الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

متى نفهم سيكولوجية المصريين؟

متى نفهم سيكولوجية المصريين؟
متى نفهم سيكولوجية المصريين؟




د. محمد محيى الدين يكتب:

فى مشهدين عميقين فى معناهما، صور يوسف شاهين فى فيلم الأرض عن قصة الروائى عبد الرحمن الشرقاوى لخص طبيعة الشعب المصرى فى الأزمات، ففى المشهد الأول يتعارك شابان من شباب القرية على احقية كل منهما فى أولويته لرى أرضه قبل الآخر، وكادت المشادة تتحول إلى عنف يمكن أن تقسم القرية كلها إلى أن ينادى مناد بأن الجاموسة لفلاح اخر قد سقطت فى الساقية وفى لمح البصر يجرى الشابان ليشكلا راس سلسلة بشرية يتعاونون على اخراجها حتى اذا ما نجحا فى ذلك يستلقيان على ظهريهما من شدة التعب ليتعاتبا فى حوار مؤثر يعد من افضل ما كتب فى السينما المصرية.
وقد تذكرت هذا المشهد حين تحول المصريون شيبا وشبابا إلى لجان شعبية قررت أن تحمى ممتلكاتها واسرها عندما سقطت الشرطة فى اعقاب 25 يناير 2011 وخوفا من ضياع الوطن نسى الجميع خلافاتهم الطبقية والطائفية ومصالحهم الخاصة والضيقة.
إحساس الشعوب بالخطر المشترك هو الذى يشد من عزمهم، ويجعلهم يقدمون على التضحية حتى بحياتهم فى سبيل الوطن، واذا كان هذا صحيحا فى حياة البشر بشكل عام، فإنه مكون اساسى فى سيكولوجية الشعب المصرى إلا أنه وعلى الجانب الآخر فإن الحكومة فى مصر مازالت غير قادرة، أو لنقول غير راغبة فى معرفة تلك الحقيقة واستثمارها، وما زالت محكومة بنظريات اقتصادية واجتماعية تقليدية، وتتحرك بإيمان عميق بأن الأمر لا يعدو إجراء بعض الإصلاحات الاقتصادية قصيرة أو طويلة الاجل، وان ذلك سيؤدى إلى تماسك هذا الشعب وتجاوبه مع متطلبات التحدى الذى يواجهه، وللأسف فإن قوى الشر الداخلية والخارجية سبقت الحكومة وفهمت طبيعة الشعب وسيكولوجيته، وتعمل على توظيف ذلك لصالحها معتمدة على أحدث وسائل الحرب النفسية ومستخدمة لكل وسائل التقنية لهدم الدولة من الداخل.
ويتجلى عدم فهم الحكومة لسيكولوجية الشعب المصرى فى عدم قدرتها إعلاميا وسياسيا على تعبئة الشعور القومى بالمصارحة والقدوة والعدالة بين الجميع، وتعتمد أسلوب الإلحاح اعلاميا ونخبويا على ان مشاكل مصر فى الجانب الاقتصادى فقط، وهنا تلتقط قوى الشر طرف الخيط وتقوم بتسخين الشارع بكافة الطرق، لتعميق احساس المواطن بصعوبة الحياة وخلق قناعة لديه بأن الحكومة فاشلة، ومن ثم لا داعى للوقوف معها او مساندتها.
وحتى تزيد قوى الشر من حجم المشكلة بدأت فى تسريب شائعات بأن الحكومة هى صانعة الازمات، وساعدها فى ذلك التناقض بين ما تقوله الحكومة وما تفعله، فالتصريحات ترى بأننا فى حالة حرب دون اقتصاد حرب، وتحولت الحرب المقدسة التى يخوضها جيش مصر وشرطتها ضد الارهاب الى احصاء لعدد الشهداء والمصابين، وتحول الأمر وكأن قواتنا تجرى مناورات فى سيناء دون مشاركة مادية او معنوية شعبية لمساندتها، وغابت المشاركة الشعبية وغاب الفن والاعلام عن المعركة، وانشغل الناس بأزمة الدولار والسكر ودعم البنزين، وتندر الناس بدعوة الحكومة بضرورة التقشف، فى الوقت الذى تتوالى فيه الاخبار عن وزراء يقيمون فى فنادق فاخرة أو نواب للشعب ورجال أعمال لا يدفعون ضرائب او يتحايلون على القوانين لتحقيق مكاسب مادية.
وتدريجيا قد يحدث ما تصبو اليه قوى الشر وهو انفصال تدريجى بين الشعب والحكومة، ويكاد البعض يرى نفسه غريبا فى وطنه وينتظر فرصة لمغادرته، وحتى يحين وقت الرحيل، فإن جهده يجب الا يزيد على الدخل المادى المحدود الذى يحصل عليه على اعتبار أن الاخطار المحيطة بالبلد داخليا وخارجيا هى مسئولية الحكومة وعليها التعامل معها أما هو فقد اصبح نهبا للإحباط وتزايدت الغشاوة على أعينه فلا هو يرى حتى الانجازات التى تحققت على الارض بل ويتشكك فى جدواها وفقد القدرة على مجرد الحلم.
الحكومة فى مصر لا تزال بعيدة عن نبض الشارع، وإذا كانت الحكومة لا تفهم سيكولوجية الشعب المصرى فإننا ننصحها بقراءة كتابات مفكريها وادبائها ممن أفنوا حياتهم فى محاولة التعرف على الشخصية المصرية فنحن أحوج من أى وقت مضى لظهير شعبى قوى يمكننا ان نعتمد عليه لاجتياز ازماتنا وتحقيق تقدم يليق بدولة كبرى كمصر.