الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الدكتور رمسيس عوض: عجزت عن فهم ما يدور حولى فى مصر والسبب الإعلام






 يعيش الدكتور رمسيس عوض أستاذ الأدب الانجليزى بكلية الألسن جامعة عين شمس حالة انعدام وزن  بسبب غموض الرؤية، والضبابية التى تغلف الساحة السياسية والاجتماعية، وأرجع السبب فى هذه الحالة إلى الفضائيات، وقال فى حواره لـ «روزاليوسف»: «ما أراه الآن من ثمار الثورة هو ظهور فئة كبيرة من نجوم التليفزيون الذى يصدعوننا بالحديث عن الثورة والاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية».
 
رمسيس عوض مفكر وأديب وناقد ومترجم ومؤرخ للأدب، فضلا عن أنه موثق ببلوجرافى أصدر ما يزيد على ستين كتابا باللغة العربية الى جانب أبحاثه فى الادبين الانجليزى والامريكى حول ما تمر به مصر والعديد من القضايا كان لنا معه هذا الحوار.
 

 
 

 
 
■ كيف تقرأ ما يحدث فى مصر الآن؟
 
 بصراحة رغم ثقافتى وتعليمي، بل وظيفتى كأستاذ للأدب الانجليزي، فإننى عاجز تماما عن فهم ما يدور حولي، ويرجع السبب فى هذا إلى الإعلام الذى يزيد الأمور تعقيدا والتباسا وغموضا، فكل ما أراه الآن من ثمار الثورة هو ظهور فئة كبيرة من نجوم التليفزيون الذين يصدعوننا بالحديث عن الثورة والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى مصر، فأنا فى حالة انعدام وزن، حتى رجال القانون طالتهم هذه الفوضى بتضارب تفسيراتهم للقوانين، الأمر الذى يثير الحيرة والبلبلة، فلم أكن أتصور فى يوم من الأيام أن تضارب التفسيرات القانونية والدستورية إلى هذا الحد وهو الأمر الذى لا يساعد الشعب المصرى على بلورة أفكاره، وأن تصبح له رؤية واضحة عن أحواله فى الوقت الراهن، وما يمكن أن يحدث له فى المستقبل، وبلغة الأدب أستطيع أن أقول إننا نعيش فى عصر اللامعقول أو الزمن العبثي، فللأسف أصبح الفكر المصرى مفتتا ومنقسما على نفسه، وفى حالة استقطاب مدمرة.
 
■ لكن هذه الفوضى والسيولة تعقب الثورات دائما؟
 
 صحيح، الثورات يصاحبها الكثير من الفوضى وشيئا فشيئا تستقر الامور وتظهر الملامح والاهداف الاساسية لهذه الثورة ثم تستقر وتأخذ شكلا ملموسا يغير من بوصلة واتجاه المجتمع، ولنضرب مثلا بالثورة الفرنسية وهى من أعنف الثورات وأكثرها دموية، لكن الثورات الحقيقية كالفرنسية لها رؤية واضحة المعالم، فقد مهد لها فلاسفة كبار أمثال جان جاك روسو صاحب الكتاب المعروف (العقد الاجتماعي) وروايته الشهيرة (ايميل) التى تذهب إلى أن الإنسان خير بطبيعته ولكن الظروف الاجتماعية تفسده، وهناك قانونيون مهدوا لهذه الثورة مثل ديدرو ومونتسكيو، باختصار الثورة الفرنسية تعتمد رؤيتها على الاطاحة بالنظام الإقطاعي، أى طبقة النبلاء التى ترتبط مصالحهم برجال الدين ثم احلال طبقة جديدة بدأت تبزغ فى الافق وهى طبقة رجال الصناعة والتجارة، أى ما يعرف بالطبقة البرجوازية، صحيح أن كثيرا من الدماء سالت، خاصة من الابرياء، لكن فى نهاية الأمر حققت الثورة هدفها الاساسى، وهو الاتيان بالطبقة البرجوازية الى الحكم، ومن هنا أثرت هذه الثورة فى جميع أنحاء العالم بغلبة رجال الصناعة والتجارة على طبقة النبلاء ورجال الدين، وهذا ما لم يحدث بالنسبة للثورة المصرية.
 
