الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

المرأة.. الرومان احتقروها واليونان حسبوها سلعة تباع.. والمسيح حررها من الدونية

المرأة.. الرومان احتقروها واليونان حسبوها سلعة تباع.. والمسيح حررها من الدونية
المرأة.. الرومان احتقروها واليونان حسبوها سلعة تباع.. والمسيح حررها من الدونية




كتب - علاء الدين ظاهر

واجهت المرأة صعوبات كثيرة منذ أن ظهرت على وجه الأرض، إلا أن أكثر تلك الصعوبات إيلاما لها النظرة التى كانت تعتبرها شيئا هامشيا فى الحياة رغم أهمية دورها، حيث نرى المرأة منذ القدم مهضومة الحقوق وتعانى من عدم الإنصاف، تتحمل أتعابا وأوجاعا مبرحة فى الحمل والولادة ثم يقول الناس والتاريخ أن الرجل هو الذى أنجب وينسون أن المرأة هى التى تعبت وحملت وولدت، وإذا أرادوا وصفها فى الكتب المدرسية يصورونها «تمسك بالمقشة فى البيت أو تطهو الطعام فى المطبخ أو تحمل طفلها على كتفها»، وكأن هذا هو عملها واختصاصها الوحيد.

 

الباحثة هاجر سعد الدين مصطفى أجرت بحثا بعنوان «المفاهيم المتوارثة عن المرأة فى التراث القبطى» ضمن المسابقة البحثية المركزية لثقافة المرأة لعام 2016 عن «المفاهيم الخاطئة حول المرأة فى التراث والموروث الشعبى (إشكالية ثقافية)»، وأشارت فى بحثها إلى أن العالم القديم نظر للمرأة على أنها كائن أدنى بدون أى حقوق شخصية، ومن أجل هذا فقد أكد المؤرخون أن الحضارة القديمة قد سقطت بسبب عاملين هما العبودية والتقليل من شأن المرأة، حتى أن الفيلسوف اليونانى أرسطو يقول:الرجل يجب أن يسود على زوجته وأولاده، باعتبار أنه بحسب الطبيعة أكثر قدرة على القيادة من المرأة»، بل يرفض استقلالية المرأة حتى داخل بيتها، إذ تنحصر فضيلتها فى مجال الخدمة والخضوع للرجل.
البحث رصد وضع المرأة عند الرومان الذين احتقروها لدرجة وضع أقفال على فمها تشبه الكمامة التى توضع الآن على أفواه الجمال والكلاب المسعورة، وأغلقت دونها الجامعات وحرم عليها الضحك والكلام، وعند اليونان حسبوا المرأة سلعة تباع، وفى البيئة اليهودية التى عاش فيها يسوع كان للمرأة وضع دونى، فرض عليها فى مجتمع سادة الرجال على كل الأصعدة، وكان هذا الوضع يستند إلى نصوص الشريعة التى وإن وفرت للمرأة قسطا من الحماية، إلا أنها اعتبرتها دون الرجل كرامة ومقاما، ففى المجتمع اليهودى كان الرجل يحتل المكانة الأولى فى الهرم الاجتماعى، ثم بعد ذلك العبد فالمرأة ثم الطفل.
وفيما يتعلق بالنقطة الرئيسية للبحث «المفاهيم المتوارثة عن المرأة فى التراث القبطى»، أبرز البحث موقف السيد المسيح عليه السلام من المرأة، حيث كان للسيد المسيح عليه السلام موقف فريد حيال جميع الذين جعلهم المجتمع هامشيين بفعل الوضع الساقط المتحكم به ومنهم المرأة، فلقد أعاد للمرأة اعتبارها وحررها من نير الدونية والانتقاص وقد تجلى هذا على صعيد تعاليمه وسلوكه، فلم يعلم السيد المسيح مباشرة عن المرأة وطبيعتها ومكانتها وعلاقتها بالرجل، ولكن نستطيع أن نستشف موقفه منها بوضوح من خلال تعليمه عن الطلاق وعن الشهوة.
