسلامى»؛ اعتمادًا على مراكز التفكير المختلفة (Think Tanks).
(ب)- دعم الدورين: «القطري»، و«التركى»؛ من أجل تعميق الاتصالات مع «قوى الإسلام السياسي» بالمنطقة.
(ج)- ترسيخ عمليات الاتصال بين «البيت الأبيض» و«إخوان أمريكا» تحت لافتة: «الأمن الداخلى».. والتواصل (بشكل عام) مع المنظمات الإسلامية «العاملة» بالولايات المتحدة؛ من أجل الاستقرار على صيغة من «المفاهيم المشتركة»، حول الإرهاب، وعلاقته بالدين الإسلامى.
ومن ثمَّ.. كان أن تداخلت «المحاور الثلاثة» على مدار الأشهر التالية لـ«خطاب جامعة القاهرة»، إلى حدٍّ بعيد.. إذ مثل ذروة هذا التداخل «منتدى أمريكا والعالم الإسلامي» الذى استضافته «الدوحة»، خلال الفترة من: 13 إلى 15 فبراير من العام 2010م، فى تعاون (مباشر) بين «الحكومة القطرية»، ومعهد «بروكينجز» (The Brookings Institution).. وهو «منتدى» تم افتتاحه بكلمة «مسجلة» جديدة للرئيس الأمريكى «باراك أوباما»، تحدث خلالها عن «البدايات الجديدة» مع العالم الإسلامى (!)
■ ■ ■
على مدار الأيام الثلاثة، التى امتدت خلالها فاعليات المنتدى؛ كان على رأس المتحدثين من ممثلى «الجانب الشرق الأوسطى»، كلٌ من: الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان» (كان رئيسًا للوزراء، وقتها)، ورئيس الوزراء، ووزير الخارجية القطري، الشيخ «حمد بن جاسم آل ثان» (!)
وفى حين شارك بعض ممثلى «الأنظمة العربية» بعدد من تلك الفاعليات؛ كان أن مثلّ الجانب الأمريكى (خلال أيام المنتدى الثلاثة)، كل من: وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة «هيلارى كلينتون»، والسناتور «جون كيري» (وزير الخارجية فى ولاية أوباما الثانية)، والسفير «ريتشارد هولبروك» (Richard Holbrooke)، ومبعوثة الخارجية الأمريكية الخاصة للجالية الإسلامية «فرح بانديث» (Farah Pandith)، والمبعوث الأمريكى لمنظمة التعاون الإسلامى «رشاد حسين» (Rashad Hussain)، ومدير «إدارة الارتباط العالمي» المُستحدثة «براديب رامامورثي» (Pradeep Ramamurthy) (3).. إلى جانب كل من: نائب رئيس معهد بروكينجز» للسياسة الخارجية «مارتن إنديك» (Martin Indyk)، ومدير الاستخبارات السابق بمكتب «الاستخبارات والأبحاث» التابع لوزارة الخارجية الأمريكية «ألين كايسويتر» (Allen Keiswetter).
وفيما مثّل «المنتدى» أحد نقاط الارتكاز «المهمة» فى التمهيد للسياسة الأمريكية الجديدة بالمنطقة؛ كان أن أتبعت «الإدارة الأمريكية» هذا الأمر بتنسيق أكثر عمقًا مع قيادات «إخوان أمريكا».. إذ رفعت من مستوى تمثيلها خلال المؤتمر السنوى لـ»المعهد العالمى للفكر الإسلامي» (IIIT)، الذى تلى فاعليات المنتدى، بشكل مباشر.. وألحقت إلى جوار عدد من ممثليها السابقين بالمنتدى (مِثل: «كيرى»، و«بانديث»، و»رشاد حسين»)، مدير برنامج تحليل سياسات واستراتيجيات الإسلام السياسى بـوكالة الاستخبارات المركزية «إيميل نخلة» (Emile Nakhleh)؛ للمشاركة بالمؤتمر.. إذ كان «نخلة» (4) أحد الداعمين بقوة (عبر البرنامج الذى أداره داخل الوكالة) للارتباط مع قوى الإسلام السياسى بمنطقة الشرق الأوسط.