■ هل أنت ممن يترحمون على أيام النظام السابق؟
 
- انا لا اترحم عليه، لكن دراستى للتاريخ جعلتنى شديد الحذر مما قد تؤدى إليه الثورات من استبداد وظلم، قد يكونان افدح من الاستبداد والظلم الذى وقع قبل الثورة، فالثورة تنحرف عن مسارها وتأتى بمجموعة من الانتهازيين، وعلى سبيل المثال الثورة البلشفية أفرزت «لينين» و«ستالين»، أما العنصر الثورى الذى يخلو من القسوة إلى حد ما، وأعنى به (تروتسكى) فقد لفظته الثورة رغم أنه أحد أبنائها واضطرته إلى أن يعيش فى منفاه.
 
■ كيف ترى حكم الاخوان حتى الآن؟
 
- كنت أعتقد أن الامور سوف تستقر بمجرد أن يتولى الرئيس مقاليد الحكم فى البلاد باعتبار أنه يمثل تيار الاغلبية المصرية، فإذا بى أجد وضعا فى منتهى الغرابة، وهو أن الامور تسير بنفس الفوضى ونفس الاحتجاجات، فللأسف الثورة لم تفرز نظاما له ملامح اقتصادية واجتماعية واضحة، فعلى سبيل المثال نجد الملمح الرئيسى للثورة الفرنسية كان مجيء النظام الرأسمالى الى الحكم، والملمح الرئيسى للثورة البلشفية هو مجيء الماركسيين وتطبيق النظام الاشتراكى فى الاقتصاد، صحيح أن هذا لم يحدث والثورة كان هدفها مجيء البروليتاريا (الطبقة العاملة) إلى الحكم، ولكن الذى حدث أن أعضاء الحزب الشيوعى هم الذين اغتصبوا الحكم.
 
■ لكن لماذا لا نعطيهم الفرصة والوقت الكافيين لتنفيذ برنامجهم؟
 
- الشعب المصرى شعب غير عقلانى وأهوج فى مشاعره وغير ناضج سياسيا واجتماعيا، فقد كان يعتقد أن الرئيس مرسى يحمل فى يده عصا سحرية يستطيع أن يحول بها الظلم إلى عدل والاستبداد إلى حرية، فليس من المعقول أن مظالم الشعب المصرى الراسخة منذ عهد الفراعنة حتى الآن يمكن حلها فى أيام أو شهور، والمشكلة الحقيقية هى من أين نبدأ؟ وكيف نبدأ؟ والنظام الحالى ليست له رؤية اقتصادية واجتماعية واضحة، ما أفهمه هو أننا نتجه إلى النظام الرأسمالى البحت، أو نتجه إلى نظام رأسمالى مطعم بما يسمى الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، مثل التأمين الصحى والحد الاقصى  والادنى للأجور، وهو ما يحدث بكثير من الشفافية فى البلاد العتيدة فى الرأسمالية، مثل أمريكا ودول أوروبا الديمقراطية، أما نحن فليس لنا سياسة اقتصادية واضحة، نحن نريد أن نرضى جميع الاطراف وهذا مستحيل، إما أن تناصر الفقراء على حساب الأغنياء، أو تناصر الأغنياء على حساب الفقراء، فهل يعقل أن تفرض ضرائب على شخص دخله السنوى لا يتجاوز الخمسة آلاف جنيه، حتى نظام الضرائب الذى تتبناه الحكومة غير عادل.
 
