السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الغل من مصر
كتب

الغل من مصر




 


  كرم جبر روزاليوسف الأسبوعية : 21 - 11 - 2009

لن نغفر لهؤلاء الهمج خطيئة حرق العلم المصرى
لماذا تأكل النيران قلوبهم من السلام الذى أعاد أراضينا؟
خمس وزارات أعلنت حالة التأهب لمواجهة أى موقف
الفضائيات تعاملت مع الأزمة بطريقة هبلة ومسكوها طبلة
ربما كنا فى حاجة إلى هذه الصدمة للإفاقة من تخدير الفوز
الوشائج والعلاقات التاريخية لم تحمنا يوماً من الكراهية
لن نغفر لهؤلاء الهمج أبدا مشهد حرق العلم المصرى فى شوارع الجزائر وتمزيقه ودهسه بالأحذية ووضعه على الأرض، وجعل السيارات تدوس عليه.. كل ما فعلوه شىء وحرق العلم شىء آخر.. ألد الأعداء لم يفعلوا فينا ذلك، حتى إسرائيل نفسها كانت أكثر شرفا واحتراما من هؤلاء المهاويس.
العلم المصرى هو الذى توحدت خلفه القلوب والألسنة، ولن ينفض هذا التوحد، حتى يأخذ كل مصرى تعرض للاعتداء حقه، وحتى تعلم هذه الشعوب الغبية، أن التسامح المصرى ليس ضعفا ولا خنوعا، وإنما ارتفاع فوق الصغائر.. ولكن من الآن لا تسامح مع من يسىء إلينا ويمس كرامتنا.
لا يستطيع مصرى واحد أن يجد تفسيرا مقبولا لحالة الغل والكراهية التى تحملها بعض الشعوب العربية لمصر وشعبها.. ماذا فعلنا - مثلا - لهؤلاء الجزائريين الذين جعلوا مباراة فى كرة القدم حربا شعواء، استخدموا فيها أسلحة ضد المدنيين، لا تستخدمها سوى جيوش البربر والسفاحين القتلة.. هؤلاء المرضى النفسيون لا يتركون أى مناسبة ضد مصر وشعبها، إلا وأخرجوا فيها غلهم وحقدهم وكراهيتهم.
خيال مآتة اسمه العروبة
لم تنفع العلاقات التاريخية والمشاعر الأخوية بين الشعوب العربية فى درء خطر أو جلب منفعة، ولم يشعر المصريون يوما أنها مظلة تحميهم من الصفات العربية الغالبة مثل الغباء ونكران الجميل والشماتة والكراهية.
نعم، كل الشعوب العربية ليست كذلك، ومصر وشعبها يؤمنون بالروابط والوشائج القوية التى تجمعهم تحت المظلة العربية، ولم تترك مصر شعبا عربيا فى أزمة، إلا ووقفت بجواره ومدت له يد المساعدة، ولكن فى معظم الأزمات، تتحول العروبة إلى وبال على مصر وشعبها.. لا أريد أن أنكأ الجراح، ولكن تذكروا فقط حوادث غزة الأخيرة، وكيف استخدموها فى الحرب ضد مصر وشعبها.
باسم العروبة تم الاعتداء على المصريين فى كثير من الدول العربية، وانتهكت حقوقهم وضاعت كرامتهم، وكانوا موضعا للسخرية والاستهزاء، بينما ظل بعض دراويش العروبة عندنا يدافعون عن تلك الانتهاكات، وينحازون إلى مصالحهم الشخصية وتوجهاتهم السياسية، ضد مصالح بلدهم وأبناء شعبهم.
أمة تحركها المصالح وليست العواطف
الملف الذى يجب أن نفتحه بعد العدوان الجزائرى الهمجى على الشعب المصرى، هو: هل نتعامل مع العرب بالمصالح أم بالعواطف؟ والإجابة هى ضرورة أن نفعل مثلهم، فلا نضحى بمصالحنا من أجل أحد، ولا نفرط فى كرامة مصرى من أجل شعارات زائفة، ظلت تخدر المصريين وتعمى عيونهم عن الغل والكراهية التى تضمرها بعض الدول والشعوب لمصر، والتى لا تختلف فى المواقف السياسية عن مباريات كرة القدم.
المصلحة الوطنية المصرية هى التى تجعل السلام مع إسرائيل خيارا استراتيجيا لمصر وشعبها، ولكن هذه الشعوب كانت تتمنى أن تظل مصر فى حالة حرب إلى الأبد، وأن يظل شعبها فقيرا ومنهكا وضائعا، ومازالت حتى الآن لا تنسى لمصر وشعبها أنهم استردوا أرضهم وأبرموا اتفاقية سلام مع إسرائيل.
