السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أحقا تم الطلاق بين أمريكا وداعش؟

أحقا تم الطلاق  بين أمريكا وداعش؟
أحقا تم الطلاق بين أمريكا وداعش؟




يكتب: هشام فتحى

تقدم أمريكا الآن للعالم وجهها الجديد، القديم، الرجل الأبيض «الكاوبوي»، راعى البقر المتمرس، بسيجارة الكوبى الفاخر، أظهرته هوليوود قديما على شاشاتها الفضية، يجرجر وراءه ذلك الزنجى مربوطا بحوافر فرسه الأغر. أمريكا البيضاء «البروتستانتية» تلك التى تأسست على أفكار المهاجرين (الأنقياء) وعضلات الزنوج والجنس الأسود.
وبالرغم من تدين المؤسسين الأوائل، إلا أن هؤلاء الساسة حاولوا فصل الدين عن الدولة، لكن هيهات، لقد دار الزمن دورته، ليعلن الرئيس المنتخب «دونالد ترامب» عودة «أمريكا المسيحية»، أمريكا العظيمة من جديد، لتقاتل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لتفنيه من الوجود.
وفى خطابات الرجل الكاوبوى وبمناظراته ولقاءاته التليفزيونية قبل انتخابه، شن الهجوم تلو الهجوم على المسلمين، ليس فقط على داعش، ودعا لمراقبة كل مسلم بأمريكا مراقبة أمنية صارمة، ومراقبة المساجد كذلك، تلك التى تنشر أيديولوجية داعش، وتنشر الموت والخراب والكراهية بالعالم أجمع.
ويبدو أن ترامب، وبالأحرى منظمى حملته الانتخابية على دراية كاملة بأيديولوجيا داعش، فالأمريكان هم صناعهم ومبرمجوهم ومخرجوهم وحماة مموليهم فى الجانب الشرقى من البحر الأحمر، يقول ترامب فى حديث ألقاه ببلدة كياوا أيلاند (كارولينا الجنوبية) إن الفاتيكان هو الهدف الأقصى للدولة الإسلامية، وأن البابا ينبغى عليه أن يسأل الله حماية ترامب. ومن الواضح أن ترامب قد استنبط نتيجته هذه من حديث صحيح مسلم «لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج لهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ».
إن تنظيم الدولة الإسلامية ليعزف على اوتار سلسلة المعارك هذه ضد جيوش الروم فى آسيا الصغرى، فلن يخرج المسيخ الدجال، ولن تعصف الفتن بالعالم، ولن ينزل عيسى (يسوع) إلى مدينة الناصرة لينقذ الأرض إلا بعد وقوع هذه المعارك. (راجع دويتش فيله). إذن، هل تريد الإدارة الأمريكية الجديدة أن تدير حربا استباقية إفنائية ضد هؤلاء القوم حلفاء الأمس؟ هل تفرط أمريكا بخدامهم الإرهابيين بكل تلك السهولة على خلفية قراءة أيديولوجية لمعرفية قديمة سحيقة التزمين؟ ولماذا الآن؟ ما الذى تغير؟ كيف تجابه أمريكا دولا ترنو النهوض والبعث من جديد بالمنطقة قد تختار قيم العلمنة والمواطنة والحرية طريقا لحياة سياسية حديثة؟ أو ليس الجهاديون الدواعش هم أدوات الأمريكان والغرب عموما فى لجم وضرب أى محاولة لقيام دول إنتاجية تصنيعية حرة مستقلة بالمنطقة؟ ما الذى تغير؟
وبالرغم من أن كلا من الحليفين يعلم حقيقة نوايا الطرف الآخر تجاهه، إلا أنهما براجماتيان جدا فى رؤية المشهد والتصرف بشأنه، يعلم الجهاديون أن الحرب خدعة (صحيح البخاري)، وأن المسلمين الأوائل لطالموا استخدموا الخداع التكتيكى فى حروبهم لتحقيق أهدافهم، فما المشكلة إذن فى التحالف المؤقت مع عدوهم لحين يأتى وعد الله بهزمه وزلزلته؟ يقول «أبو محمد العدنانى» وهو المتحدث الرسمى السابق لتنظيم الدولة الإسلامية، يقول فى واحد من أشهر خطاباته «وسوف نفتح روماكم (فاتيكانكم)، ونكسر صلبانكم، ونسبى نساءكم بإذن الله تعالى، سبحانه لا يخلف الميعاد، إن لم ندركه نحن فسوف يدركه أبناؤنا أو أحفادنا، ويبيعوا أبناءكم فى سوق النخاسة» (دويتش فيله).
نفس الخطاب السحيق، الجهاد ماض إلى يوم القيامة، فما الذى تغير؟ ما الذى جعل حلفاء الأمريكان فى سوريا والعراق وسيناء وليبيا أعداء اليوم؟ وهل أدار لهم الكاوبوى الجديد ظهر المجن؟ يقول ترامب إنه يتبع الكنيسة المشيخية ويريد حصد أصوات المسيحيين البروتستانت، وقد لاقى نجاحا فى ذلك. (بى بى سى). ولقد وعد المرشح الجمهورى أن يعد خطة فى غضون شهر لهزيمة داعش فى حال فوزه بالرئاسة، ولسوف يخوض حربا عسكرية ضدهم وحربا على مستوى الأيديولوجيا أيضا. (آر تى). فما هى الآليات التى سوف يستخدمها النظام الأمريكى الجديد لضرب داعش فكريا؟ أتراه يكتفى بالفضائيات المسيحية المنتشرة جدا بالمنطقة العربية - وبالحقيقة يقدم البعض منها أعمالا علمية معتبرة ومحترمة - أم تراه يمتد بالفعل إلى تعديل المناهج الدراسية لطلاب المدارس والجامعات بالدول التابعة وفق الأيديولوجيا الأمريكية؟
وإنه لمن اللافت للنظر أن ترامب فى مناظرته الثانية ضد المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون طلب منها أن تسمى الأشياء بأسمائها فعليها أن تنطق (الإرهاب الإسلامى) و(التطرف الإسلامى). (اليوم السابع). لقد تهرأ النسيج المجتمعى الأمريكى بالفعل، هذه حقيقة، يريدون العودة للكاوبوى القديم، ففى تقرير للتايمز الامريكية يعلن بصراحة أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت عظيمة واستثنائية قبل تمييع نسيجها الغالب من العرق الأبيض بدخول أقليات وملونين ومطالبتهم بمساواة الحقوق. (الصباح الجديد).
إذن هى نهضة الرجل الأبيض البروتستانتى لاستعادة مجده التليد، استعادته ممن يراهم أغرابا، أعداء، ملونين، يرومون تدمير دينه والنيل من حرية أبنائه وتفتيت دولته. لكن يتبقى السؤال: أحقا تريد «أمريكا ترامب» الاستغناء عن دواعشها المجاهدين؟ هؤلاء الذين طالما نفذوا أوامر الغرب فى تفتيت المنطقة العربية والعالم الإسلامى، وكبح جماح التنمية تحت رايات سوداء تتخفى وراء الدين، وإذا كان ذلك صحيحا فما هى يا ترى أدوات الغرب الجديدة فى السيطرة على المنطقة والعالم؟