وبالتالى.. قررت «إدارة أوباما» (الديمقراطية) أن يواصل – من جديد – جهوده فى دراسة هذا الأمر، بشكل أكبر، والاستفادة من تطبيقات التوصيات التى انتهى إليها داخل الوكالة، بعد أن عرضها - فى أعقاب أحداث 11 سبتمبر  - على إدارة «بوش – الابن» (الجمهورية)،
■ ■ ■
وفيما كانت الاستعدادات لمؤتمر «المعهد العالمى للفكر الإسلامي» على أشدها؛ كان أن استبق «أوباما» فاعلياته (بتوصية من إدارة الارتباط العالمي)، وأحدث تحولاً ملحوظًا فى «بنية المصطلحات»، المستخدمة بوثائق الأمن القومي؛ لخلق «مساحة أكبر» من عناصر الجذب لتيار الإسلام السياسي.. إذ وفقًا لما كشفه عدد من خبراء مكافحة الإرهاب، فى حينه؛ فقد تمت إزالة مصطلحات، مثل: «التطرف الإسلامي» من الوثيقة «المركزية» الخاصة باستراتيجية الأمن القومى الأمريكي.. وهى الوثيقة التى حددت -  من قبل – عقيدة «بوش» (الابن) عن «الحرب الوقائية»، إذ نصت على: (إن مواجهة «التطرف الإسلامى العنيف»، بمثابة «صراع أيديولوجى» كبير خلال السنوات الأولى من القرن الحادى والعشرين).. وأوضح الخبراء أنفسهم، أن تلك «التنقيحات» جزءٌ من «جهد أوسع» يقوم به «البيت الأبيض»، إذ تم بناء تلك «التحولات» خلال ما يقترب من عام.. أى منذ ذهاب «أوباما» إلى القاهرة (مصر)، ووعده بـ»بداية جديدة» فى العلاقات بين «الولايات المتحدة» و«العالم الإسلامي» (5).
.. وفى تزامن «لافت» مع تلك التحولات «المعلنة» فى الخطاب الأمريكى (أي: خلال شهر إبريل من العام 2010م)؛ كان أن تم الانتهاء من تشكيل ما بات يُعرف باسم: «مجموعة عمل مصر» (The Working Group on Egypt).. وهى مجموعة تم تشكيلها (بشكل تنسيقي) بين عدد من «الخبراء» المنتمين لـ«مراكز التفكير» المختلفة.
وفى حين كان الهدف «المعلن» للمجموعة (إلى جانب دراسة «عملية التغيير» فى الحالة المصرية عن قرب)، هو الدفاع عن «نشطاء الديمقراطية»، والترويج لها على نطاق واسع (!)،. إلا أنها، فى الواقع، كانت صوتًا إعلاميًّا «صاخبًا» للقطاعات الصقورية بـ«الحزب الجمهوري»، إذ يُمكننا – هنا – ملاحظة أن غالبية أعضاء «المجموعة» من المحسوبين على تيار «المحافظين الجدد»، مثل:
 «إليوت أبرامز» (Elliott Abrams): عضو مجلس العلاقات الخارجية، وهو ممن خدموا – أيضًا – بـ«مجلس الأمن القومى» خلال «إدارتى»: «رونالد ريجان»، و«جورج دبليو بوش» (بوش الابن).
.. و«روبرت كيجان» (Robert Kagan): عن «معهد بروكينجز» (عمل، أيضًا – فى وقت سابق - بمؤسسة «كارنيجي» للسلام الدولي)، إذ كان وقتها سكرتيرًا لـ«مجلس السياسات الخارجية» التابع لوزارة الخارجية الأمريكية.
.. و«سكوت كاربنتر» (Scott Carpenter): عن «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، وكان – فى  وقت سابق – أحد الكوادر النشطة بالمعهد الجمهورى الدولى (IRI).
.. والسفير «إدوارد ووكر» (Edward Walker): مساعد وزير الخارجية الأمريكية «الأسبق»، عن «معهد الشرق الأوسط».
و«توم مالينوفسكى» (Tom Malinowski): مدير منظمة «هيومن رايتس ووتش» (Human Rights Watch)، وعضو «مجلس الأمن القومي» خلال «إدارة كلينتون».
و«إلين بورك» (Ellen Bork): المديرة السابقة لمؤسسة «فريدم هاوس» (Freedom House)، عن «مبادرة السياسة الخارجية» (Foreign Policy Initiative)، كما كانت النائبة «السابقة» لمدير مشروع القرن الأمريكى الجديد (PNAC).