اتفاقية السلام ليست بطحة على رأس مصر وشعبها، ولكنها أعادت إلينا كامل التراب الوطنى، والعرب الذين رفضوا السلام لم ولن يحصلوا على شىء، وخرجوا من المولد بلا حمص، وضيعوا على شعوبهم وبلدانهم عشرات السنين فى الجرى وراء سراب الشعارات الزائفة، ولكن النار تأكل قلوبهم لأنهم تأكدوا بعد هذه السنوات الطويلة أنه لا حرب ولا سلام بدون مصر.
ثلاثة أخطاء وقعنا فيها
الخطأ الأول: أننا كنا طيبين مع اللئام، ولم نتصور أبدا حجم التآمر البشع الذى خطط له الجزائريون منذ بداية التصفيات حتى مباراة الخرطوم، وكأنهم كانوا يديرون معركة حربية ضد مصر وشعبها، بينما تعاملنا نحن مع هذا التآمر البشع بمنتهى الطيبة والأخوة والمشاعر التاريخية وحسن النية.
الخطأ الثانى: هو أننا أرسلنا الجمهور غير المناسب للمكان غير المناسب، هم أرسلوا القتلة والسوابق والمجرمين، ونحن أرسلنا الكتاب والصحفيين والفنانين وأعضاء مجلس الشعب.. جمهور ذهب لممارسة البلطجة والهمجية، وجمهور ذهب للتشجيع والاستمتاع وتشجيع فريقه الوطنى.. مثل الإرهابيين الذين يقتحمون دور سينما أو مسرح، فيصيبون الجمهور بالخوف والهلع.
الخطأ الثالث: هو أننا حملنا السودان الشقيق أكثر من طاقته، فرغم الجهود الجبارة التى بذلوها، إلا أنهم كانوا طيبين مثلنا، وتصوروا أنهم يفتحون قلوبهم وبلادهم لبشر جاءوا من أجل الرياضة وليس القتل.
لا يجب أن يلام من هو حسن النية على حُسن نيته، ولكن كان ينبغى أن نرسل إليهم من يؤدبهم ويلقنهم درسا قاسيا ويعاملهم معاملة المجرمين والسفاحين الذين يستحقون الضرب وسوء المعاملة.
يفعلون مثل العصابات التى انقرضت
الاعتداءات التى تعرض لها المصريون الأبرياء فى الجزائر، تعيد إلى الأذهان عصور الهمجية قبل نشأة الدول الحديثة، عندما تُغير جماعة من البربر وقطاع الطرق على مواطنين مسالمين، فتقتل وتحرق وتسرق، ورغم أن هذه العصابات قد انقرضت من العالم، إلا أنها مازالت حية فى الجزائر، التى تعيدنا إلى عصور الهمجية والفوضى وعصابات البربر وقُطاع الطرق.
هل يُعقل ونحن فى القرن الواحد والعشرين أن تحدث مثل هذه الاعتداءات الجماعية، بينما الدولة الجزائرية المسئولة عن حياة وممتلكات المصريين، تقف متفرجة وصامتة وأحيانا مشاركة، ضاربة عرض الحائط بالقوانين والأعراف الدولية التى تحدد حقوق وواجبات رعايا الدول الأخرى على أراضيها؟!
نحن لن نفعل مثلهم لأننا دولة متحضرة، ولكن عليهم أن يدركوا أن لهم سفارة ومصالح ورعايا فى بلادنا، وبمقتضى المعاملة بالمثل سوف نقول لهم اتركوا بلادنا أنتم غير مرغوب فيكم، وأول من يستحق الطرد هو السفير الجزائرى بالقاهرة، الشرير الذى أساء للبلد الذى يستضيفه، ونفذ المؤامرة بخسة ونذالة ووقاحة.
لقد أشعل هذا السفير النار والفتن، وظل صامتا لمدة ثلاثة أيام ولا ينفى الشائعات الكاذبة عن مقتل جزائريين بالقاهرة، وكان يقول كلاما هنا وعكسه هناك، ولن يُشفى غليلنا إلا أن نراه يرحل لبلاده دون رجعة.
إعلام يوم القيامة!
من جانبهم، لعب الإعلام الجزائرى أقذر الأدوار فى إشعال الفتن والأكاذيب، واستخدم أساليب متدنية لإهانة الشعب المصرى والاستهزاء به، وللأسف الشديد فإننا لم ننتبه لخطورة ما يجرى بسبب بعض الانتهازيين فى صفوفنا، الذين دافعوا عن هذه الإساءات ووجدوا لها الأعذار والمبررات.