سئل يسوع إن كان (يحل لأحد أن يطلق امرأته لأية علة كانت)، ومن طرحوا عليه السؤال كانوا ينتظرون منه فتوى شرعية فى هذا الصدد، لكن المسيح لم يشأ أن يجاريهم فى نظرتهم الشرعية بل تجاوزها إلى جذور القضية، أى إلى طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة كما رسمها التصميم الإلهى لخلق الإنسان، فأجاب: (أما قرأتم أن الخالق منذ البدء جعلهما ذكرا وأنثى وقال:لذلك يترك الرجل أباه وأمه، ويلزم امرأته فيصير الاثنان جسدا واحدا، فلا يكونان اثنين بل جسدا واحدا، لا يفرقن الإنسان ما جمعه الله)، هكذا أعاد المسيح طرح الموضوع من منظار جديد، فلقد كانت المرأة اليهودية تعتبر من فصيلة الأشياء، كانت بالطبع شيئا مميزا يستحق رعاية خاصة، ولكنها كانت شيئا على كل حال، فكان بديهيا أن من حق الرجل التخلى عن زوجته كما أن من حقه التخلى عن أى شىء يملكه.
المسيح يؤكد أن العلاقة بين الرجل والمرأة كما يراها الله ليست علاقة إنسان بشىء، مهما سمت قيمة هذا الشىء، انما هى علاقة شخص بشخص، هكذا كان سلوك المسيح كله إعادة اعتبار للمرأة المسلوبة، المهدورة الكرامة، الذى لا خوف فيه ولا عدوان ولا تسلط بين الرجل والمرأة، ولم يحجم المسيح فى سبيل ذلك عن مخالفة الأعراف الاجتماعية السائدة، ففى بيئة المسيح التاريخية لم يكن للمرأة دور فى الحياة العامة، حيث كانت كل المسئوليات محصورة بين الرجال وتنحصر مسئولية المرأة فى بيتها وإنجاب الأولاد وتربيتهم، واذا بالمسيح يخالف هذا العرف فيسمح بأن تنضم النساء إلى الجماعة التى ترافقه فى تجواله التبشيرى حيث نجد فى إنجيل لوقا لائحة بأسماء بعض النساء اللواتى خرجن مع يسوع وكن يخدمنه بأموالهن.
ورصد البحث وضع المرأة فى تاريخ الأقباط، ففى العهد الجديد نرى القديسة مريم والدة الإله، ونرى أيضا أنها عندما ذهبت بالمسيح مع يوسف إلى الهيكل لتقديم الذبيحة، استقبلهم إثنان رجل وأمرأة سمعان الشيخ والنبية حنة بنت فنوئيل التى قضت نحو 84 سنة لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وصلوات ليلا ونهارا، وهناك مريم المجدلية التى تبعت المسيح ووقفت إلى جوار صليبه حتى استودع روحه، وذهبت باكرا إلى القبر مع النسوة وظلت واقفة أمام القبر الفارغ مع أن الرسولين بطرس ويوحنا عادا أدراجهما بعد أن رأيا الأكفان الموضوعة، وقد كافأها الرب بأن ظهر لها أولا قبل ظهوره لغيرها.
وكثيرات هن النساء اللائى ذكرهن القديس بولس الرسول فى رسائله واللائى قابلهن فى أسفاره، ففى رسالته إلى رومية يوصى على فيبى خادمة كنيسة كنخريا، اذ يشهد لها انها ساعدت الكثيرين كما ساعدته ويسلم على ثمانى سيدات أخريات يصف ثلاثا منهن بأنهن تعبن فى الرب واحدة تعبت لأجله، بينما يقول على واحدة أخرى منهن أنها أمه، ومن أبرز الأمثلة فى تاريخ الكنيسة بعد مريم العذراء هى أم مار مرقص مؤسس الكنيسة القبطية، فقد عرفت كيف تربى ابنها التربية التى تجعل منه تلميذا للمسيح، لقد استطاعت أن تجعل من منزلها مركزا لاجتماع المؤمنين فى العصور الأولى، وربت ابنها تربية حسنة فأعطت العالم تلميذا تنقل فى بلاد كثيرة لينشر فيها كلمة المسيح وخصوصا فى البلاد الإفريقية.
