الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

عبد الرحيم يوسف: الشعر منحنى «السلوى» فى أوقات عصيبة.. والقصائد ساعدتنى على الرؤية وسط ضباب الأحداث

عبد الرحيم يوسف: الشعر منحنى «السلوى» فى أوقات عصيبة.. والقصائد ساعدتنى على الرؤية وسط ضباب الأحداث
عبد الرحيم يوسف: الشعر منحنى «السلوى» فى أوقات عصيبة.. والقصائد ساعدتنى على الرؤية وسط ضباب الأحداث




حوار - إسلام أنور

عبد الرحيم يوسف شاعر ومترجم مصرى من مواليد الإسكندرية عام 1975، أصدر أربعة دواوين شعرية بالعامية المصرية: «قصايد ماتت بالسكتة القلبية»، «م المرحلة الزرقا»، و«قطة وقديسة وجنية»، و«جيم أوفر»، ونشر العديد من القصائد فى دوريات وجرائد مصرية، ويعتمد عبد الرحيم فى قصائده على لغة خاصة لا تقوم على المفارقة والدهشة بقدر ما تطرح أسئلة عن المعاش واليومى أسئلة تحاول اكتشاف الإنسان والحياة دون تكلف أو تعقيد، منطلقًا من ذاته ومحيطه الاجتماعى حيث الأصدقاء والحبيبة والمدينة هم محور العديد من القصائد.
ويستعد عبد الرحيم لصدور ثلاثة دواوين جديدة هى «كراكيب جديدة» عن دار العين، و«ألعاب خطرة» عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، و«عفريت العلبة»،
عن تجربته الشعرية دار معه هذا الحوار.


