الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

استراتيجية إدارة الموارد الوطنية

استراتيجية إدارة الموارد الوطنية
استراتيجية إدارة الموارد الوطنية




أحمد عبده طرابيك يكتب:

تمتلك مصر العديد من الموارد والطاقات التى تمثل ثروات طبيعية هائلة، وذلك إذا ما تم استثمارها بطريقة اقتصادية رشيدة، بحيث يتم من خلالها تصنيع المنتجات والسلع الحيوية التى تشهد نقصا كبيرا فى السوق المصرية، ولتكون تلك الموارد بدائل للعديد من الموارد والسلع التى يتم استيرادها من الخارج، ومن ثم تخفيف الضغط على العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار الذى يستخدم بكثافة لاستيراد العديد من السلع والمنتجات التى يمكن إنتاجها محليا وبتكلفة تقل بكثير عن تكلفة مثيلاتها المستوردة.
تعتبر شجرة النخيل من أكثر الأشجار المعمرة غزارة بالموارد، فالمنتج الأساسى لتلك الشجرة وهو ثمار التمر الغنية بالعديد من العناصر الغذائية، حتى الآن لم يتم الاستفادة من تلك الثمار فى إنتاج أكثر السلع أهمية للمستهلك المصرى وهو السكر، فرغم تحول انتاج السكر بنسبة كبيرة من الاعتماد على قصب السكر الذى كان بدوره يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، والاتجاه لإنتاج السكر من البنجر، إلا أن التمور تعتبر من أفضل البدائل لإنتاج السكر، وخاصة السكر السائل «الجلوكوز» المستخدم فى انتاج الحلويات والكثير من المنتجات الغذائية، نظرا لعوامل عدة منها، أن أشجار النخيل يمكن لها أن تنمو فى المناطق الصحراوية وعلى جانبى الطرق وحتى فى الشوارع، ومن ثم إفساح المجال لزراعة القمح - الذى تعانى مصر من نقص شديد فى انتاجه - ومحاصيل أخرى فى المساحات الشاسعة التى يتم زراعتها بالبنجر.
التمور من حيث تركيبتها الكيميائية تحتوى على العديد من المركبات الغذائية الهامة، كالمواد السكرية والأحماض العضوية والدهون والبروتينات والألياف الغذائية وغيرها، وهذه المركبات يمكن أن تدخل فى صناعات متعددة، كالصناعات الغذائية والدوائية والكيميائية، ويمكن استخدامه فى إنتاج بعض الأحماض كحمض الخليك وحمض الستريك، وتصنيع الكحولات، إلى جانب انتاج الطاقة الحيوية وتطوير منتجات الوقود الحيوي، وكلها صناعات مهمة وتعتمد فى الوقت الراهن على معظم مستلزمات انتاجها من الخارج.
كما تدخل مخلفات النخيل فى العديد من الصناعات، فإلى جانب الصناعات التقليدية اليدوية القائمة على السعف والألياف، فإن مخلفات النخيل تدخل فى انتاج الوقود الحيوى والأسمدة الصناعية، وإنتاج الخشب المضغوط وصناعة الورق، كما يمكن استخدامها فى صناعة الأعلاف الحيوانية.
نموذج آخر للموارد التى وهبها الله لمصر، وهو مورد الطاقة الشمسية التى تعتبر أهم وأساس موارد الطاقة على كوكبنا الأرضي، ففى الوقت الذى تتسابق فيه الدول لتطوير فنون وأساليب الاستفادة من الطاقة الشمسية باعتبارها من أقل الموارد تكلفة، وأكثرها نظافة وحماية للبيئة، فإن مصر التى تتميز بسطوع للشمس طوال أيام السنة، لم تستثمر ذلك المورد الاستثمار الأمثل، فى ظل عجز كبير فى مصارد الطاقة، وما تتسبب فيه من خسائر بسبب التلوث الناتج عن احتراقها، هذا إلى جانب ارتفاع تكلفة انتاج الطاقة الكهربائية، مع الزيادة المستمرة فى استهلاكها.
تلك كانت أمثلة للعديد من الموارد المحلية التى يمكن من خلالها تعظيم الناتج المحلي، والتقليل من الاعتماد على الخارج، ولذلك تحرص كافة الدول على ترشيد استيرادها للمنتجات والسلع من خلال الاستثمار الأمثل للموارد المحلية الوطنية، وكيفية الاستفادة من تلك الموارد المتاحة لديها بتعدد استخداماتها، وتحويلها إلى منتجات تلبى طلبات الاستهلاك المحلي، بهدف التقليل قدر الإمكان من عمليات الاستيراد من الخارج، وما يترتب على ذلك من تكلفة اقتصادية.
تعتبر عملية ترشيد استهلاك الموارد وإدارتها وإعادة تدوير المخلفات بمختلف أنواعها، سواء كانت مخلفات الاستهلاك الإنساني، أو مخلفات عمليات التصنيع والانتاج، أحد أهم التوجهات الاقتصادية الحديثة، فعملية ترشيد الاستهلاك تعمل على تقليل حجم المدخلات فى عمليات الإنتاج، ومن ثم تقليل تكلفة انتاج السلع والمنتجات من جهة، كما أنها تعمل على تقليل حجم المخلفات التى تلوث البيئة، وتحتاج إلى ميزانيات للتخلص منها، ورغم كل ذلك تترك آثارا سلبية على المجتمع عند التخلص منها.
تعد عملية الإبداع فى إدارة واستخدام الموارد المحلية الوطنية، وتسخير تلك الموارد والإمكانيات المتاحة لإنتاج السلع والمنتجات التى تؤدى أغراضا متعددة، أو بدائل لمنتجات أخري، هى من أهم المطالب الملحة للمرحلة التى تمر بها مصر فى تلك الفترة، والتى تحتاج فيها إلى تقنين عمليات الاستيراد، والاعتماد على المنتج المحلى، وهذا يتطلب ثقافة شاملة نحو هذا التوجه، بداية من المستهلك، إلى الحكومة، مرورا بالمؤسسات والهيئات ورجال الأعمال الذين يتولون إدارة وتنظيم وتشغيل تلك المنظومة الهامة للاقتصاد الوطنى فى هذه المرحلة المهمة من تاريخ بلدنا.