والأم فى العصر الرسولى أعطت من أمومتها الصادقة حنوا ورعاية وبذلا صادقا من أجل الآباء الرسل والقديسين، مما جعل مار بولس الرسول يتخذ من أم روفس تلميذه أما له، كما أنه فى عصر الاضطهادات كانت المرأة خير سندا فى تشديد إيمان الأبناء والآباء، حتى لا تخور عزائمهم أمام العذابات، كانت تتحمل آلاما نفسية تفوق الوصف عند رؤيتها للعذابات التى يجوزونها فى سبيل التمسك بإيمانهم، وهناك أمثلة كثيرة لنساء كن سببا فى تقوية ذويهن.
فقد امتدح القديس باسيليوس تلك الفتاة الشجاعة التى تدعى جولييت والتى استشهدت سنة 303 م فى اضطهاد دقلديانوس، وقال عنها: «كان وجهها يفوح فرحا وقداسة ويظهر للجميع غبطة روحها وصفاء أفكارها»، وكانت توصى النساء اللواتى كن يحطن بها بألا يرضخن مدعيات بضعف جنسهن قائلة: «إننا خلقنا كالرجل فى طبيعته على صورة الله ونحن مثله.. المرأة خلقت من الله بطاقة للفضيلة مثل الرجل.. أننا نعادله فى كل شىء.. ليس فقط لحما من لحمه وعظما من عظامه، ولذلك يطلب الله منا إيمانا لا يقل صلابة عن إيمان الرجل»، وكانت القديسة رفقة نموذجا رائعا للأم التى أعطت المثل والقدوة للجميع فى تجاوز عاطفة الأمومة من أجل تشجيع أبنائها الخمسة على التشبث بالإيمان ورفض عبادة الأوثان، الأمر الذى دفع القائد الرومانى ديونيسيوس أن يأمر بتعذيبهم مبتدئا بالأم التى أثبتت صبرا واحتمالا فوق طاقة البشر، وكانت تعزى أولادها الخمسة وتشجعهم على احتمال الآلام.
وفى خاتمة البحث برزت الحقيقة المؤكدة، هكذا نرى أن المسيح أعاد إلى المرأة كمال كرامتها ودورها الإنسانى، ويؤكد الوحدة الكيانية العميقة بينها وبين الرجل، رغم كل الفواصل المصطنعة التى أقامها المجتمع ليرسخ سلطوية الرجال ويحكم على النساء بالدونية والأستلاب، فقد بقى ألا نكتفى بتأكيد مكانة المرأة فى الإنجيل بحيث نستعفى من دورنا فى ترجمة هذه المكانة فى صلب الحياة اليومية وعلاقاتها وممارساتها.
وقد حدثنا التاريخ عن كثيرات مثل (جان دارك) التى كانت تصوم وتصلى وكانت آخر عباراتها وهى تحترق (يا يسوع المسيح)، و(رامابى) الفتاة الهندية التى تعد من أعظم قادة الحركة الفكرية والخدمة الإنسانية فى بلاد الهند، فقد بنت عدة ملاجئ للمتشردين من الأطفال آوت فيها آلفى طفلة، وإذا كان التاريخ يقول أن وراء كل عظيم امرأة، فهو قول صدق وحق، وراء (أديسون) المفكر الأمريكى (نانسى) الأم النابهة اللامعة التى يوم فصل ولدها من المدرسة أضحت له هى مدرسته، ووراء (موسى الكليم)، (يوكابد) الأم الحكيمة المؤمنة التى نقلته من فساد قصر فرعون إلى قداسة شعب الله، ووراء (يوحنا ذهبى الفم) الحبر العلامة والخطيب الألمعى (أنثوسا) الأم المضحية القديسة التى آثرت أن تكرس شبابها وجمالها من أجل ابنها يوحنا، ووراء (أوغسطينوس) اللاهوتى البارع، (مونيكا) الأم المصلحة المصلية التى كانت دموعها سببا فى إنقاذ ابنها العظيم، وكان وراء (يوحنا) امرأة قديسة وهى (أليصابات).