■ فى قصائدك هناك حالة من السخرية والتمرد على الصور الشعرية المفرطة ماذا يمثل الشعر لك وهل تغير وعيك ومفهومك للشعر من مرحلة لأخرى؟
 سأجيب من نهاية السؤال: بالطبع تغير وعيى بالشعر ومفهومى عنه من مرحلة لأخرى، بدأت الكتابة منذ سن صغيرة للغاية، وكنت أجد فى الشعر مساحة لإبراز المهارة والقدرة على رص الكلمات والقوافى التى اكتسبتها من القراءة، كنت أكتب بالفصحى محاولات عمودية، ثم فى مرحلة تالية كتبت التفعيلة بالفصحى والأغنية بالعامية ثم قصيدة تفعيلة العامية، وفى الأخير بدأت أكتب قصيدة نثر العامية وتوقفت عن الكتابة بالفصحى، فى البداية كان الشعر عندى تنفيسا للموهبة وإبرازا للمهارة كما قلت، مع وجود صوت خافت للذات وأحلامها وأحزانها، بعد ذلك تحول الشعر عندى لأرض غامضة أحاول اجتلاء أسرارها بقصائد بها مسحة من هذا الغموض.. غموض الحياة ومعناها أمام مراهق وشاب صغير، لكن بعد ذلك أصبح الشعر عندى تعبيرا عن محاولتى لفهم غموض هذه الحياة التى أحياها، أقصد ذاتى فى مواجهة العالم.. أصبحت ذاتى موجودة بشكل صريح وتحولت معاناتها وأفكارها لأرض خصبة للكتابة، ولم تعد القصيدة أرضا للغموض و«الفذلكة» بقدر ما حاولت أن تكون مساحة لأوضح لنفسى ولمن يقرأ مفهومى ببساطة عن هذا الغموض.
■  هناك حالة حوارية حاضرة ودعوات متعددة للقارئ ليكون جزءا من القصيدة إلى أى مدى تتعامل مع القارئ بوصفه شريكًا فى القصيدة؟
سأحاول أن أكون صريحا، الذات التى أتوجه إليها بالخطاب هى ذات قريبة: غالبا أنا أو الأنثى «فعلا وليس مجازا لأى وطن أو خلافه» أو حتى للأصدقاء والأعداء والمحيطين، لا أحب التعالى على القارئ وأرى أنه حر فى تلقيه وفهمه للقصيدة واعتباره لها شعرا أصلا أو لا، لكن يهمنى أن أشير إلى أن هذه الروح «الحوارية» لم تكن مقصودة فى البداية إلى أن لفت انتباهى بعض الأصدقاء المسرحيين «وأنا عملت مع الكثيرين منهم فى الإسكندرية سواء فى كتابة الأغانى أو الإعداد، إلى هذه الروح وبدأ بعض الأصدقاء الفنانين مثل شريف الدسوقى وكريم عبد النعيم وحكيم عبد النعيم فى توظيف قصائد «وليست أغاني» من ديوان «م المرحلة الزرقا» وقصائدى الأخرى فى عروضهم المسرحية.
■ فى ظل هذا الاحتفاء من أصدقائك المسرحيين هل فكرت أن تكتب مسرحيات أو أى نوع أدبى غير الشعر مثل القصة أو الرواية؟
الحقيقة لم أفكر أبدا فى كتابة نصوص مسرحية، لكن وأنا صغير توقفت لفترة عن كتابة الشعر وحاولت كتابة القصة ثم عدت للشعر، فى بعض الأحيان تراودنى فكرة كتابة رواية خاصة، وأن أصدقاء كثيرين يرون أنى حكاء جيد وكثيرا ما يطلبون منى كتابة حكاياتى «وهى حكايات شخصية حقيقية بالفعل» لكنى لا أملك الجرأة ولا الوقت لفعل هذا.
■ لماذا تتحفظ فى إجابتك السابقة على فكرة الأغانى وأكدت أنها كتبت كقصيدة وليست أغنية؟
بالنسبة للأغانى أنا لم أتحفظ بشأنها، فأنا أكتبها أحيانا سواء للمسرح أو لنفسى وفى وقت من الأوقات عام 2001 وحتى 2003، شاركت بكتابة أغانى لفرقة موسيقية سكندرية اسمها «أمواج» توقفت بعد ذلك، لكنى أردت التأكيد على أن الأصدقاء المذكورين كانوا يستخدمون قصائد فى مونولوجات مسرحية وليست أغاني.
■  فى ديوانك « م المرحلة الزرقا» جاء الإهداء لعدد من الأصدقاء المبدعين منهم أحمد عبد الجبار وماهر شريف وأحمد صالح إلى أى مدى تمثل الصداقة مساحة مهمة فى تجربتك كمبدع؟
 الحقيقة هؤلاء الأصدقاء والمبدعون قبل أن يكونوا أصدقاء كان لهم دورا كبيرا فى التفاعل مع تجربتى سواء بالمناقشة الجادة والنقد العنيف أو بالتشجيع والمحبة الصادقة، ولذلك كتبت إهداء هذا الديوان وهو الثانى فى مسار الكتابة والأول فى شكل قصيدة النثر بالنسبة لي، وكان الإهداء يشمل أسماء عدد أكبر من الأصدقاء لكن تم اختصاره لظروف النشر.