.. و«توماس كاروثرز» (Thomas Carothers): عن مؤسسة «كارنيجي» للسلام الدولي، وسبق له العمل بوزارة الخارجية الأمريكية عبر «الوكالة الأمريكية للتنمية» (USAID) ببرامج نشر، ودعم الديمقراطية بدول «أمريكا اللاتينية» خلال إدارة «رونالد ريجان».
.. و«ميشيل دَان» (Michele Dunne): عضو مجلس إدارة «الصندوق الوطنى للديمقراطية (NED)، كممثلة عن «مؤسسة كارنيجى»، كما كانت عضوة سابقة بـ«إدارة التخطيط السياسى» بوزارة الخارجية الأمريكية، و«مجلس الأمن القومى».
.. و«دانيل كالينجيرت» (Daniel Calingaert)، النائب السابق لرئيس مؤسسة «فريدم هاوس» (Freedom House)، ممثلاً عن مركز «راند» (RAND)، كما كان أحد القيادات الفاعلة بالمعهد الجمهورى الدولى (IRI)،
ومن ثمَّ.. بدت «مصر» خلال تلك الفترة (أى فيما قبل 25 يناير)، وكأنها هدفٌ لتصورين (يتفقان فى الهدف، ويختلفان فى آلية التنفيذ).. إذ يرى «أولهما» حتمية نقل الصراع للداخل، بشكل أكبر، عبر  تقديم مزيد من الدعم لـ«نشطاء الشارع»، ومنظمات المجتمع المدني.. بينما يرى «ثانيهما» ضرورة منح «المساحة الأكبر» من الدعم لمشروع «الارتباط بقوى الإسلام السياسي»، إذ إنها القوى الأكثر تأثيرًا داخل المجتمعات الإسلامية (!)

.. ونكمل لاحقًا


هوامش

 (1)- درست «جينى أوريزار» الاقتصاد والعلوم السياسية بـ«لندن» (The London School of Economics and Political Science)..  وتشغل – حاليًا – موقع مستشار  «الشراكات الدولية» بمكتب وزير الخارجية الأمريكى «جون كيري» (Senior Advisor in Secretary Kerry’s Office of Global Partnerships).
(2)- راجع محاور «الخطاب» بالحلقة السابقة من الدراسة، تحت عنوان: (رسائل «أوباما» العشر.. لتمكين «الإخوان» من حكم مصر).
(3)- خلال الجلسة التى تحدث خلالها «براديب رامامورثي» كان إلى يمينه «صائب عريقات»، وإلى يساره «نبيل فهمي» (وزير الخارجية المصرية، فيما بعد).
(4)- ولد «إيميل نخلة» بفلسطين، ودرس «العلوم السياسية» بجامعة «سانت جون».. ثم حصل على درجة الماجستير فى العلوم السياسية من جامعة «جورج تاون»، ودرجة الدكتوراه فى «العلاقات الدولية» من الجامعة الأمريكية.. وخدم بوكالة الاستخبارت المركزية الأمريكية (CIA)، لنحو 16 عامًا، قبل أن يتقاعد بالعام 2006م، ويتابع (مرة أخرى) نشاطه الأكاديمي، ويصدر كتابه الذى طالب خلاله بضرورة الارتباط بين «واشنطن» وقوى الإسلام السياسي، تحت عنوان: (A Necessary Engagement: Reinventing America>s Relations with the Muslim World) بالعام 2009م.. وهو ما وضعه على «خط تماس» مباشر مع «إدارة أوباما» التى أخذت على عاتقها تنفيذ هذا البرنامج.
لمزيد من التفاصيل عن «البرنامج»، يُمكن مراجعة الفصول الثلاثة الأولى من كتابنا: ( كعبة الجواسيس : الوثائق السرية لتنظيم الإخوان الدولى )، طبعة: مركز الأهرام للنشر (مؤسسة الأهرام الصحفية)، القاهرة، 2015م.
(5)- Obama Bans Islam, Jihad From National Security Strategy Document, Fox News, April 07, 2010, available at: http://www.foxnews.com/politics/2010/04/07/obama-bans-islam-jihad-national-security-strategy-document.html