لم ننتبه إلى أنهم ينفذون مؤامرة كبرى، وتعاملنا مع الأمر بسلامة نية، وأنه نوع من الحماس والغيرة للوصول إلى نهائيات كأس العالم دون أن ندرك أن المؤامرة تديرها أعلى السلطات الجزائرية ابتداء من رئيس الدولة، حتى المحكوم عليهم الذين أُطلق سراحهم وإرسالهم إلى الخرطوم.
من جانبنا، تعاملت بعض الفضائيات الخاصة مع المباراة بطريقة هبلة ومسكوها طبلة.. وصورت الموقف على أنه يوم القيامة، إما الفوز ودخول الجنة أو الهزيمة ودخول النار.. وحشدت هذه الفضائيات كل الأغانى الوطنية التى تشكل الوجدان المصرى، ووضعوا عليها لقطات أبوتريكة وأحمد حسن وعمرو زكى، من تأميم قناة السويس حتى حرب أكتوبر العظيمة، كل شىء تم اختزاله فى المباراة.
هذا الإعلام السيئ هو الذى نجح فى جرجرة المصريين إلى حرب الاستفزاز والثأر، وظل يدق طبول الحرب ويجهز ميدان المعركة، ويشحذ همم المشجعين.. لكن الجزائريين لجأوا إلى أساليب الحرب القذرة، ولم يتسلحوا بروح الشهامة والرجولة والمنافسة الشريفة.
هل أخطأت الحكومة؟
كالمعتاد.. يحلو للبعض أن يبحث عن كبش فداء للأزمة، واتجهت سهام النقد العنيف إلى الحكومة، وطالب البعض بإقالتها بسبب تفريطها فى كرامة المصريين وتقصيرها الشديد فى إدارة الأزمة.
فى البداية نؤكد أن الإدارة الرئاسية للأزمة كانت فى منتهى الحزم والسرعة، وأشرف الرئيس بنفسه على إجراءات تأمين المصريين فى السودان حتى عودتهم سالمين إلى أرض الوطن، واستمر الجسر الجوى ينقل الجمهور لساعات طويلة، إدارة يقظة وشريفة وحاسمة.
أما الحكومة، فقد ظل ثلاثة من وزرائها طوال الليل فى متابعة الموقف أولا بأول، وتنفيذ تعليمات الرئيس وهم وزراء الطيران والإعلام والصحة، بجانب وزارتى الدفاع والداخلية اللتين اتخذتا الإجراءات الكفيلة بتأمين سلامة المصريين، ولكن هذه إجراءات سرية ولا يتم الإعلان عنها.
هؤلاء الوزراء الذين تحركوا بسرعة، هم جزء من الحكومة وليسوا خارجين عليها أو تابعين لجهات أخرى، وفى هذا الحادث بالذات لا يمكن اتهام الحكومة بالتقصير أو الإهمال، ولا يمكن أن تكون كبش فداء لأخطاء لم ترتكبها، لأن خمس وزارات على الأقل كانت فى حالة طوارئ قصوى تبعا لتداعيات الموقف.
رُب ضارة نافعة
فقد تكون هذه الأزمة نقطة انطلاق جديدة لتصحيح الأخطاء والاستفادة من الدروس.. وأول شىء يجب أن نحافظ عليه هو روح التوحد حول العلم المصرى، ويجب أن تمتد هذه الروح من مباراة كرة قدم إلى أشياء كثيرة أخرى مهمة فى حياتنا.
وحدت الأزمة المصريين جميعا، ومهما اختلفت ميولهم السياسية، إلا أنهم هبوا للدفاع عن كبرياء مصر وكرامة شعبها، وأعتقد أن هذه الروح سوف تؤدى إلى بناء رأى عام مصرى يتصدى لكل من يتهاون فى الكرامة الوطنية، سواء داخل مصر أو خارجها، تحت أية مسميات أو تبريرات.
رب ضارة نافعة، لأننا سوف نعيد تقييم علاقاتنا بالدول الشقيقة، دون انفعال أو عصبية، فمصر تنتمى لهذه الأمة مهما حدث، وستظل الدولة الكبرى التى ترتفع فوق الصغائر، ولكن مع الدول المحترمة التى لا تلجأ لمثل هذه الصغائر.
ربما كنا فى حاجة إلى مثل هذه الصدمة للإفاقة من تخدير فوز، قد يدارى أخطاء كثيرة.


كرم جبر


Email:[email protected]