■ ترجمت العديد من الكتب عن محاكم التفتيش فى اوروبا .. فهل تخشى محاكم تفتيش العقول؟
 
-  لقد توفرت على تأليف ستة كتب عن محاكم التفتيش فى الكنيسة الكاثوليكية عندما استشعرت الخطر الداهم عندما هاجم مجموعة من الاسلاميين الجهاديين المتطرفين السياح فى الأقصر عام 1997، وراح ضحية الحادث حوالى ستين شخصا، هذا الحدث اقشعر له بدنى وافزعنى على المستوى الانسانى واستبشعته على المستوى الاقتصادى، لأنه ألحق أضرارا بالغة بمصالح مصر الاقتصادية، وبالمناسبة شاهدت شخصا على شاشات التليفزيون يطالب بهدم الأهرامات وأبو الهول وسائر الاصنام دون أن يفكر فى عواقب ذلك، ومصالح المشتغلين فى مجال السياحة، ونظرة العالم الخارجى لنا، فبدلا من أن يفكر فى بيع آثار مصر لدول أجنبية مما يعود علينا بثروات ضخمة للخزانة المصرية يفكر فى تدميرها.
 
هذا النوع من التفكير أبشع من محاكم التفتيش، ففكرة الإقصاء والتكفير والاستقطاب فكرة أساسية فى محاكم التفتيش الأوروبية، وعندما أصدرت كتبى عن محاكم التفتيش كنت أحذر من المستقبل المظلم الذى ينتظر مصر، فإذ بتحذيرى يذهب أدراج الرياح واذا بنا نعيش وسط محاكم التفتيش، ونفس الشيء ينطبق على التحقيقات المكارثية فى امريكا، لقد كنت أظن أننى اطلق صرخة ضد هذه التحقيقات وهذا التفتيش فى نوايا الناس، فإذا بى أفاجأ بما هو أبشع.
 
■ الملاحظ أن معظم ترجماتك عن الأفكار والآداب اليسارية رغم سقوط وتراجع اليسار على المستوى المحلى والعالمي؟
 
- لقد بدأت حياتى كشيوعى مثل كثير من المثقفين الذين تخرجوا فى الجامعة فى أوائل الخمسينيات وما قبلها، ولكن بعد أن نضجت فكريا بدأت أكتشف ما فى النظام الشيوعى من ظلم ولهذا اهتممت بـ(برتراند راسل) الذى بدأ حياته شيوعيا وزار روسيا وقابل (لينين)، واكتشف أكذوبة الشيوعية، وبعد عودتى من البعثة فى جامعة (اكستر) بإنجلترا عام 1957 بدأت انفض عن نفسى شيئا فشيئا غبار الشيوعية، وبدأت أمن بنظام الاشتراكية الديمقراطية الذى يحاول أن يجمع بين الحرية والعدالة الاجتماعية، بدليل أننى توفرت على ترجمة كتاب آرثر كيسلر (الظلام فى الظهيرة) والذى يعد أروع عمل أدبى روائى كتب حتى الآن لمهاجمة النظام الشيوعي، ويزيد من أهمية هذا العمل أن مؤلفه كان شيوعيا يوما ما ثم قرر أن يهاجم الشيوعية بضراوة ويتصدى لها بكل ما أوتى من قوة، وموقفى هو نفس موقف برتراند راسل، ونفس موقف أندريه جيد، ونفس موقف آرثر كيسلر ضد الشيوعية، أى كفر بالشيوعية بعد ايمان عميق بها.
 
■ لكن يلاحظ أن بعض الدول الشيوعية حققت رخاء اقتصاديا مثل الصين وبعض دول أمريكا اللاتينية؟
 
- لأنها ببساطة ابتعدت عن تطبيق النظام الاقتصادى الماركسى، ففى عهد ستالين ظهرت فى روسيا فكرة انشاء المزارع الجماعية، واكتشفوا فى نهاية الامر أن المحصول كان ضعيفا للغاية واكتشفوا خطأ النظرية الماركسية فى هذا الأمر القائم على نظرية التأميم، كما اكتشفوا أن المبادرة الفردية أهم وأجدى من الجهود الجماعية.
 
■ ما مصير مكتبتك الخاصة ؟
 
- لقد أهديت نصف مكتبتى إلى كلية الألسن بجامعة عين شمس، والنصف الآخر الى كلية الآداب بجامعة المنيا، كما أننى أهديت مكتبة شقيقى الأكبر الدكتور لويس عوض إلى كلية الألسن التى خصصت لها قاعة مستقلة تحمل اسمه.