■ فى قصيدة إشارات مرور الوقت تقول «المباغتة أسلوب مناسب جدًا / للسقوط، والحب، والخديعة» هل تتعامل مع الكتابة بمنطق المباغتة أم هناك طقوس محددة للكتابة؟
ليست لدى طقوس للكتابة، فى فترة من الفترات تحديدا منذ عام 2001 إلى عام 2006 كنت أكتب بغزارة شديدة فى أى وقت وفى أى مكان، تباغتنى جملة ما أو فكرة فأسير وراءها ولكن بوعى تام، أنا لا أؤمن بالوحى فى الكتابة وإنما أؤمن باقتناص الجملة أو الفكرة والعمل عليها.
■ فى قصيدة محاورات أمشير أشرت لثلاثة مصطلحات «الأحادية والحدية والتحديد» ما الذى تعنيه لك كلً مرادفة فيهن؟
فى هذه القصيدة كنت ألعب ساخرا بينما أنا فى علاقة عاطفية معذبة بالفعل، اكتشفت أن السخرية تخفف عنى هذا الألم، وتجعلنى على مسافة منه تقينى شره وتجعله أكثر وضوحا فتخرج القصيدة بريئة بعض الشىء من آلام السنتمنتالية على الرغم من رومانتيكية الموقف، ومعانى هذه المفردات الأحادية والحدية والتحديد واضحة ويمكن الرجوع للمعجم للتفريق بينها، لكنى فى القصيدة كنت ألعب على تشابه الجذر اللغوى وعلى موسيقية تكرار الحروف وعلى السخرية من اللغة المتقعرة أحيانا والفارغة أحيانا،
■ لماذا الشتاء حاضرا دوما فى قصائدك؟
الشتاء فهو فصلى المفضل ومجال حركتى الأثير فى مدينى البائسة الإسكندرية، كما أنى ولدت فى الشتاء، فى فبراير / أمشير بالمناسبة! وكان هذا الفصل بما يثيره من شجون وبرد هو فترة كتابة الكثير من قصائدى التى يبدو أنى كنت استدفئ بها فى كثير من الأحيان!
■ تكتب الشعر وتترجم وتمارس العمل الثقافى من خلال مؤسسة جدران فى الإسكندرية وتعمل كمدرس للغة الإنجليزية أين عبد الرحيم يوسف من كل ذلك؟
عبد الرحيم يوسف هو كل هذا، تغيرت شخصيته وتشكلت بالعمل فى كل هذه المجالات بحلوها ومرها، أحيانا أشعر بالضجر والرغبة بالتوقف عن كل هذا والتفرغ للقراءة والكتابة، لكن هذا حلم بعيد فأنا لدى أسرة وحياة يجب أن تسير، يكفى أننى لا أعمل فى الدروس الخصوصية القاتلة للروح والوقت وأعمل فى مجالات أحبها تعوض عنى قليلا متاعب العمل صباحا كمدرس. لكن حلم التفرغ لا يكف عن مطاردتى بالطبع.
■ سؤال اللغة واحد لكل كاتب كيف وهو هل وعيك باللغة وماهيتها اختلف من مرحلة لأخرى؟
 لهذا السؤال علاقة بالسؤال الأول وإجابتى عن السؤال الأول قد تتشابه مع إجابتى هنا، لكنى أؤكد أن وعيى بمسألة العامية وخصوصيتها دون أن أحمل أى كراهية للفصحى التى كتبت وترجمت بها وأرد بها على أسئلتك هذه، هذا الوعى تغير مع الوقت: من وعى مستمد من الشعر العامى وأغانى الأبنودى وسيد حجاب وقصائد صلاح جاهين وحداد وقبلهما بيرم، إلى انتباه كبير للغة الشارع واللغة الحية المستخدمة فى محيطى والتى استخدمها أنا نفسى مطعمة بمفردات الفصحى القادمة من خلفية القراءة والثقافة الرسمية الغالبة. هكذا تصبح القصيدة مساحة للصراع والتعايش بين مفردات ومستويات لغوية عديدة بما فيها كذلك اللغة الإنجليزية والمفردات الأجنبية التى تحفل بها العامية وخاصة العامية الإسكندرية، هذا المزيج هو لغتى: لغة مشتركة ومفتوحة لكنها تحمل خصوصيتها داخل النص على ما أطمح.
■ قلت أنك أصبحت تكتب الشعر لتتعرف على ذاتك وتعبر عنها بعد هذه السنوات ما الذى منحه لك الشعر وما سلبه منك؟
منحنى الشعر السلوى فى أوقات عصيبة، وكانت القصائد فى بعض الأحيان تكشف لى غموض مشاعرى واضطرابها وتساعدنى على الرؤية وسط ضباب الأحداث، ولا اعتقد أنه سلبنى شيئا على الإطلاق، بل أضاف لى دائما.